لماذا يتخوف الفلسطينيون من تولي اليمين الإسرائيلي السلطة؟
توم بيتمان – بي بي سي
جئت لأتحدث مع ياسر أبو مرخية عن الاعتداءات على منزله في الخليل، لكن انتهى به الأمر مستلقيا صامتا في حديقته بعد تعرضه للركل في الفخذ. كانت كاميراتنا قد بدأت للتو في التصوير في منزله عندما بدأ الأمر.
يصرخ المُعد الذي يعمل معي:”مستوطنون يهاجمون بالحجارة، مستوطنون معهم حجارة”.
ركضنا إلى الخارج مع العائلة الفلسطينية، فيما اقتحم شابان إسرائيليان حديقتهم، تبعهما جنود.
توجه أحد المستوطنين نحونا مباشرة، وصرخ في العائلة: “اخرجوا من هنا، ارحلوا”.
تقدم أبو مرخية نحوه محاولا مواجهة التهديد وهو يصور على هاتفه، بينما اعترضه جندي، لكن الرجل الإسرائيلي اندفع إلى الأمام وركل صاحب المنزل الفلسطيني.
ويوضح هذا الهجوم المفاجئ ما جئنا لمقابلة العائلة بشأنه حيث يقول الفلسطينيون في الخليل إنهم يشعرون بشكل متزايد بأنهم معرضون للاعتداءات بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
وشهد التصويت ارتفاعا هائلا في التأييد لليمين المتطرف، وتزايد تأييد المتشددين القوميين المتطرفين أعضاء حركة الاستيطان في الخليل وأماكن أخرى، وتجدد الحديث داخل المجتمع الإسرائيلي حول دور الجيش في الأراضي المحتلة.
بعد ركل أبو مرخية، حدثت مواجهة، فيما واصلنا التصوير.
صرخ بديع دويك، وهو ناشط فلسطيني يساعد العائلة: “الجنود لا يفعلون شيئا لحماية الفلسطينيين، إذا فعل فلسطيني ذلك سيتم اقتياده إلى السجن أو يطلقون عليه النار”.
وقد عبر دويك بذلك عن شكوى متكررة من التمييز المنهجي حيث أن المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة نادرا ما يواجهون المساءلة.
ولإثبات هذه النقطة، اتجه الرجل الذي ركل أبو مرخية صوب سيارته، وصافحه أحد الجنود، ثم ذهب.
في غضون ذلك، كان أبو مرخية يئن من الألم بينما يساعده جاره.
وردا على سؤال حول الحادث، قال الجيش الإسرائيلي إن الجنود مطالبون بوقف أعمال العنف ضد الفلسطينيين واعتقال المشتبه بهم إذا لزم الأمر حتى وصول الشرطة. وتقول الشرطة بشكل روتيني إنها تحقق بالفعل في عنف المستوطنين، لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن تلك التحقيقات عادة ما تنتهي بالبراءة.
من الهامش إلى التيار السائد
شهدت انتخابات نوفمبر / تشرين الثاني الماضي فوز تحالف الصهيونية الدينية اليميني المتطرف بـ 14 مقعدا في البرلمان الإسرائيلي البالغ عدد مقاعده 120 مقعدا، مما يجعله ثاني أقوى كتلة في ائتلاف رئيس الوزراء المنتخب بنيامين نتنياهو.
وتولى مؤخرا إيتمار بن غفير، زعيم حزب عوتسما يهوديت (القوة اليهودية) المتطرف المؤيد للاستيطان والذي يتبنى مواقف عنصرية وسياسات مناهضة للعرب، منصب وزير الأمن القومي، المسؤول عن الشرطة في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة.
وقد بنى بن غفير شعبيته بين قاعدة دينية قومية شابة كمحرض على المواجهة المسلحة في الشوارع، كما دعا إلى إبعاد العرب “غير الموالين”، وإطلاق النار على الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة.
وقد أُدين بن غفير سابقا بالتحريض العنصري ودعم جماعة إرهابية يهودية، وهو معروف لفلسطينيي الخليل لأنه ينحدر من إحدى المستوطنات اليهودية في المنطقة.
ويخشى الكثيرون منأن انتقاله من الهوامش المتشددة إلى التيار السياسي السائد ستؤدي إلى مرحلة جديدة خطيرة في المنطقة التي تشهد بالفعل مداهمات وعمليات اعتقال مميتة من قبل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، والموجة الأكثر فتكا للهجمات الفلسطينية منذ سنوات.
