د محمد فتحي حصًان: حوافز توطين صناعة أجهزة الهاتف المحمول في مصر … هل من مزيد؟
يعد توطين الصناعة أولوية استراتيجية تعمل الحكومة جاهدة على تحقيقها، وفي سبيل تحقيق ذلك فقد صدر في 29 نوفمبر 2021 قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3265 لسنة 2021 بتشكيل المجلس التنفيذي لتعميق المنتج المحلى وتوطين الصناعة المحلية برئاسة وزير الصناعة والتجارة، كذلك تم إطلاق المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية “ابدأ” في أكتوبر 2022، وهي مبادرة تقوم على دعم وتوطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي وتقليل الواردات، وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، مع تقديم مجموعة من الحوافز في صورة أراضي بحق الانتفاع وإعفاء من الضرائب.
وتعد صناعة الهاتف المحمول من أهم الصناعات التي تسعى الدولة لتوطينها وإحلال المنتج الوطني محل المستورد من الخارج، وتمثل مصر سوقا كبيرا لاستهلاك الهاتف المحمول، فوفقا للتقرير الشهري لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فقد بلغ عدد مشتركي الهاتف المحمول 93.37 مليون مشترك بنهاية يناير عام 2022 ، وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة الأبحاث التسويقية GFK، فإن مبيعات الهواتف المحمولة في مصر نمت بنسبة 11% في 2021، مقارنة بالعام 2020، حيث باعت الشركات العاملة في السوق المصري أكثر من 16 مليون جهاز في 2021، مقابل 14.6 مليون جهاز في عام 2020 .
فما هو المقصود بالصناعة؟ وما هو المنتج الصناعي المصري؟، وما هو المنتج المستوفي لنسبة المكون المحلي؟، وما هي أهمية توطين صناعة الهاتف المحمول في مصر؟، وما هي جهود الدولة في هذا المجال؟، وما هو المردود المتوقع لذلك؟
مفهوم الصناعة والمنتج الصناعي المصري والمنتج المستوفي لنسبة المكون الصناعي:
وفقا لأحكام قانون تفضيل المنتجات المصرية في العقود الحكومية رقم 5 لسنة 2015 وتعديلاته، فإن المنتج الصناعي: هو كل ما ينتج عن عملية التحويل المادي أو الكيميائي للمادة الخام، وكل منتج تجرى عليه عمليات تغيير، بما في ذلك التجميع أو التصنيف، أو التعبئة أو الفرز، أو إعادة التدوير، أو غير ذلك من العمليات وفقاً للمعايير والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير المختص.
والمنتج الصناعي المصري: هو كل منتج صناعي يتم إنتاجه في داخل جمهورية مصر العربية، أو في المناطق الحرة المنشأة وفقاً للقوانين المنظمة لذلك.
والمنتج المستوفي لنسبة المكون الصناعي المصري: هو كل منتج صناعي تزيد نسبة المكون المصري فيه على40% من سعر المنتج، وتحتسب نسبة المكون المصري بخصم قيمة المكونات المستوردة من سعر المنتج.
ووفقا لأحكام القانون رقم ١٥ لسنة ٢٠١٧ بإصدار قانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية، فإن المنشأة الصناعية: هي كل منشأة، أو شركة، أو محل صناعي أيا كان حجمه، يقوم بعملية تحويل مادي أو كيميائي للمادة الخام، أو يجري عمليات تغيير على أي منتج، بما في ذلك التجميع أو التصنيف أو التعبئة أو الفرز، أو إعادة التدوير، أو غير ذلك من عمليات وفقا للمعايير والضوابط الصادرة من الوزير المختص بشئون الصناعة.
ووفقا للائحة التنفيذية لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، فان الأنشطة الصناعية هي الأنشطة التي من شأنها تحويل المواد والخامات وتغيير هيئتها بمزجها أو خلطها أو معالجتها أو تشكيلها أو تعبئتها، وتجميع الأجزاء والمكونات وتركيبها لإنتاج منتجات وسيطة أو نهائية، ولا يشمل ذلك صناعة الدخان والتمباك والتبغ والمعسل والسعوط (النشوق)، والمشروبات الكحولية والخمور بأنواعها.
وفيما يخص نسبة التصنيع المحلى لأجهزة الهواتف المحمولة فقد صدر في 20 سبتمبر 2022 قرار وزير التجارة والصناعة رقم ٥٠٥ لسنة ٢٠٢٢، ونصت المادة الأولى منه على خفض نسبة التصنيع المحلى لأجهزة الهواتف المحمولة إلى ٤٠%، كما نصت المادة الثانية على أن تقيم مساهمة خط التجميع في نسبة التصنيع المحلي لأجهزة الهواتف المحمولة بنسبة 10% .
