هل تنجح أوروبا في الخروج من عباءة الغاز الروسي؟
السيد الربوة *
لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية هي الدافع الأساسي لسعي الأتحاد الأوربي مع أمريكا من أجل إنهاء الأعتماد على الغاز الروسي، بل لأسباب كثيرة ، أهمها هيمنة روسيا على إمدادت الغاز إلي أوربا، وتوجه روسيا بشكل متزايد نحو الدول الآسيوية، لذا بدأت أوربا في مسألة تنويع مصادر الطاقة، والأعتماد بشكل أكبر على ممر العبور الأوكراني وتعزيز التبادل التجاري مع الولايات المتحدة للحصول على الغاز الطبيعي المسال من أجل أستقلال أوربا السياسي والأقتصادي .
شراكة أمريكية أوربية موسعة للغاز المسال
بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت الظهور كمصدر للغاز عام 2017 لأول مرة ، الا أنها نجحت خلال الشهور الأولي من عام 2019 ليصبح حجم واردات الأتحاد الأوربي من الغاز الأمريكي نحو 13 % وتصبح أمريكا بذلك ثالث أكبر مورد للاتحاد الأوربي ، مفوضية الأتحاد الأوربي نشرت بيان يوم الجمعة الموافق 25 مارس 2022 مشترك بينها وبين أمريكا بعد تصريح الرئيس ” بوتين ” والذي أعلن فيه أن على الدول المستوردة للغاز الروسي دفع ثمنه ” بالروبيل الروسي” رداً علي حزمة العقوبات الأقتصادية الشديدة، التى اطلقتها امريكا والأتحاد الأوربي تجاه روسيا وبدأ تاثيرها بشكل واضح على الداخل الروسي .
بيان الأتحاد الأوربي والولايات المتحدة ، أكد على تجديد التزامهما المشترك بتعزيز أمن الطاقة فى أوروبا واستدامتها وتسريع التحول العالمى نحو الطاقة النظيفة، وكذلك تقليل اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، وأشار البيان إلي هدف الأتحاد الأوربي المتمثل فى الوصول إلى الاستقلال عن الوقود الأحفوري الروسي قبل نهاية العقد الحالي بفترة طويلة، واستبدالها بإمدادات طاقة مستقرة وموثوقة ونظيفة للمواطنين والشركات في الاتحاد الأوروبي .
ونوه البيان إلي إلتزام واشنطن وبروكسل بتحقيق أهداف اتفاقية باريس، وتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، والحفاظ على مستوى احترار عالمي عند 1.5 درجة مئوية، بما في ذلك من خلال التحول السريع للطاقة النظيفة والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، مؤكداً علي ، أنه تم تاسيس تعاوناً فوريًا لمعالجة هدف أمن الطاقة الطارئ لضمان مستويات مناسبة من تخزين الغاز قبل الشتاء القادم . ..
وأضاف البيان انه تم الأتفاق بين الطرفين علي إنشاء فريق عمل مشترك حول أمن الطاقة لتحديد معايير ومتطلبات التعاون وتنفيذه على أرض الواقع.. فيما سيركز فريق العمل ممثل من البيت الأبيض وممثل عن رئيس المفوضية الأوروبية على القضايا العاجلة ومنها تسعى الولايات المتحدة جاهدة لضمان كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لسوق الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب في عام 2022 مع الزيادات المتوقعة في المستقبل .
كما أكد البيان علي أن تلتزم الولايات المتحدة بالحفاظ على بيئة تنظيمية مواتية مع إجراءات لمراجعة الطلبات واتخاذ إجراءات بشأنها على وجه السرعة للسماح بأي قدرات تصدير إضافية للغاز الطبيعي المسال ستكون مطلوبة لتحقيق هدف أمن الطاقة في حالات الطوارئ، مما يؤكد العزم المشترك على إنهاء الاتحاد الأوروبي الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027
مع بذل جهود حثيثة من أجل ضمان استقرار الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي الإضافي حتى عام 2030 داخل أوروبا على الأقل بحوالي 50 مليار متر مكعب / سنويًا، على أساس أن صيغة سعر إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي يجب أن تعكس أساسيات السوق طويلة الأجل .
أمريكا تحصد حصة كبري من تصدير الغاز إلي أوربا
ربما تكون أمريكا قد حققت طفرة في صادراتها من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا خلال السنوات الماضية بداية من عام 2017، الا أنها لم تصل بعد إلى أهدافها الكاملة، تجاه تصدير الغاز إلى أوربا بشكل أكبر، فمازالت روسيا تقف كعقبة أساسية وسوف تستمرفترة ، وربما يتغير الوضع خلال السنوات القادمة خاصة بعد حرب روسيا علي أوكرنيا وظهور الدب الروسي كمهيمن على الغاز بشكل يسبب أضطرابات داخل الأتحاد الأوربي طالما ظلت روسيا هي المصدر الأكبر للغاز، وهو ما ظهر جلياً خلال الفترة الحالية ومع بيان المفوضية الأوربية وحليفها الأول أمريكا ،من خلال التوجيه نحو زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي .
والحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية ظهور تصدير الغاز المسال لديها وهي تعد العدة من أجل تزويد اوربا بالغاز بحيث تقلل من الغاز الروسي تجاه أوربا، وفى تقارير سابقة صدرت عن عدة جهات منها تقرير صادر عن المزود الرائد لحلول الذكاء لأسواق السلع الأساسية،والذي ذكر أن أمريكا زادت الاستثمارات في منشآت الغاز الطبيعي المسال الجديدة للمرة الأولى لتصل طاقتها الإجمالية إلى 100 مليون طن عام 2022، بالإضافة إلى 11 مليون طن أخرى من مصنع جديد للغاز الطبيعي المسال على ساحل لويزيانا، وفقا لما نقلته “وكالة أنباء جنوب الأطلنطي Kpler “
إعداد الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية من أجل تزويد أوربا بالغاز أعطي لها فرصة كبيرة مع الحرب الروسية الأكرونية ، فقد نوه تقرير وكالة أنباء جنوب الأطلنطي إلي أن واشنطن صدرت حوالي 4.3 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في شهر يناير الماضي، وهو ما يمثل حوالي 60% من إجمالي الصادرات، مقارنة بنسبة 10% للفترة ذاتها من العام الماضي، بينما تراجع حجم صادرات شركة غازبروم الروسية للطاقة إلى الاتحاد الأوروبي في يناير 2022 بنسبة 40%، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2021، لتصل إلى 5.8 مليون طن.
شركة أبحاث الطاقة المستقلة ” Rystad Energy ” والتي يقع مقرها فى العاصمة النرويجية أوسلو، تحدثت عن جني ثمار الولايات المتحدة الأمريكية من بيع الغاز إلي أوربا ربما يكون عام 2025 نظراً كون بناء مصنع للغاز الطبيعي المسال يستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات وأن تحل صادرات الغاز الأمريكية نحو أوروبا محل ما يقرب من 40% من حجم الإمدادات الروسي .
واردات النفط الأميركية تمر عبر روسيا رغم الحظر
أصبح الغاز الأمريكي يلعب دوراً محورياً فى أوربا، والأتحاد الأوربي مكون من 28 دولة بإجمالي عدد سكان يبلغ نحو 512 مليون نسمة وهو قوة عظمي بألتاكيد، لذا فهو سوق محل نظر لأكبر مصدري الطاقة فى العالم .
إن زيادة الإنتاج من حقول الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، جعل هناك فرصة كبري للتوسع فى تصدير الغاز المسال وأستثمار ذلك بشكل موسع ، ووفقاً لبيانات شركة “إس أند بي غلوبال بلاتس” لقد شهد شهر ديسمبر 2021 توجه نحو 95 ناقلة نفط من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وارتفعت الصادرات الأميركية إلى أوروبا خلال فصل الشتاء بنحو 15% عما كانت عليه قبل عام .
وطريقة تسييل الغاز تتم تسييل الغاز بتبريد الغاز الطبيعي إلى 260 درجة فهرنهايت تحت الصفر(162 درجة مئوية) والتي تقلص حجمه بأكثر من 600 ضعف. ومن ثما يُضخ الغاز الطبيعي إلى ميناء بحري ويعالج في منشأة تسييل (تحوله من غاز إلى سائل) ثم يعبأ في ناقلات خاصة يتم التحكم في درجة حرارتها ويشحن بحرا، وناقلة الغاز الطبيعي المسال يمكنها حمل ما بين 125000 إلى 175000 متر مكعب من الغاز.
وبالنسبة لتكلفة إنشاء منشآت التسييل والتبخير تقدر بالملايين ويستغرق تشييدها سنوات، حيث يتم إستقابل الغاز المسال يجب أن تتوافر في ميناء الوصول منشأة تبخير (إعادة الغاز المسال إلى حالته الغازية) وعقب أزمة عام 2009 بين روسيا وأكورانيا وعلقت بسببها روسيا الغاز لمدة 20 يوماً ، أدركت أوربا المسألة وتوسعت فى بناء منشآت التبخير والتي وصل عددها إلى نحو 29 منشأة ، ومساحات تخزين كبيرة للإحتفاظ بالإمدادات المستوردة إلى أجل بعيد .
واردات النفط الأمريكية التى تمر عبر روسيا بالرغم من قرار الحظر الذي فرض على روسيا، ووفقاً لتقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن قرار حظر النفط الروسي لا يقيّد واردات النفط الأميركية القادمة من دول أخرى، والتي تمر عبر روسيا، أو تغادر من الموانئ الروسية.
وينتقل النفط الخام المصدر إلي أمريكا من دول مثل قازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، عبر البنية التحتية الروسية، وتمر معظم صادرات النفط من قازاخستان، سواء عبر خطوط الأنابيب من خلال روسيا، أو تُشحن من موانئ روسية، وتنتقل صادرات النفط من قازاخستان أساسًا عبر خط أنابيب بحر قزوين، إذ تمر حول الجانب الشمالي من بحر قزوين، قبل أن تصل إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود.
وخلاصة القول هو أمريكا أمس لها استثمار قوي فى قطاع الغاز مع اوربا، وقد ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأسبوع الماضي ، إن الولايات المتحدة أصبحت العام الماضي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
*مدير وحدة المالتميديا بمركز الشرق الأدنى للدراسات