فقد قُتل فلسطينيان في الخليل هذا العام، أحدهما صبي يبلغ من العمر 16 عاما، برصاص القوات الإسرائيلية خلال احتجاجات في المدينة، واثنان آخران خلال هجمات مزعومة بالسكاكين على القوات الإسرائيلية. وقُتل اسرائيلي في هجوم مسلح نفذه فلسطيني لقي حتفه بعد ذلك بالرصاص.
وفي اليوم الذي قمنا فيه بالتصوير، كان نشطاء سلام إسرائيليون يقودون جولة تهدف إلى إلقاء نظرة على حقائق الحياة اليومية هنا.
“قلب الاحتلال”
تُعد الخليل مدينة نقاط التفتيش وبؤرة الصراع والاحتلال. يوجد بها عدة مئات من المستوطنين الإسرائيليين الذين يتمتعون بحماية الجيش وحقوق سياسية كاملة، وهم محاطون بمئات الآلاف من الفلسطينيين المحرومين من تلك الحماية والحقوق.
ويعتبر الكثيرون أن ذلك يمثل الاحتلال في أكثر أشكاله جلاءً.
باتت الشوارع في وسط الخليل التاريخي عبارة عن مزيج بائس من منازل المدنيين والمتاجر ذات الأبواب الملحومة وسط الأسوار العسكرية والجدران وأبراج المراقبة، وهي منطقة باتت تخلو من الحياة الفلسطينية الصاخبة التي عرفتها في السابق حيث لا يدخلها سوى السكان فقط . ويشير الجيش الإسرائيلي إلى هذه المناطق على أنها مناطق “معقمة” ضرورية للأمن.
وتعتبر مدينة الخليل معقلا سياسيا لليمين الإسرائيلي المتطرف حيث صوت المستوطنون هنا بأغلبية ساحقة لصالح التحالف الذي يقوده بن غفير وبتسلئيل سموتريش، وهو شخصية قومية أخرى متطرفة من المقرر أن يكون وزيرا للمالية ومسؤولاً عن الإدارة اليومية الإسرائيلية للضفة الغربية، وبالتالي التحكم في حياة الفلسطينيين هناك.
جاء نشطاء السلام الإسرائيليون للتضامن مع الفلسطينيين بعد أسبوعين من العنف والترهيب المتزايد. وفي الأسابيع التي أعقبت الانتخابات، خلال موسم الحج اليهودي السنوي، هاجم مئات الشباب الإسرائيليين المنازل. وفي عطلة نهاية الأسبوع التالية، قام جندي إسرائيلي بضرب ناشط إسرائيلي يساري جاء لدعم السكان الفلسطينيين، بينما تم تصوير جندي آخر يمتدح بن غفير.
وأدان تور وينيسلاند، مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة، العنف وكذلك فعل وزير الدفاع الإسرائيلي المنتهية ولايته بيني غانتس، الذي حذر خلال الانتخابات من أن بن غفير يهدد بإضرام النار في البلاد.
ومن بين الذين هوجمت منازلهم في أعمال العنف أبو مرخية وجاره عماد أبو شمسية. وعمل كلاهما مع مجموعات حقوق الإنسان الإسرائيلية على مر السنين لجمع لقطات عنف المستوطنين، وهو أمر يعتقدون أنه يجعلهما مستهدفين.
قال لي أبو شمسية:”وقفوا في هذا المكان بالضبط وراحوا يرشقون الحجارة بجنون، ويسبوننا بكلمات بذيئة، ويرددون هتافات عنصرية..الموت للعرب، واخرجوا من هذه البيوت التابعة لإسرائيل، سنستعيدها”.
ويضيف قائلا: “كنت خائفا جدا على نفسي وعلى زوجتي وأولادي حيث كان هناك عدد كبير من المستوطنين، خاصة الآن مع وجود بن غفير في الحكومة، وهو الذي جاء إلى منزلي أكثر من مرة”.
ويتابع أبو مرخية: “منذ الانتخابات الإسرائيلية، تزايدت الهجمات واشتدت”.
في وقت لاحق، سُجن الجندي الذي تم تسجيله وهو يدعم بن غفير لعدة أيام. لقد أدى ذلك إلى إثارة خلاف محتدم في إسرائيل حيث جادل القوميون بأن القيادة العسكرية كانت تخضع للضغط الليبرالي لمعاقبة المدافعين عن الدولة.
كان بن غفير نفسه من بين هؤلاء القوميين الذين زعموا أن النشطاء استفزوا أو ضربوا الجنود، وهو ادعاء لا يوجد دليل عليه.
“الآن لديهم المزيد من الطاقة”
كان خط الصدع القديم في المجتمع الإسرائيلي يتفاقم في الخليل المحتلة بين القوميين الصقور وما تبقى من معسكر السلام. شاهدت التوترات تتصاعد في المدينة حيث احتشد المستوطنون ضد زيارة النشطاء المناهضين للاحتلال.
