اللاجئون الأوكرانيون والدروس المستخلصة من التجربة السورية
دخلت الحرب في أوكرانيا أسبوعها الرابع ولم تتضح بعد نتائج النزاع على عدة أصعدة. وفي حين أصبحت الموجة الأولى من اللاجئين الأوكرانيين داخل حدود “الاتحاد الأوروبي”، يجب أن يسعى واضعو السياسات في “الاتحاد” إلى استخلاص الدروس من النزاع السوري المستمر منذ أكثر من عقد، وذلك بهدف المساعدة في معالجة تداعيات الحرب على أوكرانيا وتخفيفها.
وتندرج ربما قابلية النساء والأطفال النازحين واللاجئين للتطرف ضمن أكثر النزعات المثيرة للقلق في النزاع السوري – وتؤكد ذلك دراسات نظام “نقاط الضعف والتعرض الشائعة” القائمة على النزاعات الأخرى. ومن الضروري جدًا تخفيف قابلية هذه الفئات المستضعفة للتطرف وتلبية احتياجاتها، من أجل تفادي زرع بذور النزاعات الطويلة الأمد التي تمتد على عدة أجيال.
أصداء سورية في أوكرانيا
في حين أن النزاعَين الجاريَين في سوريا وأوكرانيا مختلفان تمامًا – فالأول هو حرب أهلية والآخر هو غزو عسكري تقليدي – يشكّل الدور البارز والتدميري الذي تضطلع به روسيا في كلا الحربين قاسمًا مشتركًا. فقد تدخّلت روسيا لإنقاذ نظام الأسد منذ أكثر من خمس سنوات تقريبًا، عندما بلغ النزاع السوري مرحلةً بدا فيها نظام الأسد معرَّضًا للخطر. وعزز التدخل الروسي نظام الأسد – فيما هدف بدرجة كبيرة إلى إعادة التأكيد على دور روسيا كجهة فاعلة عالمية – كما تَسبَّب هذا التدخل بمعاناة إنسانية هائلة. وبدأت روسيا منذ سنوات تحتل تدريجيًا الأراضي الأوكرانية، إذ ضمّت شبه جزيرة القرم في عام 2014 قبل الغزو الشامل الذي تنفّذه اليوم. واستخدم بوتين مرارًا حجة العدوان الذي يمارسه حلف الـ”ناتو” من أجل تحقيق هدفه المتمثل في بروز روسيا من جديد على الساحة العالمية.
لم تقتصر تكاليف طموحات بوتين على ما نتج عنها من قتلى ودمار والتباس جيوسياسي. ويبدو أن روسيا سعت إلى تشريد السكان عبر قصف أهداف مدنية من أجل تشجيع النزوح الجماعي. ففي خلال النزاع السوري، هرب الملايين من البلاد، ولكن فضّل عددٌ أكبر بكثير اللجوء مؤقتًا إلى مجموعة من المخيمات المخصصة للنازحين والمنتشرة في أرجاء البلاد خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام. ويُعد مخيم الهول الذي يقع في شمال شرق سوريا أبرزُ هذه المخيمات، وكان في الأصل مخيمًا للّاجئين العراقيين.
على نحوٍ مماثلٍ، دفعت بالفعل الهجمات الروسية اللاجئين الأوكرانيين إلى الرحيل الجماعي، في موجة جديدة بعد نزوح ملايين الأشخاص تقريبًا هربًا إلى روسيا وأجزاء أخرى من أوكرانيا عندما ضُمّت شبه جزيرة القرم في عام 2014. وابتداءً من 15 آذار/مارس 2022، أشارت تقارير “الأمم المتحدة” إلى أن عدد الأشخاص الذين رحلوا من أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي فاق ثلاثة ملايين نسمة.
