الجانب المجتمعي لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017
د. محمد فتحي حصّان
عادة ما ينظر إلى قانون الاستثمار بأنه قانون يخص المستثمرين وأصحاب الأموال ورجال الأعمال، ويتم إغفال الجانب الاجتماعي والمجتمعي لهذا القانون، بالرغم من أن أهداف هذا القانون كلها لها آثارها الاجتماعية غير المباشرة سواء من حيث رفع معدلات النمو الاقتصادي للبلاد، وزيادة معدلات الإنتاج المحلى وتوفير فرص العمل وتشجيع التصدير وزيادة التنافسية، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
ولكن بتتبع مواد قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 سنجد الكثير من الجوانب الاجتماعية والمجتمعية المباشرة والصريحة، حيث تضمن (الفصل الثاني) من هذ القانون (أهداف الاستثمار ومبادئه) بالمادة رقم (٢): أنه يحكم الاستثمار في مصر عدد من المبادئ منها مراعاة جميع النواحي ذات البعد الاجتماعي.
ومع اشتداد الازمات الاقتصادية وتأثيراتها السلبية على الطبقات الفقيرة يتزايد التساؤل عن الدور المجتمعي لهذا القانون، وهو ما سنحاول استعراضه على النحو التالي:
إلزام بعض الأنشطة والمجالات الخاضعة لأحكام قانون الاستثمار بدور مجتمعي:
يتضمن قانون الاستثمار (13) قطاعا استثماريا، وقد تضمنت بعض الأنشطة والمجالات الواردة ضمن هذه القطاعات إلزاما مباشرا للمستثمر بتقديم دور مجتمعي وهي على النحو التالي:
قطاع الصحة والذي يشمل الآتي:المستشفيات المتخصصة أو المتكاملة أو العامة، وما تضمه من أنشطة داخلية علاجية أو طبية.
المراكز الطبية التشخيصية أو العلاجية.
وقد اشترط القانون أن تقدم تلك المستشفيات والمراكز الطبية والعلاجية (١٠%) سنويا بالمجان من عدد الأسرة التي يتم شغلها بالنسبة للمستشفى أو من الحالات التي يتم تقديم الخدمة الطبية أو العلاجية أو التشخيصية لها بالنسبة للمركز.
قطاع الإسكان والتشييد والبناء: ويشمل ضمن ما يشمل مشروعات الإسكان الاجتماعي ومشروعات الإسكان الموجهة لمحدودي الدخل.
منح الحوافز الخاصة للمناطق الأكثر احتياجا للتنمية وفقا للمؤشرات الاجتماعية:
منح قانون الاستثمار حافز خاصا بنسبة (50%) من التكاليف الاستثمارية تخصم من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة للمشروعات الاستثمارية التي تقام في النطاق الجغرافي للقطاع (أ) والذي يشمل ضمن ما يشمل المناطق الأكثر احتياجا للتنمية التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء والتي تتصف بالآتي:
انخفاض مستويات التنمية الاقتصادية والناتج المحلي وزيادة حجم القطاع غير الرسمي بها.
انخفاض مستويات التشغيل وفرص العمل المتاحة وارتفاع معدلات البطالة.
المؤشرات الاجتماعية الأتية: (زيادة واضحة في الكثافة السكانية – انخفاض مستوي جودة التعليم وزيادة نسبة الأمية -انخفاض مستوي الخدمات الصحية-ارتفاع معدلات الفقر).
وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٧ لسنة 2020 المنشور بالجريدة الرسمية في ١٦ فبراير٢٠٢٠ تحديد مناطق القطاع ( أ ) الأكثر احتياجاً للتنمية في تطبيق قانون الاستثمار وشملت تلك المناطق: (منطقة جنوب محافظة الجيزة – والمحافظات التابعة لإقليم قناة السويس: بورسعيد و الإسماعيلية والسويس (شرق القناة) – المحافظات الحدودية ، بما فيها محافظة البحر الأحمر من جنوب سفاجا – محافظات الصعيد ) .
