اليوم الوطني للمملكة.. قادة التجديد يكملون مسيرة التوحيد

آلاء يوسف

 قبل أسابيع قليلة حتفل أبناء المملكة – قيادة وشعبًا – بالذكرى الثانية والتسعين لليوم الوطني السعودي، الذي أعلن فيه توحيد المناطق والقبائل المتفرقة في وطن واحد، وشعب واحد تحت راية واحدة ــ شعارها التوحيد ــ وقيادة واحدة، يمثلها موحد المملكة ومؤسسها، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (طيب الله ثراه)، ومن أعقبه من أبنائه الملوك، وصولًا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (يحفظهما الله). 

ولا يقتصر الاحتفال والافتخار بذكرى اليوم الوطني على ما تم من توحيد للبلاد، بل يمتد اليوم للاحتفال والافتخار بما تشهده المملكة من تجديد وتحديث وتطوير في جميع المجالات، بتوجيه وإشراف وتشجيع خادم الحرمين الشريفين وتخطيط وإعداد وتنفيذ سمو ولي عهده (يحفظهما الله) وتأييد ودعم والتفاف من جميع أبناء الشعب السعودي حول قيادتهم في عصر التجديد. 

فمنذ تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم وتعيينه لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، حققت المملكة إنجازات عديدة في شتى المجالات السياسية، والاقتصادية، والصحية، بإخلاص قيادتها الرشيدة، وولاء شعبها الوفي. وجددت وطورت الكثير من الملفات، لتواكب المستجدات والتحديات التي تفرضها أحداث الواقع وتغيراته. 

واستطاعت المملكة بحكمة مليكها وخبراته، وحماس ولي عهدها وطموحاته، وتفاعل وتأييد شعبها ومساندته وإخلاصه، أن تنتصر فيما خاضته من معارك التجديد والتطوير والتغيير والتحديث، وأن تجتاز ما اعترضها من الأزمات السياسية، والاقتصادية، والصحية، بتوفيق الله ثم بإخلاص قيادتها الرشيدة، وولاء شعبها الوفي.

ولطالما احتفل السعوديون في يومهم الوطني على مدى السنوات الماضية خلال بذكرى مسيرة التوحيد التي قادها بعزيمة واقتدار الملك عبد العزيز، الذي أرسى دعائم بناء الوطن؛ وحق لهم أن يحتفلوا مع مسيرة التوحيد بمسيرة التجديد التي يقودها بحكمة وعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وينفذها بحرص وجد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (يحفظهما الله) .

فبإشراف وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين، استطاع ولي العهد تحقيق بعض ما أعلن عنه من أحلام وطموحات تجاه موطنه إبان توليه لمنصبه، منتقلًا به من مواطن الريادة الدينية والتاريخية للأمة الإسلامية والعربية، إلى  صفوف الريادة الإقليمية والعالمية، بذات الخفاق الأخضر، والدستور القرآني. كما نجح في رسم نموذج مثالي للشاب الوطني الطامح، فأحاطه حب ودعم الشعب، دافعًا البلاد بخطى تسابق الزمن نحو المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، ليحقق أهداف رؤية المملكة 2030.

ولم يكن إعجاب وتجاوب وحب السعوديين – لاسيما الشباب منهم – بشخصية ولي العهد، كونه الأقرب لأعمارهم فقط، لا سيما وأنه أصغر ولي عهد في تاريخ المملكة، كما كان أصغر وزير دفاع على مستوى العالم؛ بل لأنه نجح ــ خلال 5 سنوات فقط ــ في تحقيق نقلة مميزة في تاريخ بلاده في عدة ملفات شائكة.

ملف المرأة

كان ملف المرأة الأكثر لمعانًا في الجانب الاجتماعي من رؤية المملكة
2030؛ لاسيما بعدما تقلدت المرأة السعودية المناصب القيادية، وصار لصوتها صدى في كافة المجالات بعد عقود من الجلوس في المقاعد الخلفية.