آثار النزاع تاريخيًا على النساء/الأطفال
تؤدي النساء أدوارًا متنوعة في النزاعات تتراوح من القتال النشط إلى دور ضحايا الحرب أو غنائمها. ولكن تاريخيًا، أثّرت النزاعات في النساء والأطفال بشكلٍ غير متناسب – إذ غالبًا ما تفتقر هاتان الفئتان إلى القدرة على الدفاع عن النفس، وتشكلان في كثيرٍ من الأحيان فريسةً للمقاتلين. فهم يعانون غالبًا من الصدمة والنزوح القسري والعنف الجنسي، كما يُحرَمون عادةً من الحصول على العدالة بعد انتهاء النزاع. وتضطر أرامل الحرب في معظم الأحيان إلى ترؤُّس الأسرة وتولّي مسؤولية إعالتها. وللأسف، تبقى فرص العمل محدودة لعددٍ كبيرٍ من هؤلاء النساء، حتى أن بعضهن قد يلجأن إلى الدعارة لتحقيق القدرة على الصمود. وإلى ذلك، تتّجه أعدادٌ كبيرة من العائلات النازحة، التي تتألف بشكلٍ أساسي من النساء والأطفال، إلى مخيمات النازحين. وللأسف، يبدو أن ذلك ينطبق أيضًا على الحالة الأوكرانية، إذ يشكل على الأرجح اللاجئون من النساء والأطفال عددًا غير متناسب، بما أن الحكومة الأوكرانية منعت الرجال الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 60 عامًا من مغادرة البلاد.
تجنّب التطرف
أدت الحرب الأهلية السورية إلى نزوح أكثر من 13.5 مليون سوري. وما زال 6.7 ملايين شخصٍ منهم يعيشون في مخيمات عدة مخصصة للنازحين داخليًا في سوريا، فيما غادر 6.8 مليون لاجئ البلاد. ويطرح هذا العدد الكبير من الأشخاص تحديات صعبة على صعيد مكافحة التطرف. وحاول “الاتحاد الأوروبي” والمملكة المتحدة إدماج اللاجئين السوريين في مجتمعاتهما، فيما عملا على تخفيف الأثر المترتب عن هذه الخطوة على سوق العمال المحلية – وبالتالي الحد من احتمال الاستياء والتطرف. وغالبًا ما يعاني العدد الكبير من اللاجئين الذين يعيشون في المخيمات في تركيا والأردن ولبنان ظروفًا قاسية، علمًا أن “الأمم المتحدة” تقدّم المساعدات الإنسانية للحد من مصابهم. ولكنّ وجودهم والعبء الذي فرضوه على الاقتصادات المحلية أثارا شعورًا بالاستياء تجاههم. إلا أن الوضع في مخيم الهول في سوريا يمثّل أسوأ الحالات.
منذ عام 2016، شكّل مخيم الهول مخيم النازحين الأكبر في سوريا، إذ يستقبل أكثر من 60000 نازح سوري وأجنبي وفقًا لتقديرات عام 2021، وتُشرف عليهم كافة “قوات سوريا الديمقراطية”. ويأوي هذا المخيم أيضًا في قسمٍ منفصلٍ أفراد أسر مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” المحتجزين، الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من مجموع سكانه: يبلغ عددهم حوالي 10000 فرد قادمين من 57 بلدًا.
تفوق نسبة النساء والأطفال 80 في المئة من سكان المخيم. وبحسب أحد الخبراء في “الأمم المتحدة”، “يتعرّض آلاف الأشخاص المحتجزين في المخيمات للعنف والاستغلال وسوء المعاملة والحرمان، ويواجهون ظروفًا ومعاملةً قد تبلغ حدّ التعذيب أو أنواع أخرى من المعاملة أو العقاب يعتبرها القانون الدولي قاسية أو غير إنسانية أو مهينة، وهم لا يملكون أي علاج ناجع لوضعهم. وسبق أن توفي عدد غير محدد منهم بسبب ظروف احتجازهم”.
ارتكبت نساء تنظيم “الدولة الإسلامية” وأطفالهن أعمال عنف كثيرة كوسيلة لفرض السيطرة على المخيم. ففي عام 2021 وحده، أفادت تقديرات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن حوادث العنف المرتبطة بـ “تنظيم “الدولة الإسلامية” أسفرت عن مقتل 89 شخصًا من بينهم 60 طفلًا. وغابت تقريبًا في هذا المخيم عمليات نقل المواطنين الأجانب أو إعادتهم إلى أوطانهم لأسباب متنوعة شملت: تفشي فيروس كورونا وغياب الإطار القانوني لمحاكمة المحتجزين بسبب الجرائم التي ارتكبوها، والرأي العام السلبي إجمالًا السائد في بلدانهم الأم. وعلى الرغم من الرقابة الأمنية التي توفرها “قوات سوريا الديمقراطية” والمساعدات الإنسانية التي قدّمتها المنظمات غير الحكومية، غدا مخيم الهول مطهرًا دائمًا للنازحين الذين أصبحوا هدفًا سهلًا للتطرُّف على يد عناصر المخيم التابعين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وصار بالتالي أرضًا خصبة لاستمرار النزاع إلى ما لا نهاية.
