ماذا فعلت السياسة بالجماعات الدينية؟
د محمد حصًان
لم يكن مستغربا أن تتجه بعض الأحزاب السياسية في مصر لإطلاق برامج لتخريج كوادر مؤهلة لممارسة العمل السياسي، ولكن المستغرب هو أن يقوم بذلك حزب ذو مرجعية دينية كانت هذه المرجعية ترفض العمل السياسي وتنتقد الجماعات الدينية التي كانت تمارسه، والأكثر غرابة، ويدعوا الى التأمل كيف أن السياسية هي مفكك الايدولوجيا، هو مشاركة العنصر النسائي في تلك البرامج.
فقد شهدت أمانة حزب النور بمحافظة الإسكندرية في ٢٨ يناير الماضي حفل تخرج الدفعة الأولى لبرنامج الكادر السياسي بحضور عبدالله بدران أمين حزب النور بمحافظة الاسكندرية، والدكتور يونس مخيون، ومهندس عبدالمنعم الشحات، والدكتور ياسر برهامي، وعدد من كوادر وأعضاء الحزب.
فما هو برنامج الكادر السياسي؟ وما هو وجه الغرابة في إطلاقه؟ وما هي دلالات تنظيم حزب النور لمثل هذا البرنامج؟.
مضمون برنامج الكادر السياسي:
تم الإعلان عن برنامج الكادر السياسي بحزب النور في شهر يناير ٢٠١٩، حيث اعلنت الأمانة العامة للحزب بمحافظة الإسكندرية، عن بدء التسجيل في البرنامج الذي يتضمن سلسلة من المحاضرات في علوم السياسية والاقتصاد والقانون والإدارة، ومدة الدراسة بالبرنامج 9 شهور مقسمة الى ثلاثة فصول دراسية، وتمنح شهادات تخرج للدارسين في نهاية البرنامج. ويهدف البرنامج كما أعلن الحزب الى إعداد وتأهيل كوادر سياسية فاعلة من أبناء الحزب بحيث تكون قادرة على فهم الواقع والمشاركة الفعالة فيما يفيد ويخدم المجتمع في مختلف المجالات.
شروط الالتحاق بالبرنامج :
- أن يكون المتقدم حاصلًا على عضوية الحزب
- أن يكون المتقدم حاصلًا على شهادة جامعية أو متوسطة
- ألا يقل سن المتقدم عن 25 عاما
- أن يجتاز المتقدم اختبار الثقافة العامة والمقابلة الشخصية
وقد تشكلت لجنة المقابلات الشخصية من الدكتور طلعت مرزوق المستشار القانوني لرئيس الحزب، والمهندس سامح بسيوني والمهندس أحمد الشحات عضو الهيئة العليا والأستاذ محمد شريف.
التحول من النظر للسياسة بانها منزلق الإسلاميين إلى العنف الى التوجه لإعداد كوادر سياسية:
خلال حفل التخرج أشاد الدكتور ياسر برهامي بسبق أمانة الحزب بالإسكندرية في تنظيم مثل هذه النشاطات وأوصى باستحضار النية في المشاركة السياسية بغرض الإصلاح لا الإفساد وإعلاء الدين الذي هو قوام الحياة، كما أثنى على التواجد القوي للعنصر النسائي في الأكاديمية. وأوضح برهامي “أن أساس طالب العمل السياسي الشهرة والدعاية والوظائف في الدولة، لكن يحب أن نكون نحن بعيدا عن هذه الأمور، كما يجب على شبابنا أن تكون هذه خطوة أولى في طريق العمل السياسي والاستمرار في المزيد من الدراسة في الكليات المتخصصة” كما أشار المهندس عبد المنعم الشحات إلى ضرورة ارتباط العلوم الإنسانية بالشريعة الإسلامية واقتران طلب العلم الشرعي مع العلم التجريبي لتحقيق الإصلاح.