أهمية توطين صناعة الهاتف المحمول في مصر:
مما لا شك فيه أن توطين صناعة الهاتف المحمول في مصر سيؤدي الي خفض تكلفة الاستيراد من الخارج ومن ثم الحفاظ على العملة الأجنبية وعدم استنزافها في عملية الاستيراد، وذلك بإحلال المنتج الوطني محل المنتج الوارد من الخارج، كما سيساعد ذلك في توفير فرص عمل للشباب والتغلب على ازمة البطالة، ومع استمرار تطور تلك الصناعة وتوطينها ستزداد الصادرات المصرية للخارج بما يوفر المزيد من العملة الصعبة.
جهود الدولة في توطين صناعة الهاتف المحمول:
تبذل الدولة جهود كبيرة من أجل توطين صناعة الهاتف المحمول وتحويل مصر إلى مركز اقليمي لتصنيع وتصدير الهواتف المحمولة وذك من خلال طرح منظومة غير مسبوقة من الحوافز والإعفاءات الضريبية والجمركية وتتمثل أهم تلك الحوافز فيما يلي:
أولا: منح الحوافز العامة الواردة بقانون الاستثمار:
وهي حوافز تتمتع بها جميع المشروعات الخاضعة لأحكام هذا القانون وذلك فيما عدا المشروعات المقامة بنظام المناطق الحرة ومن أهم تلك الحوافز:
اعفاء عقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها من ضريبة الدمغة ومن رسوم التوثيق والشهر وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ قيدها في السجل التجاري.
اعفاء عقود تسجيل الأراضي اللازمة لإقامة الشركات والمنشآت من ضريبة الدمغة ومن رسوم التوثيق والشهر.
تحصيل ضريبة جمركية بفئة موحدة مقدارها ٢%، وذلك على جميع ما تستورده من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشائها.
ثانيًا: منح الحوافز الخاصة الواردة بقانون الاستثمار:
في 4 يناير 2022 صدر قرار مجلس الوزراء رقم ١٠٤ لسنة ٢٠٢٢ بتوزيع القطاعات الفرعية لأنشطة الاستثمار بالنطاق الجغرافي لكل من القطاعين (أ) و (ب) وفقا لنص المادة رقم (11) من قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، حيث تضمنت القطاعات الفرعية لأنشطة الاستثمار بالنطاق الجغرافي لكل من القطاعين (أ) و (ب) نشاط تصنيع الهاتف المحمول والذي يمنح حافزا استثماريا خصما من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة بنسبة (50%) خصما من التكاليف الاستثمارية للقطاع (أ)، وبنسبة (30%) خصما من التكاليف الاستثمارية للقطاع (ب) .
ثالثًا: منح الحوافز الإضافية الواردة بقانون الاستثمار:
تنص المادة رقم (١٣) من قانون الاستثمار على أنه يجوز بقرار من مجلس الوزراء منح حوافز إضافية للمشروعات المنصوص عليها في المادة (١١) من هذا القانون وذلك على النحو الآتي:
السماح بإنشاء منافذ جمركية خاصة لصادرات المشروع الاستثماري أو وارداته بالاتفاق مع وزير المالية.
تحمل الدولة قيمة ما يتكلفه المستثمر لتوصيل المرافق إلى العقار المخصص للمشروع الاستثماري أو جزء منها، وذلك بعد تشغيل المشروع.
تحمل الدولة لجزء من تكلفة التدريب الفني للعاملين.
رد نصف قيمة الأرض المخصصة للمشروعات الصناعية فى حالة بدء الإنتاج خلال عامين من تاريخ تسليم الأرض.
تخصيص أراض بالمجان لبعض الأنشطة الاستراتيجية وفقًا للضوابط المقررة قانونًا في هذا الشأن.
ووفقا لنص المادة رقم (١٢) من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٢٣١٠ لسنة ٢٠١٧ بشأن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار رقم ٧٢ لسنة ٢٠١٧، فانه يشترط لمنح الشركات والمنشآت أي من الحوافز الإضافية المنصوص عليها في المادة (١٣) من قانون الاستثمار، أن تكون قد بدأت الإنتاج أو زاولت النشاط بحسب الأحوال وفقا للتقرير المعتمد من الهيئة، فضلا عن توافر أحد الشروط الآتية:
أن تكون جمهورية مصر العربية أحد مواطنها الرئيسية لإنتاج المنتجات التي تتخصص فيها، أو تكون المنتجات التي تتخصص فيها الشركة موطنها الرئيسي جمهورية مصر العربية.
أن تعتمد في تمويل مشروعاتها على مواردها من النقد الأجنبي المحول من الخارج وفقا للضوابط التي يحددها مجلس إدارة البنك المركزي عن طريق أحد البنوك المصرية.
تصدير جزء من منتجاتها بما لا يقل عن (٥٠%) للخارج.
أن يتضمن نشاط الشركات العاملة في أحد مجالات التقنية الحديثة المتطورة ونقل التكنولوجيا المتطورة إلى مصر والعمل على دعم الصناعات المغذية لها.
