“الأيادي الخفية”.. كتاب جديد للدكتور محمد حصًان يُشٍرح الأحزاب الإسلامية من الداخل
صدرا مؤخرا عن منصة كتبنا للنشر كتاب ” الايادي الخفية…الأحزاب الاسلامية المصرية من الداخل” للدكتور / محمد فتحي حصّان، وترجع أهمية الكتاب إلى ندرة الدراسات العربية التي تناولت إشكالية الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية بصفة عامة ، والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية بصفة خاصة، بالإضافة إلى تناوله فترة تعد من الفترات الهامة في تاريخ مصر بين ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، والتي شهدت بزوغ وأفول تجربة الجماعات الدينية وحركات الإسلام السياسي في الحكم ، والذي أرجعه البعض للإشكالية الحقيقة في علاقة تلك الجماعات والحركات بالديمقراطية .
وقد استعار المؤلف مفهوم اليد الخفية Invisible Handالذي قدمه المفكر الاقتصادي آدم سميث في نهاية القرن الثامن عشر، ليشير إلى أن هناك ” يداً خفية ” تحرك الاقتصاد وأن هذه اليد موجودة ولكنها غير مرئية، عنوانا لهذا الكتاب للإشارة إلى وجود فئتين من القادة في الحزبين محل الدراسة هما: فئة القادة الظاهريين الذين لهم السلطة النظرية، وفئة القادة الفعليين المتخفين الذين يمسكون بزمام الأمور ويمارس السلطة الفعلية من خلف الكواليس.
ويهدف هذا الكتاب إلى محاولة رسم معالم الديمقراطية الداخلية في عمل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية بصفة عامة، وذلك بالتطبيق على الحزبين الأكثر فاعلية وهما حزب الحرية والعدالة وحزب النور ، واستكشاف مدى قدرة تلك الأحزاب على تطبيق الممارسة الديمقراطية داخلياً في ضوء ارتباك مرجعياتها بشأن المسألة الديمقراطية ، إلى جانب توفير معرفة علمية تساعد مع بحوث أخرى سعت إلى استشراف مستقبل المشاركة السياسية لتلك الأحزاب بعد فشل تجربتها في الحكم عقب ثورة 25 يناير 2011، والنص في دستور 2014 على حظر تكوين أحزاب سياسية على أساس ديني ، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية . حيث نصت المادة (74) من الدستور الذي تم اقراره عام 2014 على أن ” للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون . ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري “.
وحاول الباحث الإجابة على التساؤل التالي: إلى أي مدي تمارس الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية في مصر الديمقراطية في بنيتها الداخلية من خلال دراسة حالتي حزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعه الإخوان المسلمين، وحالة حزب النور، الذي أسسته الدعوة السلفية.
ومن أجل الإجابة على هذا التساؤل بدأت الدراسة بتعريف الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية والمفاهيم الأخرى ذات العلاقة، كحزب الحركة، والمرجعية الإسلامية، والديمقراطية داخل الأحزاب السياسية.
كما تناولت الدراسة المقاربات النظریة من قضیة الدمقراطية داخل الأحزاب السياسية سواء في الرؤية التعددية أو في نظرية النخبة، ثم تناولت الدراسة الاتجاهين الرئيسين من الموقف تجاه الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، الاتجاه الأول الذي يرى إمكان تحقيق الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، والاتجاه الثاني الذي يستبعد إمكان وجود ديمقراطية داخل الأحزاب.
وألقت الضوء على مراحل تطور النظام الحزبي في مصر بداية من تجربة التعددية الأولى (1907 – 1919)، ثم تجربة التعددية الثانية (1919 – 1953)، وتجربة التنظيم السياسي الواحد (1953 – 1976)، وتجربة التعددية الثالثة (1976-2011)، وصولا لتجربة التعددية الرابعة (2011 -2014)، والتي تم تناولها بشيء أكثر تفصيلا من حيث الإطار الدستوري والقانوني، ونشأة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وخصائص النظام الحزبي في تلك المرحلة .
