قراءة في كتاب “القيادة العسكرية الحديثة” للمؤلف /المؤلف: د. راشد حمدان عيد الشلوي
آلاء يوسف
“القيادة هي أن تجعل شخصًا آخر يقوم بعمل تريده أنت لأنه يريد ذلك” أيزنهاور.
بهذا الاقتباس بدأ الكاتب سفره ضمن عدد من المقولات التي اختارها ملخصًا جزءًا كبيرًا من أهداف القيادة، ويبحر بقارئه في هذا العالم، مستعرضًا مبادئه ومدارسه، وأهدافه واستراتيجياته، ومسلطًا الضوء على القيادة العسكرية، وخصائصها، وأهم التحديات التي تواجهها في العصر الحديث.
بين دفتي الكتاب:
يتكون الكتاب الذي بين أيدينا من6 فصول؛ نورد استعراض وتلخيص أهم ما فيها فيما يلي”
الفصل الأول: (مدخل إلى القيادةّ)
تناول المؤلف في هذا الفصل مفهوم القيادة؛ موردًا عدة تعريفات لها، منها أنها: “علاقة يستخدم فيها القائد قوته، وتأثيره لحث أفراد مجموعته على العمل لإنجاز مهمة مشتركة”؛ ما يعني أنها ترتكز على ثلاث ركائز أساسية؛ هي: وجود شخص لديه القدرة على التأثير، ومجموعة في بيئة محددة، والتفاعل المباشر بينهما لتحقيق أهداف محددة.
وقد تطرق لمفهوم القيادة في الإسلام، موضحًا اهتمام الدين بها، وتركيزه فيها على الاعتدال والوسطية، واختيار أهل الأمانة؛ فقال ﷺ: “إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفَرٍ فليؤمِّروا أحدَهُم”، وقال: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة” قيل: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال ﷺ: “إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”.
وتقوم القيادة في الإسلام على ستة مبادئ رئيسية؛ هي: الشورى، والعدل والمساواة، وطاعة ولي الأمر، والعمل بروح الأمانة، والقوة، والجدارة؛ كما تتميز بالوسطية، والانتماء للجماعة، والالتزام بالهدف، والتركيز على القدوة الحسنة، مع امتلاك المهارات الفنية والإدارية.
وفي الوقت الذي أوجب الإسلام فيه على المسلم طاعة ولي الأمر والسمع والطاعة، والمناصرة والتأييد، والنصح والإرشاد؛ هذب تلك الواجبات بشروط الحرية، والكرامة، والاختيار؛ فالإنسان الضعيف لا يستطيع الانضباط في أي العمل.
كما وجه القائد بزرع الثقة في نفوس جنوده حتى يدفعهم لتحمل المسؤولية في حالات غيابه؛ فضلًا عن أهمية أن يكون القائد قدوة لجنوده ومثلًا أعلى يحتذى به.
كما تناول المؤلف نظريات القيادة، موضحًا أن الإطار النظري للقيادة ينقسم إلى أربعة مداخل؛ هي:
الأول: مدخل السمات: وهو يُرجع نشأة وظهور القيادة إلى امتلاك القائد للسمات والخصائص الجسمية، والعقلية، والنفسية والاجتماعية؛ وأُثير الاختلاف فيه بشأن ما إن كانت تلك السمات مكتسبة أم وراثية، وهو يعتبر من أقدم المداخل التي درست حقيقة نشأة القيادة؛ ومن أشهر نظرياته (نظرية الرجل العظيم)، الراجعة إلى الإغريق والرومان، وتقوم على افتراض أن القادة يولدون ولديهم خصائص وراثية تؤهلهم للقيادة، مستدلين على ذلك باسكندر الأكبر، وهتلر.
وواجهت هذه النظرية عدة انتقادات؛ أهمها: أن القيادة يمكن التدرب عليها، وأنها أهملت الموقف الذي تمارس فيه القيادة؛ فضلًا عن عدم تحديد خصائص وصفات معينة يستدل بها على شخصية ذلك “الرجل العظيم”.
الثاني: المدخل السلوكي: اهتم هذا المدخل بالسمات والسلوكيات التي يجب أن تتوافر في القادة الناجحين وكيفية تأثيرهم في المجموعة، كما ركز على سلوك المجموعة ودوافعها ومدى تأثيرها على نجاح القائد، وقد توصلت الدراسات فيه لعدد من النظريات أهمها: نظرية (تانبيوم وشميدت)، ونظرية (ليكرت)، ونظرية (لبيت ووايت)، ونظرية (الشبكة الإدارية).