ولم يأت الاهتمام بهذا الملف من قبل سموه في إطار نوعي أو فئوي في المجتمع؛ بل جاء ضمن رؤية شمولية لتنمية اجتماعية تتواكب مع العصر الحالي؛ قائلًا: “أنا أدعم السعوديّة، ونصف السعوديّة من النساء، لذا أنا أدعم النساء.. ولا أتطرّق إلى قيادة المرأة السيارة فقط، أنا أتحدّث عن تقديم الفرصة لها لتقود التنمية في وطنها بالمعنى الأشمل”

وعي اجتماعي 

وقد أظهر ولي العهد بتجديد ملف المرأة ما يتمتع به من وعي اجتماعي وسياسي، وتخطيط مدروس ودقيق لأهداف التجديد وغاياته،  فرغم تأكيده (يحفظه الله) على دعم النساء باعتبارهن نصف المملكة العربية السعودية؛ إلا أنه في الوقت نفسه أكد أن السعوديين لا يرغبون فقد هويتهم، بل يسعون إلى دمج ثقافتهم مع الهوية العالمية بما لا يؤثر فيها.

وبدت تلك الرؤية بصورة جلية عند تطبيقها، إذ مثلت المرأة السعودية بلادها في عدد من المحافل الدولية خير تمثيل، دون تخلٍ عن هويتها ظاهريًا أو فكريًا؛ كما شرفت باستقبال ضيوف الحرمين في موسم الحج، وأسهمت فيما يقدم لهم من خدمات منذ لحظة وصولهم للمملكة إلى وقت مغادرتهم لها.

ولم يقتصر ملف تمكين المرأة على الحياة العملية والاقتصادية؛ بل عكست قوانين الدولة نفسها مدى الإصرار على دعم هذا الملف، لا سيما  في نظام الأحوال الشخصية، الذي جاء شاملاً في معالجة جميع المشكلات التي كانت تعاني منها الأسرة والمرأة.

وبالرغم من التقدم الملحوظ في هذا الملف؛ إلا أن سموه مازال يطمح إلى تحقيق المزيد، عبر إصراره على استمرار الإنجاز فيه حتى يكتمل، وهو ما يتضح من قوله: “اليوم ما زالت المرأة السعوديّة لم تحصل على حقوقها كاملة، هناك حقوق منصوص عليها في الإسلام ما زالت لا تملكها، وقطعنا شوطًا طويلًا، وبقي الشوط الأقصر والأهمّ”.

الاقتصاد وتضافر الهوية

شهدت المملكة خلال السنوات القليلة الماضية طفرة مميزة، بدت في كثير من المشروعات الاقتصادية والثقافية والحضارية؛ فقد تميزت المشروعات الحديثة بالاهتمام بعدد من جوانب التنمية، غير مقتصرة على البعد الاقتصادي فقط؛ وانعكس ذلك على مشاريع صندوق الاستثمارات العامة المستلهمة من رؤية السعودية 2030، ومن أهمها: مشروع مدينة نيوم، ومدينة القدية، فضلًا عن مشروع تطوير المساجد التراثية؛ وغيرها.

وإذا كان الاهتمام منصبًا في منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا على مشروعات التنمية المستدامة؛ فقد يتبادر إلى الأذهان تساؤل بشأن تميز مشروع مثل مدينة نيوم عن غيرها؛ ما جعل الصحف الأجنبية وخبراء البيئة والاستثمار يتناولها على موائد البحث والحوار؟

وتأتي الإجابة عن هذا التساؤل عبر ما يستهدفه المشروع من مكاسب اقتصادية وبيئية وثقافية وحضارية واجتماعية وغيرها؛ حيث لا يتوقف حلم مدينة نيوم على المساهمة بـ 180 مليار ريال للدخل السعودي بحلول عام 2030م، أو توفير 380 ألف فرصة عمل في مشاريعها، أو الاستفادة من 13% من حركة التجارة العالمية التي تمر بساحل البحر الأحمر… وغيرها من المكاسب الاقتصادية.

فالمدينة المنشودة تعد حلمًا عالميًا لبيئة نظيفة لاسيما وأنها تستهدف الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة، في ظل أزمات المناخ التي عصفت بالكرة الأرضية مؤخرًا.

كما بدأت أنشطتها الثقافية بتنظيم دورة عالمية للألعاب الشاطئية، وتدشين قرية نيوم الإعلامية لإنتاج الأفلام والأعمال التلفزيونية العالمية، وغيرها..

حضارة المملكة

ولم تقف مشاريع صندوق الاستثمارات العامة، على بناء مستقبل مميز للأجيال السعودية الجديدة؛ وإنما أولت اهتمامًا كبيرًا بتراث هذا الوطن العريق؛ فنجد في مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية – الذي انطلق في 2018م – وفاءً لتاريخ عريق لوطن دام ــ منذ تأسيسه ــ فخرًا للمسلمين جميعًا.

وتعكس أهداف المشروع رؤية ولي العهد واعتزازه بهوية بلاده؛ إذ تتمثل في: تعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية، وتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للمملكة.