كما تناولت الدراسة البناء التنظيمي، والعلاقة بين الجماعة الأم والحزبين، ومشكلة استكمال بناء المستوي القاعدي، وآلية الاختيار في البناء التنظيمي في الحزبين محل الدراسة، وعملية صنع القرار الحزبي حيث تم اختيار بعض القرارات الأساسية لدراستها؛ أهمها القرارات التي تتعلق بالانتخابات النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية.
كما تم تناول المسائل المتعلقة بعضویة الحزبين، واشكالية الجمع بين عضوية الجماعة الأم والحزبين محل الدراسة، ومصدر ولاء الأعضاء، والدور الرقابي لهم، ثم طريقة اختيار مرشحي الحزبين للانتخابات، كما سعت الدراسة إلى الوقوف على الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء من حيث انتظام دورات المؤتمر العام، واختيار مندوبي المستوى القاعدي للمؤتمر العام، ومشاركة مندوبي المستوي القاعدي في مناقشات المؤتمر العام، ومشاركة مندوبي المستوي القاعدي في اختيار قيادة الحزبين.
ثم تناولت الدراسة التجنيد ودوران النخبة داخل الحزبين من حيث الأساليب التي يتبعها الحزبان في اختيار النخبة الحزبية، ومعدل التغير في تولى الأفراد مواقع رئيسية في الحزبين، وتناولت الدراسة كذلك الصراع على النفوذ داخل النخبة الحزبية، والخلافات السياسية والفكرية.
وأخيرا تناولت الدراسة موقف الحزبين تجاه تمثيل المرأة والأقباط وذلك من الناحيتين النظرية والتطبيقية وما اتخذه الحزبان من مواقف فعليه على أرض الواقع في انتخابات مجلس الشعب 2012، وتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، والموقف تجاه تخصيص كوتا لهما، والموقف تجاه تعيين نائبا لرئيس الجمهورية، والتمثيل في الحكومة.
وقد تبين من الدراسة أنه برغم وجود بعض مظاهر الممارسة الديمقراطية داخل الحزبين محل الدراسة، إلا أنها في الغالب كانت شكلية، تتركز في نصوص تضمنتها اللوائح الداخلية ولم تترجم فعليا على أرض الواقع إلا قليلا.
ومن دراسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، وتحديداً الحزبين محل الدراسة، يتبين أّن تلك الأحزاب تعاني من مشاكل على مستوى بنيتها الداخلية، أعاقت قيام ديمقراطية داخلية حقيقية في الواقع، وهي:
- التداخل في الوظائف بين الحزب والجماعة الدينية الأم، فالحزب من الناحية الوظيفية هو الذراع السياسية للجماعة، وأداة من أدواتها ولم يكن مستقلا فعليا عنها، ويتم الجمع بين عضوية الجماعة وعضوية الحزب، كما تتدخل الجماعة في اختيار قيادات الحزب، وتتحكم في كافة قراراته الهامة.
- عدم استكمال بناء الوحدات القاعدية، وظلت هناك فجوة بين الإطار الذي حددته اللائحة الداخلية والواقع الفعلي، بل كان هناك أيضا ازدواجية في تلك الوحدات، حيث يكون مسئول الجماعة أحيانا هو مسئول الحزب ولا يوجد فارق فعلي بين ممارسات الحزب والجماعة.
- ارتباط معايير الترقي داخل الحزبين بدرجة الطاعة والالتزام بتوجيهات الجماعة الدينية الأم أكثر من اعتبارات الكفاءة.
- عدم وجود دور رقابي فعال للأعضاء على قرارات الحزبين وغياب قيم المساءلة، في ضوء هيمنة الجماعة الدينية الأم، وأن غالبية أعضاء الحزبين من الجماعة.
- عدم وجود أسلوب ديمقراطي لعملية صنع القرار الحزبي داخل الحزبين اللذين كانا مجرد واجهة سياسية للجماعة الدينية الأم التي تتولى فعليا عملية صنع القرار من خلال قلة خفية غير منتخبة، فلم تتمكن تلك الأحزاب من اتخاذ أي قرار هام بصورة مستقلة دون العودة أولاً إلى الجماعة الأم.
- برغم النص في اللائحة الداخلية للحزبين على آلية الانتخاب لاختيار أعضاء النخبة بها، فإن تلك الآلية كانت دائما ما تأتي بنخبة حزبية تنتمي للجماعة الأم وتكون محل ثقتها.