الثالث: المدخل الموقفي: وهو يعتمد على أهمية الموقف في القيادة، وبدأت دراسته في أوائل الستينيات؛ عبر عدة نظريات؛ منها: نظرية (فيدلر) التي تؤكد أنه لا يوجد أسلوب قيادي واحد ناجح يصلح لكل المواقف، ونظرية (هيرسي وبلانكارد) وتتمثل في محورين أولهما أفقي يشير إلى سلوك العمل والمهمة، والثاني رأسي يشير إلى درجة النضج؛ ونظرية (فروم ويتون) المعتمدة على درجة مشاركة المرؤوسين في عملية اتخاذ القرار.
كما يضم هذا المدخل نظرية (المسار): وتقوم فكرتها الرئيسة على أن القائد يستطيع التأثير في مرؤوسيه من خلال مساعدتهم في تحديد أهدافهم، ورسم مسارهم لتحقيق تلك الأهداف؛ ونظرية (X Y) التي تفترض أن الإنسان بطبيعته يكره العمل ويركن للراحة قدر المستطاع، لذلك فالطريق الأمثل لإنجاز العمل تكون عبر تخويف المرؤوسين، وربط الإنتاج بالجوائز، وحثهم على تولي المسؤولية.
رابعًا: المدخل الحديث للقيادة: وهي تشمل نظريات القيادة الإجرائية، والنظرية المهارات القيادية، ونظرية القيادة التفاعلية، والقيادة التحويلية.
الفصل الثاني: (تطور الفكر الإداري الحديث للقيادة)
تطرق الكاتب في هذا الفصل لمفاهيم الفكر القيادي، وأنماط القيادة وصفات القائد في كل نمط منها؛ كما شرح مدارس الفكر القيادي بشيئ من التفصيل، يمكن تلخيصه كما يلي:
أولًا:المدرسة الكلاسيكية:
قامت هذه المدرسة على مفاهيم عديدة بعيدة عن الديمقراطية، مثل: الأمر، والرقابة، والتوجيه والسلطة؛ وهي تضم نظرية البيروقراطية، الإدارة العلمية، والتقسيم الإداري.
ثانيًا: مدرسة العلاقات الإنسانية:
وظهرت في الثلاثينات، واهتمت بالجوانب الإنسانية في العلاقات بين العاملين في المنظمة، وكان ظهورها بسبب أساليب وسياسات النظريات التقليدية في معالجتها لمشاكل العمل والتنظيم.
ثالثًا: المدرسة السلوكية:
ظهرت في أوائل الخمسينات؛ وتحمل بعض مبادئ المدرسة الكلاسيكية مثل الاهتام بالكفاية، كما تحمل بعض مبادئ مدرسة العلاقات الإنسانية مثل الاهتمام بالجانب الإنساني في محيط العمل.
ـ رابعًا: مدرسة الإدارة الحديثة:
وقد اعتمدت هذه المدرسة على نظريات النظام المفتوح، وتؤكد العلاقة الوثيقة بين المنظمة والبيئة الخارجية التي تحيط بها، وقد ظهرت بعدها عديد من الاتجاهات استجابة للتطور السريع في العصر الحالي؛ مثل: إدارة الجودة الشاملة وإعادة هندسة العمليات الإدارية وغيرها.
الفصل الثالث: (القيادة العسكرية الحديثة)
وأوضح خلاله الفروق بين المؤسسات العسكرية وغيرها من حيث الهيكلية والأهداف العامة؛ ثم أورد عددًا من تعريفات القيادة العسكرية بينها :”فن التأثير في المقاتلين عن طريق كسب ثقتهم واحترامهم وتعاونهم لإنجاز الغايات”، كما تناول عدة موضوعات، من أهمها:
متطلبات القيادة العسكرية:
تبدأ بضرورة توفر المهارات القيادية التي تركز على قيادة الذات والاستعداد الذاتي، وإعداد النفس للتحضير للقيادة العسكرية من خلال: تفويض القيادة، وتدريب المرؤوسين، وقادة الخطوط ووضع المثل الإيجابية، وتوفير المهام الفردية، وتوجيه المسار، وإتاحة المزيد من الوقت للتفكير وتحديد الرؤية، وتطوير استراتيجيات المؤسسات العسكرية
وتستقي القيادة العسكرية أهميتها من أهمية المجال ذاته، وما يواجهه من تحديات متجددة؛ إلا أنها العسكرية تمارس ضمن عدة مبادئ؛ أهمها: معرفة الذات والاهتمام بتطويرها، وامتلاك الاحترافية الفنية، والبحث عن المسؤولية، وإمكانية اتخاذ القرارات الصائبة، والقدوة الحسنة، ومعرفة المرؤوسين والاهتمام بشأنهم، ووضعهم في الصورة دائمًا، والتأكد من فهم المسؤوليات، والإشراف على تنفيذها، وتدريب المرؤوسين للعمل كفريق واحد وتكليف الوحدات وفق إمكانياتها.