وقد انتهت المرحلة الأولى من المشروع بتأهيل 30 مسجدًا بتكلفة إجمالية تقدر بأكثر من 50 مليون ريال، من أصل 130 مسجدًا تاريخيًا في مناطق متعددة من المملكة.

طموح إقليمي وعربي

لخص ولي العهد رؤيته لتحركات المملكة إقليميًا وعالميًا؛ بقوله: “إذا نجحنا في السنوات القادمة، سوف تلتحق فينا الدول أكثر. سوف تكون النهضة القادمة في العالم في الـ30 سنة القادمة في الشرق الأوسط إن شاء الله. هذه حرب السعوديين، وهذه حربي التي أخوضها شخصيًا، ولا أريد أن أفارق الحياة إلا وأرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم”.

وجاءت خطواته في هذا المجال – بتوجيه وإشراف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظهما الله) – امتدادًا لتاريخ عريق من السياسة الخارجية للمملكة، التي حافظت على دورها الريادي إقليميًا، عبر تكوين علاقات دبلوماسية وطيدة مع أكبر القوى العالمية؛ فضلًا عن علاقاتها المتميزة مع الدول الإسلامية والعربية والخليجية، وغيرها من دول العالم.

وكانت الجولة الأخيرة لولي العهد لعدد من دول المنطقة خير تطبيق لمساعيه التي أكد عليها منذ توليه منصبه؛ فلم تقتصر على التأكيد على وثاقة العلاقات السعودية ـ المصرية، و السعودية ـ الأردنية؛ بل إنه نجح بدبلوماسية ناعمة في احتواء التوتر مع النظام التركي؛ فضلًا عن تأكيداته السابقة على  أن إيران دولة جارة، تحرص المملكة على علاقات مميزة معها.

كما كان حديث الصحف الأمريكية بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى المملكة خلال قمة الرياض؛ سواء بلغة جسده التي اعتبرها المحللون في ذلك الوقت دليلًا على قوة الموقف، أو بتصريحاته التي أكدت على العلاقة التاريخية بين الطرفين ورسوخها على أسس من الدبلوماسية القائمة على تبادل المصالح، واتفاق الأهداف الاستراتيجية لا على التبعية السياسية.

وقد بدا الذكاء السياسي جليًا في سياسات المملكة خارجيًا؛ من خلال عدم الانحياز أو الاقتصار على معسكر واحد من القوى الدولية المتصارعة على زعامة العالم، منذرة باشتعال حرب عالمية ثالثة؛ ففي الوقت الذي تعززت فيه العلاقات السعودية ـ الأمريكية، حرص ولي العهد على الحفاظ على الشراكات السعودية ـ الروسية، فضلا عن تعميق العلاقات السعودية – الصينية.

المملكة والمستقبل

لا شك أن ما تشهده المملكة اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان (يحفظهما الله) من إنجازات كبرى، لا تخدم الحاضر فقط، بل تستشرف مستقبل المملكة وتعمل على الإعداد له وفقًا لمعطيات اليوم.

 ولعل هذه الرؤية هي أهم ما يميز عهد التجديد الذي تعيشه المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، الذي عبر عن ذلك بكلمات موجزة، لخص فيها طموحاته وخططه وتصوراته لمستقبل المملكة بقوله: “أخشى أن يأتي اليوم الذي سأموت فيه دون أن أنجز ما في ذهني لوطني.. الحياة قصيرة جدًا وهناك الكثير من الأشياء بإمكاننا صنعها للوطن، وأنا حريص أن أراها تتحقق بأم عيني، وهذا هو السبب في أنني في عجلة من أمري”.

فمن يتمعن في هذه الكلمات الصادرة عن أمير شاب حقق لبلاده في خمس سنوات إنجازات كبرى يتطلب تحقيقها عقودًا؛ يدرك أننا أمام قيادة لا حد لطموحها، وإخلاصها، وحرصها على رفعة وطنها وسموه.

كما يستشعر أن احتفال المملكة باليوم الوطني في الأعوام السابقة بذكرى التوحيد، يقترن الآن بفخر التجديد الذي بدأ مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز واختياره لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان (يحفظهما الله) وليًا أمينًا لعهده، ليسير ــ بتوجيه وإشراف منه ــ في التخطيط، والإعداد، والتنفيذ، للانطلاق بالمملكة إلى مستقبل مشرق واعد بإذن الله.

*نشر في مجلة كلية الملك خالد العسكرية؟