تراجع مفاجئ للجنيه الإسترليني.. ما الأسباب؟
المصدر: بلومبرغ
أدت حزمة التخفيضات الضريبية الأكبر حجماً في المملكة المتحدة منذ 1972، جنباً إلى جنب مع خطط الاقتراض واسعة النطاق، إلى مفاجأة الأسواق المالية، وتحفيز تراجع الجنيه الإسترليني إلى مستوى قياسي منخفض. هذه الإجراءات غير التقليدية مصممة لتكون ركلة البداية في مباراة النمو الاقتصادي. لكن مع ذلك، فالميزانية المصغرة التي كُشف عنها النقاب في 23 سبتمبر الجاري أثارت المخاوف من احتمالية تأجيجها للتضخم، مع تقويض الموارد المالية للدولة، بل والتسبب حتى في انهيار واسع النطاق بسعر العملة، مما يضع ضغوطاً على عاتق بنك إنجلترا المركزي للتدخل.
1) لماذا تراجع الإسترليني؟
تجاوزت التخفيضات الضريبية كل توقعات الاقتصاديين، مع خفضها أعلى معدل لضريبة الدخل إلى جانب ضريبة الشركات والرسوم الأخرى. تقول ليز ترس، التي تولت منصب رئيسة الوزراء قبل أقل من 3 أسابيع، إن هذه التغييرات ستعزز الاقتصاد بقوة وتُجنب الدولة الركود الاقتصادي، وتدعم نمو المملكة المتحدة بعد عقد من الأداء الضعيف. وعقب فترة وجيزة من إعلان وزير الخزانة البريطاني، كواسي كوارتنغ، عن الخطط، انخفض الجنيه الإسترليني بأكثر من 3% إلى أدنى مستوياته منذ 1985.
بعد يومين من هذا الإعلان، تسببت تعليقاته في مقابلة مع “بي بي سي” عن أن هناك “المزيد في المستقبل” في تراجع العملة لبعض الوقت بنسبة 5% تقريباً، لتصل بذلك إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق عند سعر 1.0350 دولار، قبل أن تتعافى مرة أخرى فوق 1.07 دولار.
2) ما خلفية هذا التراجع؟
يتركز الخوف الرئيسي في هذا الصدد من أن تدفق حزم التحفيز المالي ستؤدي إلى تفاقم ضغوط الأسعار في الوقت الذي يحاول فيه بنك إنجلترا كبح التضخم الذي وصل إلى 9.9% في أغسطس الماضي، وهو ما يقرب من 5 أضعاف هدف البنك المركزي، ويقترب من أعلى مستوى في 40 عاماً.
يشعر المستثمرون أيضاً بالقلق من أن الميزانية الجديدة ستضع ديون البلاد على مسار غير مستدام. كانت الموارد المالية للدولة مضغوطة بالفعل بسبب الإنفاق الطارئ الذي انطلق في ظل الوباء، وكذلك أسعار الطاقة المتزايدة الناتجة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، والتكاليف المرتبطة بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). جاء ذلك بالإضافة إلى سنوات عديدة من الإنتاجية الضعيفة مقارنة بأقرب منافسي بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
3) ما خطة الحكومة؟
الهدف الرئيسي من ذلك هو أن التخفيضات الضريبية ستنشأ اقتصاداً أكثر نشاطاً، والذي من شأنه أن يولد في النهاية عائدات ضريبية أعلى ويُبقي الاقتراض تحت السيطرة.
أثارت خطط حكومة حزب المحافظين الجديدة مقارنات -حتى بين مؤيديها- مع الميزانية الفاشلة لعام 1972 التي وضعها أنتوني باربر، وزير الخزانة الأسبق من الحزب نفسه، الذي احتل المنصب ذاته الخاص بكوارتنغ، حيث قدم باربر أيضاً حزمة ضخمة من التخفيضات الضريبية غير الممولة، وارتفع التضخم في عهده، وأصبح الاقتصاد محموماً أكثر من اللازم، قبل أن ينهار في حالة ركود. وانهزم إدوارد هيث، رئيس الوزراء البريطاني في عهد باربر، أمام حزب العمال المعارض بعدها بعامين، واضطرت المملكة المتحدة لطلب حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي في 1976.
ليس هذا وحسب، حيث واجه نايجل لوسون، وهو وزير خزانة آخر سبق كوارتنغ في المنصب خلال عهد رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر، التحدي نفسه المتمثل في التضخم المتزايد بأواخر الثمانينيات بعد تقديم حزمة من الإصلاحات الضريبية.
4) كيف تبدو آفاق المملكة المتحدة في ظل هذا الوضع؟
تتمتع الدول التي تملك قوة تصدير كبيرة مثل اليابان بقدرة أفضل على التعامل مع تراجع العملة بفضل الفائض الهائل في الحساب الجاري. لكن المملكة المتحدة في هذه الحالة يكون وضعها أشبه بالأسواق الناشئة، إذ تعاني من أحد أكبر مستويات العجز في الحساب الجاري حول العالم، وفجوة كبيرة بالفعل في الميزانية، والتي من المتوقع أن يزداد حجمها بعد إعلان كوارتنغ.
تميل الاستثمارات الواردة في العقارات البريطانية والأصول الأخرى إلى دعم الجنيه في السنوات العادية. لكن مع ضعف النمو والاقتصاد المتقلب بشكل متزايد، هناك أسباب متزايدة لعدم الاستثمار في المملكة المتحدة. قال مشرعون من حزب ترس إن بنك إنجلترا قد يحتاج إلى التدخل في رفع سعر الفائدة بشكل طارئ لتهدئة التوتر السوقي.
5) لماذا يعد ذلك مهماً؟
سيواجه حزب المحافظين الذي تمثله ترس، واستحوذ على السلطة في ظل 4 رؤساء وزراء سابقين منذ 2010، انتخابات عامة بحلول يناير 2025 على أبعد تقدير. وهذا يمنحها أكثر من عامين بقليل لإقناع الناخبين بأن سياساتها ستنجح، وأن أزمة غلاء المعيشة في البلاد ستنحسر. وبينما تحتفظ بأغلبية كبيرة في مجلس العموم البريطاني خلال الوقت الحالي، يتخلف حزب “المحافظين” عن حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي. وسيؤدي استمرار انخفاض الإسترليني إلى زيادة الضغط على الحكومة. وأشارت تقديرات نموذج خيارات سوقي في أواخر سبتمبر إلى وجود احتمالات كبيرة لتحقيق مستوى التعادل بين الإسترليني والدولار قبل نهاية 2022.