أن يتم تعميق المكون المحلي في منتجات المشروع، على ألا تقل نسبة المكون المحلي من الخامات ومستلزمات الإنتاج في منتجاته عن (٥٠%)، وذلك طبقا للضوابط المعمول بها بالهيئة العامة للتنمية الصناعية.
أن يكون نشاط الشركة قائما على أحد المخرجات البحثية الناتجة عن مشروعات بحثية تمت داخل جمهورية مصر العربية.
ادراج صناعة أجهزة المحمول ضمن المجالات والأنشطة التي تمنح الموافقة الواحدة (الرخصة الذهبية):
تضمنت الأنشطة التي تمنح الموافقة الواحدة (الرخصة الذهبية) في قطاع الصناعة نشاط تصنيع الشاشات المسطحة البلورية الزجاجية cell Open LCD ، والمشروعات المعتمدة عليها كتصنيع أجهزة الموبايل وأجهزة الحاسب اللوحي. حيث تمنح بقرار من مجلس الوزراء موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما في ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة له وذلك وفقا لنص المادة 20 من قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017 والمادتين (42 و43) من لائحة التنفيذية.
وهذه الرخصة تساعد المشروعات العاملة في تلك الصناعة في سرعة تنفيذ مشروعاتها بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية الخاصة بالحصول على الموافقات والتصاريح والتراخيص التي تقدمها جهات متعددة، فبمجرد الحصول على تلك الرخصة الذهبية بقرار من رئيس مجلس الوزراء يمكن لتلك المشروعات بدء التنفيذ دون انتظار الحصول على أي موافقات أخرى، فهي نافذة بذاتها دون الحاجة الى اتخاذ أي اجراء آخر.
تخفيض الضريبة الجمركية على ما تستورده المصانع المرخص لها بإنتاج أجهزة الهواتف لشبكات التليفون المحمول من بطاريات وسماعات وكاميرات:
تشجيعا للشركات العاملة في صناعة الهاتف المحمول فقد صدر في 21 فبراير 2023 قرار رئيس الجمهورية رقم ٦٧ لسنة ٢٠٢٣ بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم ٢١٨ لسنة ٢٠٢٢ بإصدار التعريفة الجمركية حيث نصت المادة الأولى من القرار على أن تضاف فقرة جديدة للمادة الخامسة من قرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 2022 نصها الآتي “ تحصل ضريبة جمركية بواقع 2% من القيمة أو ضريبة الوارد أيهما أقل، على ما تستورده المصانع المرخص لها بإنتاج أجهزة الهواتف لشبكات التليفون المحمول من بطاريات وسماعات وكاميرات وذلك بالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من وزير المالية” . كما نصت المادة الثانية على أن تعدل بعض فئات الضريبة الجمركية الواردة بجداول التعريفة الجمركية المنسقة الصادرة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 2022.
وقد وافق مجلس النواب في 28 فبراير 2023 وبأغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس على قرار رئيس الجمهورية.
الاعفاء من رسم تنمية الموارد المالية:
في إطار تخفيف الأعباء عن الشركات العاملة في صناعة الهاتف المحمول فقد صدر في 9 مارس الجاري القانون رقم (١٥) لسنة ٢٠٢٣ بتعديل بعض أحكام القانون رقم (١٤٧) لسنة ١٩٨٤ بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، وقد نصت المادة الأولى منه على أن يستبدل بنص البند (25) من الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة النص الآتي:
أجهزة الهاتف المحمول واجزاؤها وجميع الاكسسوارات الخاصة به وذلك بواقع (5%) من قيمتها مضافا اليها الضريبة على القيمة المضافة وغيرها من الضرائب والرسوم الأخرى.
“وتعفى من رســم تنمية الموارد المالية للدولة الأجزاء والمكونات اللازمة لإنتاج أجهزة الهاتف المحمول وإكسسواراتها التي تستوردها المصانع والشركات بغرض التصنيع محلياً، كما يعفي من هذا الرسم المنتج النهائية لهذه الأجهزة، وأجزائها، وإكسسواراتها المصنعة محلياً “.
وفي النهاية واذا كانت الفرص تولد من رحم الأزمات، فان الأزمات الحالية التي يشهدها الاقتصاد المصري من تداعيات جائحة كورونا وما تبعها من نشوب الحرب الروسية الأوكرانية ، وما أدى اليه ذلك من وجود صعوبات في الاستيراد ، حيث سجلت قيمة واردات مصر من هواتف المحمول تراجعًا بنسبة 80.6% لتسجل 342 مليون و869 ألف دولار خلال عام 2022، مقابل مليار و767 مليون و820 دولار في عام 2021 ، فان الفرصة مواتية الآن لتوطين صناعة المحمول في مصر لكن ليس فقط من خلال الحوافز الضريبة والجمركية ولكن من خلال تسهيل منظومة الحصول على الأراضي اللازمة لتلك المشروعات وكذلك تيسير إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة لبدء النشاط حتى تتحول مصر كمركز إقليمي في مجال تصدير أجهزة المحمول للأسواق المجاورة.