منح حوافز لدعم المسئولية المجتمعية للمستثمر:
للمرة الأولي منذ صدور قوانين الاستثمار المتتابعة في مصر والتي بدأت مع صدور القانون رقم 65 لسنة 1971 في شأن استثمار المال العربي والمناطق الحرة ، ثم القانون 43 لسنة 1974 في شأن نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة ، مرورا بقانون الاستثمار رقم 230 لسنة 1989 ، وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 ، ينص قانون الاستثمار في مصر على دعم المسئولية المجتمعية للمستثمر، فوفقا لأحكام قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية فان للمستثمر تخصيص نسبة من أرباحه للمشاركة في التنمية المجتمعية خارج مشروعه الاستثماري من خلال مشاركته في كل أو بعض المجالات الآتية:
اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتحسين البيئة، أو تحسين الظروف البيئية في المجتمع ومعالجة المشاكل البيئية المختلفة، ومنها على سبيل المثال ما يلي: إيجاد آليات لإعادة تدوير المخلفات – استخدام محطات معالجة لإعادة استخدام المياه – استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة – التخلص من النفايات بطريقة آمنة – خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وأي مشروعات للتكيف مع آثار التغيرات المناخية.
تقديم خدمات أو برامج في مجالات الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية، أو في أي من مجالات التنمية الأخرى، من خلال أي من:
توفير فرص عمل لذوي الاحتياجات الخاصة.
رعاية الأنشطة الشبابية والرياضية.
رعاية الموهوبين والمبتكرين (علميا/ فنيا/ رياضيا).
المشاركة في برامج رعاية الأسر الفقيرة، وتحسين معيشة المواطنين.
تمويل حملات التوعية التي تستهدف الترويج لسبل الهجرة الآمنة أو الحد من الهجرة غير الشرعية، وبرامج التأهيل والتدريب في مجال توفير البدائل الإيجابية للهجرة غير الشرعية مثل برامج ريادة الأعمال أو التدريب من أجل التوظيف بالقطاعات الصناعية والخدمية المختلفة داخل مصر أو خارجها، وخاصة في المحافظات المستهدفة المنتشر بها تلك الظاهرة بالتعاون مع وزارات الشباب والرياضة، القوى العاملة، والدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج.
دعم التعليم الفني أو تمويل البحوث والدراسات وحملات التوعية التي تستهدف تطوير وتحسين الإنتاج بالاتفاق مع إحدى الجامعات أو مؤسسات البحث العلمي، داخليا أو خارجيا.
التدريب والبحث العلمي، بما يكفل تحديث التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج، وإعداد الدراسات الهادفة لتحسين البيئة وتجنب الأثر البيئي الضار.
ويعد ما ينفقه المستثمر من مبالغ في إحدى المجالات المنصوص عليها في الفقرة السابقة بما لا يجاوز (١٠%) من أرباحه السنوية الصافية من التكاليف والمصروفات واجبة الخصم وفقا لنص المادة (٢٣) بند (٨) من قانون الضريبة على الدخل.
كما الزم القانون ولائحته التنفيذية المستثمر الذي يخصص جزءا من أرباحه لإنشاء نظام للتنمية المجتمعية بأن يتقدم إلى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بتقرير سنوي مدعم بالمستندات المؤيدة لذلك والتي تحددها الهيئة.
منح الرخصة الذهبية لمشروعات التطوير العمراني من أجل القضاء على العشوائيات:
تضمنت المجالات والأنشطة التي تمنح الموافقة الواحدة (الرخصة الذهبية) وفقا لأحكام قانون الاستثمار في قطاع الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مشروعات التطوير العمراني للقضاء على العشوائيات داخـل المحافظات.
والرخصة الذهبية هي موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما في ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة له، يجوز منحها للشركات بقرار من مجلس الوزراء كما يجوز أن تتضمن هذه الموافقة سريان أحد الحوافز الواردة بهذا القانون على المشروع أو أكثر وتكون هذه الموافقة نافذة بذاتها دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر.
وفي النهاية فإنه يجب التأكيد أن العبرة بالتنفيذ الفعلي للنصوص الواردة بقانون الاستثمار والمتعلقة بمنح حوافز ومزايا تتعلق بالجانب المجتمعي، فكم من نصوص جيدة لم يتم تنفيذها وظلت حبرا على ورق، ومن ثم فإن الأمر يتطلب المتابعة المستمرة من الدولة حتى يتحقق البعد الاجتماعي لقانون الاستثمار، خصوصا في ظل الازمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والتي يدفع فاتورتها أولا الطبقات الفقيرة.