يسلّط أيضًا مثل مخيم الهول الضوء على الخطر الذي قد يشكّله القوميون المتشددون في اليمين المتطرف، الذين كانوا مهمّشين لغاية الآن في أوكرانيا، إذا انتهزوا فرصة وجود عدد كبير من النازحين واللاجئين لزرع التطرف والتجنيد في أوكرانيا والخارج.
التبعات على صعيد السياسات
يجب أن تشكّل مأساة التجربة السورية مع النازحين، ولا سيما أولئك العالقين في المخيمات، درسًا للأزمة الإنسانية في أوكرانيا. فمع بداية انتقال اللاجئين إلى مختلف أنحاء القارة، لا بد من اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل حماية النساء والأطفال الهاربين من أوكرانيا من الاستهداف للتجنيد والتطرف.
أولًا، يتعيّن على “الاتحاد الأوروبي” تفادي إنشاء مخيمات دائمة للنازحين عند الإمكان. ويجب أيضًا على المسؤولين أن يستفيدوا إلى أقصى حد من الخبرة المتاحة التي توفرها “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين” و”هيئة الأمم المتحدة للمرأة” تماشيًا مع قرار “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” رقم 1325 – الذي يتناول مواضيع المرأة والسلام والأمن – وأيضًا المنظمات غير الحكومية والمنظمات الخيرية المجهَّزة أساسًا لتلبية الحاجات الفورية.
ثانيًا، يجب أن يعمل “الاتحاد الأوروبي” على ضمان إدماج اللاجئين من أوكرانيا في مجتمعات البلدان المضيفة. وينبغي عند الإمكان سؤال النساء الأوكرانيات رأيهن في عملية الإدماج، من أجل ضمان إيصال أصواتهن ومعالجة هواجسهن (على افتراض أن اللاجئين الأوكرانيين سيبقون خارج موطنهم). ولا بد من أن يستخدم “الاتحاد الأوروبي” نُهُجًا تشبه تلك المستخدَمة مع اللاجئين السوريين النازحين، عبر زيادة الدعم العام إلى أقصى حد – بما في ذلك الرعاية الخاصة التي يقدّمها المواطنون – بالإضافة إلى الالتزام السياسي القوي لضمان إنجاح عملية إعادة التوطين. وعلى سبيل المثال، يجب أن تُؤمّن بلدان “الاتحاد الأوروبي” صفوفًا لغوية وأن تستخدم أيضًا أدوات تقييم المهارات من أجل تحديد المهارات المهنية.
أخيرًا، يجب أن يتّبع “الاتحاد الأوروبي” والمنظمات الدولية في مختلف أنحاء العالم نهجًا طويل الأمد لبناء القدرة على الصمود لدى النساء اللواتي يعشن في المناطق المعرّضة للنزاع أو مناطق النزاع المحتملة – بما فيها البلدان الواقعة على حدود روسيا – من أجل تخفيف أثر النزاعات المستقبلية المحتملة. ويُعدّ توفير سبل حصول النساء والفتيات على التعليم أمرًا أساسيًا في هذه العملية. ويوفّر التعليم إمكانية الحصول على المزيد من فرص العمل، ويسمح باتخاذ قرارات مدروسة على صعيد الحياة الشخصية، وسيسمح بالتمتع بالمزيد من الاستقلالية والاعتماد على الذات في حال حوّلتهنّ النزاعات المستقبلية إلى نازحات أو لاجئات، أو في أسوأ الأحوال، إلى أرامل حرب تقع على عاتقهنّ مهمة تربية الأسرة بأنفسهنّ.