- لم يكن التجديد في نخبة الحزبين نتيجة انتخابات دورية بل جاء نتيجة خلو المنصب لأسباب مختلفة، كما لم يكن هناك انفتاح بتلك النخبة، بما يتيح اضافة أعضاء جدد اليها وخروج أعضاء منها بشكل دوري بل كانت الدائرة ضيقة.
- انتقال الصراع على النفوذ بين الإصلاحيين والمحافظين داخل الجماعة الدينية الأم إلى داخل الحزب السياسي، مع ملاحظة أن الغلبة دائما في هذا الصراع كانت للتيار المحافظ الأكثر ارتباطا بقيادة الجماعة الأم.
- عدم وجود أسلوب ديمقراطي لإدارة الصراعات والخلافات داخل الحزبين بحيث يشجع على ثقافة النقاش الديمقراطي ومن ثم التوصل لقرارات تعبر عن الاغلبية، وبل كان الغالب هو أسلوب التهميش والاقصاء للمخالفين.
- 10. تولت الجماعات الأم مسألة إدارة الصراعات والخلافات داخل الحزبين وكان لها اليد العليا في حسم هذا الصراع لصالح الطرف الأكثر ولاءا لها.
- لم يكن موقف الحزبين تجاه قضايا تمثيل ومشاركة المرأة والأقباط إيمانًا مبدئيًا بدورهما وحقهما في المُشاركة السياسية إنما كان ترجمة لموقف الجماعة الدينية وفي أحسن الأحوال محاولة لتحسين صورتها.
- 12. عدم وجود تمثيل للنساء في المناصب القيادية في الحزبين، فالمناصب الحزبية القيادية بهما تحت هيمنة وسيطرة الرجال بالحزبين.
- عدم وجود دور فعال وحقيقي للأقباط داخل الحزبين من الممكن أن يساهم في دعم الممارسة الديمقراطية الداخلية بهما.
ويكفي أن ندلل على غياب الديمقراطية الداخلية بالحزبين محل الدراسة أن نستشهد بأهم قرارين اتخذهما الحزبان وكان لهما تأثير على مستقبليهما، مازال مستمرا حتى الآن، القرار الأول هو قرار تقديم مرشح رئاسي عن حزب الحرية والعدالة في انتخابات 2012 والذي كان قرار جماعة الإخوان المسلمين بالأساس، والقرار الثاني هو قرار حزب النور بالمشاركة في إعلان خارطة الطريق بعد ثورة 30 يونيو 2013 وعزل الرئيس محمد مرسي، دون وجود اتصالات او مشاورات بين اعضاء الهيئة العليا للحزب.
وانتهت الدراسة في النهاية إلى أن الأحزاب السياسية ذات المرجعية الاسلامية من الصعب أن تتحول إلى أحزاب سياسية حقيقية تطبق الديمقراطية في داخلها، طالما ظل ارتباطها الوثيق بالجماعة الدينية التي انشأتها، وظلت العلاقة بينهما علاقة تبعية. فالحزبان محل الدراسة في علاقتهما مع الجماعتين الأم اللتين أسستهما قد طبقا ما أورده موريس ديفيرجية في كتابه (الأحزاب السياسية) بخصوص المظهر الديمقراطي الذي يخفي الاوتوقراطية المقنعة ، وذلك من خلال طريقتين ، الأولى التلاعب بالانتخابات ، حيث تجري الانتخابات ضمن إطار أضيق ، وحيث الدعاية أقل ، ويقدم مرشح واحد للاقتراع ، فلا توجد انتخابات فعلية ، بل تصديق بسيط وخالص ، وليس الانتخاب هنا إلا شكليا ، وطقسا خالياً من أي فعالية ، ويبدو أن الأساليب ذاتها تستعمل في المستويات الدنيا ، أما الطريقة الثانية فتتلخص في خلق فئتين من الرؤساء : فئة الرؤساء الظاهريين وفئة الرؤساء الفعليين . الأولون منتخبون ولهم السلطة النظرية، والآخرون يمارسون السلطة عمليا ومن ثم يجب التفتيش عن محركي الخيوط وراء الدمى التي تتحرك على المسرح.