تحدث معي يشاي فلايشر، الصوت المعروف لليمين الاستيطاني الذي يصف نفسه بأنه المتحدث الدولي باسم الجالية اليهودية في الخليل، بينما يصرخ حلفاؤه “الخونة” على النشطاء القادمين.
سألته لماذا يصرخون، ألا يحاول الزائرون فقط فضح الحقائق المتعلقة بالتمييز في المدينة؟
فأجاب فلايشر قائلا: “أصبحوا أقلية في إسرائيل، والفصل العنصري الحقيقي هنا يتمثل في الجهادية الموجودة في هذه البلدة وحركة حماس التي تحكم هذه المدينة، هذا هو الحكم العنصري الحقيقي الذي يمكن أن يأتي إلى هذا المكان إذا لم تسيطر عليه إسرائيل”.
وأضاف قائلا: “في هذه الأرض التي هي قطعة أرض صغيرة، أراضي قبيلتنا، يجب أن نسيطر عليها بالتأكيد، إنها أرضنا”.
قلت له إن الأمر يبدو وكأنه عنصرية، فرفض ذلك. وقال: “نريد لأقلياتنا أن تنجح، ليست لدينا مشكلة مع أقلياتنا طالما أنهم ملتزمون بالقانون وغير جهاديين”.
ويوجد في الضفة الغربية المحتلة حوالي 3 ملايين فلسطيني. ويعيش حوالي 500 ألف إسرائيلي في مستوطنات، وكلها تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو أمر ترفضه إسرائيل.
ونترك التجمع اليميني ويخبرنا الجنود أننا لا نستطيع العودة إذا ذهبنا إلى نشطاء معسكر السلام.
اتجهنا إليهم. وكانت تال ساجي بين الحشد، وهي من مجموعة كسر جدار الصمت المكونة من جنود سابقين يعارضون الاحتلال ويحاولون فضح الإذلال اليومي للفلسطينيين.
خدمت ساجي في الخليل أثناء وجودها في الجيش الاسرائيلي، وأشارت إلى العلاقة المترابطة بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. وقالت إن رسالة المستوطنين هي أن الفلسطينيين “كلهم أعداء”.
وشرحت قائلة: “أعرف ماذا يعني أن تكون هنا كجندية، أنت على اتصال وثيق مع المستوطنين طوال الوقت ويقدمون لك الطعام ويتحدثون إليك وتسمع هذه الرسائل طوال الوقت”.
وأضافت قائلة: “لقد نشأت أيضا كمستوطنة، ومن ثم فإن ما كنت اسمعه منذ الصغر، أن الجميع يريدون قتلي وأن كل فلسطيني يشكل تهديدا”.
ومضت تقول: “الآن، بعد انتصار بن غفير، اكتسب المستوطنون المزيد من القوة وهم هنا يشعرون بثقة كبيرة ويعرفون أن لديهم الكثير من القوة معهم في الحكومة. لذلك فهم يشعرون بثقة كبيرة في قول كل هذه الأشياء والتصرف على هذا النحو”.
وبينما كنا نتحدث، أوقف الجيش الحشد ومعلنا أنها منطقة عسكرية مغلقة، كما يقول النشطاء. في النهاية أتى إليهم الناشط الفلسطيني الذي كان من المقرر أن يقوموا بزيارته.
وعيسى عمرو ناشط معروف ومؤسس منظمة “شباب ضد المستوطنات” التي تقود جولات في الخليل. إنه ناقد صريح لكل من القوات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وقد تم اعتقاله من قبل الطرفين.
وهو مدافع عن حقوق الإنسان حسب وصف الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وأدان الطرفان سابقا اعتقالاته المتكررة.
بعد خطابه أمام معسكر السلام الإسرائيلي، حاول عمرو أن يوضح لي كيف أنه غير قادر على الذهاب إلى منزله بسبب ظروف اعتقاله الأخيرة.
وبينما نصور، تم إبعاده عنا حيث قام 4 من رجال الشرطة الإسرائيليين بملابس مدنية، بمن فيهم الضابط الذي رأيناه في وقت سابق، بوضعه أمام الحائط وفتشوه واعتقلوه بحجة “عرقلة سير العدالة”.
ومثل النشطاء الإسرائيليين والعائلة الفلسطينية التي تعرضت للإعتداء أثناء قيامنا بالتصوير، يعتقد عمرو أن هناك علاقة بين السلطات والمستوطنين في المدينة، الذين باتوا أكثر جرأة من أي وقت مضى بعد الانتخابات.
لكنه لم يستطع أن يشرح أكثر من ذلك، حيث تم اقتياده وإسكاته لبضع ساعات مرة أخرى.