وجدير بالذكر أن فنون القيادة العسكرية تتنوع سواء في العمليات القتالية والتدريب، ولكل فن منها آلياته وضوابطه؛ ومن أهم تلك الفنون: فن إصدار الأوامر العسكرية، وفن الاتصال وفن التأنيب، وفن معالجة التذمر، والمكافأة، والمراقبة، والعقاب، والتعامل مع القيادات الأخرى.
وقد أوضح الكاتب بشئ من التفصيل، أهم سمات وخصائص القيادة العسكرية، كما تتطرق لدور القيادة العسكرية في إدارة التغيير، ودورها في تحقيق الأداء المتميز، كما تطرق لطبيعة المؤسسات العسكرية الحديثة، وأهم مهارات القيادة العسكرية وكيفية التكيف الثقافي والبدني، والتعامل مع الأزمات وضغوط العمل، وصعوبات التنبؤ.
القيادة التحويلية
وفي هذه الجزئية أشار إلى مفهوم القيادة التحويلية، وهي العملية التي يقوم فيها القائد والمرؤوس بدعم بعضهم البعض للوصول إلى أعلى مستوى من الدافعية والروح المعنوية العالية؛ وهي ترتكز على أربعة أبعاد هي: الكاريزما أو التأثير المثالي، والحافز الملهم، والاعتبار الفردي، والتحفيز الفكري.
وتتميز القيادة التحويلية بتحقيقها الرضا الوظيفي، وزيادة الإنتاجية التنظيمية، وانخفاض مستويات التوتر والخلافات بين المرؤوسين، والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة والتي تشكل أهمية في البيئة العسكرية.
تطوير القيادة العسكرية:
تطرق المؤلف في هذا الجزء إلى العناصر المساهمة في تطوير القيادة العسكرية، والتي من ضمنها: الاعتماد على القيادات القادرة على التكيف مع البيئات المتغيرة، والتركيز على التنمية الذاتية، وتفعيل الشراكة بين الأفراد ودعمها من القيادات العسكرية، وتحديد الأهداف، ودعم وتعزيز ثقافة التعلم، وقياس ردود الأفعال، وتقديم الحوافز والدعم والتوجيه المناسب، وإتاحة الفرصة للتمكين والكفاءة للحصول على النتائج الهادفة، وإعداد القيادات العسكرية من أهم بنود تطير المؤسسات العسكرية.
الفصل الرابع: (العلاقة بين القيادة العسكرية والمفاهيم الإدارية الأخرى)
أوضح المؤلف في هذه الجزئية التقاطع بين المؤسسات العسكرية وغيرها من المؤسسات في عدد من المفاهيم، منها مفهوم الاتصال وأخلاقياته ومساهمته في فعالية وديناميكية العمل في المؤسسات، إلا أنه في الوقت ذاته لفت إلى سرية المعلومات في المؤسسات العسكرية التي تجعل لعملية الاتصال ضوابطًا تميزها عسكريًا.
كما ناقش سبل تطبيق الرضا الوظيفي والتمكين في المؤسسات العسكرية بما يناسب التراتب الوظيفي، وخلق فرق عمل متناغمة لضمان الإنتاج والفعالية، موضحًا سبل الحفاظ على الروح المعنوية لدى المرؤوسين ومدى تأثيرها على تحقيق الأهداف العامة للمؤسسات العسكرية، وأهمية الذكاء العاطفي، والثقافة وتأثيرهما على العمل في المؤسسة العسكرية.
الفصل الخامس: (تحديات القيادة العسكرية في العصر الحالي)
واستعرض المؤلف في هذا أهم التحديات التي تواجه المؤسسات العسكرية في العصر الحديث، ودور القادة العسكريين في مواجهتها، وعلاقتها بالمواطنين المدنيين،
الفصل السادس: (القيادة الاستراتيجية العسكرية)
ناقش هذا الفصل أهم سبل تطوير الاستراتيجيات العسكرية بما يتناسب مع أهدافها ومتطلبات العصر الحديث، متطرقًا لكيفية تطوير الخطط، وتطويع أهدافها وفق المستجدات.
بين السطور:
يعد الكتاب مادة دسمة علميًا وثقافيًا في مجال القيادة عمومًا والعسكرية منها بشكل خاص؛ لا سيما وأن الكاتب أورد بشيئ من الاختصار غير المخل أهم النظريات في المجال، مدعمًا ما أورده بالرسوم الإيضاحية والبيانات.
كما وُفق الكاتب في عرض الإطار النظري والبعد التاريخي بأسلوب جاذب للقارئ غير المتخصص، إذ خلى من الأكاديمية الجافة، والمصطلحات المتخصصة.
وبالرغم من وقوع الكاتب في بعض الجزيئات في فخ تكرار الأفكار، وعدم تنظيمها بشكل مسلسل، إلا أن ذلك لم يخل بالهدف العام من الكتاب، ولم يزحزحه عن رف الكتب الثرية في هذا المجال الخاص.
*نشر في مجلة كلية الملك خالد العسكرية؟