وبمقارنة الموقف الحالي للشيخين عبدالمنعم الشحّات وياسر برهامي بسابق موقفهما من العمل السياسي نجد اختلافا وتحولا كبيرا ، ففي مقال بعنوان ” السياسة منزلق الإسلاميين إلى العنف” بتاريخ 20/2/2007 انتقد الشيخ عبدالمنعم الشحّات أنصار الحل السياسي ومضيهم في طريقهم غير مبالين بالنقد الموجه لهم من سائر فصائل الصحوة، والذي تفاوت بين التحفظ إلى الرفض التام الذي كانت حدته تزداد كلما ازدادت التنازلات التي قدموها، وأضاف أن استفادة الغرب هي كم التنازلات التي يقدمها أصحاب هذا الاتجاه من إخضاع الإسلام للحضارة الغربية تحت مسمى تجديد الدين.
التحول من النظر للسياسة على انها تضييع للأعمار وانصراف عن واجب “التصفية والتربية” الى التوجه لإعداد كوادر سياسية:
وقد أرجع الشيخ عبدالمنعم الشحّات موقف الدعوة الرافض للمشاركة في العملية السياسية في مقال نشر عام 2008 بعنوان ” السياسة ما نأتي منها وما نذر” إلى أن ” الدعوة السلفية إذ ترى أهمية التركيز على إصلاح الأفراد وتربيتهم تربية إيمانية صحيحة مستمدة من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة مع تصفيتها من شوائب الشرك والبدع القديمة منها كالعقلانية والحديثة كالعلمانية، مع الربط بين هؤلاء الأفراد للتعاون فيما بينهم للقيام بأي صورة ممكنة من صور أعمال الأمة وفروض الكفايات، ترى أن الخوض في جزئيات “السياسة” التي يعنيها هؤلاء هو نوع من تضييع الأعمار والأوقات وانصراف عن واجب الوقت من “التصفية والتربية” إلى أمور هي أشبه بأحاديث السمر، بيد أن أحاديث السمر يقطع بها الليل وهذه الأحاديث يقطع بها العمر، ناهيك عن الأثر السيئ الذي تتركه في نفوس كثير من عوام المسلمين وهم يبحثون بدورهم عن “شماعة” يعلقون عليها تكاسلهم عن نصرة دين الله …” .
ويرى الشيخ عبدالمنعم الشحّات ” أن هذا لا يعني خلو الخطاب السلفي من السياسة، بل الخطاب السلفي يتناول السياسة الشرعية من جهة التأصيل العلمي العقدي الذي يعرف عند السياسيين بالأيدلوجيا، وهي أهم مما سواها من المنظور الشرعي والمنظور السياسي على حد سواء ، كما لا يعني ايضاً أن الخطاب السياسي السلفي نظري محض، بل كلما وجد في الواقع قضايا تحتاج إلى تجلية الميزان الشرعي الصحيح لها يكون البيان كما كان في حرب الخليج الأولى والثانية، وكما هو ا لحال في الموقف من حصار غزة، ومحاولة العلمانيين تقديس الحدود المصطنعة في رابطة الأخوة الإيمانية، يكون البيان على قدر الممكن والمستطاع”.
ويؤيد الشيخ ياسر برهامي هذا التوجه في مقال له نشر عام 2008م بعنوان ” نحب كل المسلمين ولو اختلفنا معهم “ ، قائلا : ” إن شُغلنا الشاغل الدعوة إلى الله، وإلى دينه وشرعه، وتعليم الناس كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والعمل بذلك ولسنا بالذين نعيش حياتنا للطعن في فلان، والقدح في عِلاَّن، والجرح في غيرهم حتى وإن حاول البعض أن يصورنا على هذا النحو “.
التحول من النظر للسياسة على انها أداة للتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم في سبيل الحصـول على كسب وقتي الى التوجه لإعداد كوادر سياسية للمشاركة الفعالة:
ارجع الشيخ ياسر برهامي مقال له نشر عام 2007م بعنوان ” المشاركة السياسية وموازين القوى” إعراض السلفيين عن المشاركة في اللعبة السياسية بأن “معطيات هذه اللعبة في ضوء موازين القوى المعاصرة عالمياً وإقليمياً وداخلياً لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضي أبداً أحدٌ من أهل السنة أن يضحي بها في سبيل الحصـول على كسب وقتي، أو وضع سياسي، أو إثبات الوجود على الساحة، فهذه المبادئ أغلى وأثمـن من أن تُبَاع لإثبات موقف أو لإسماع صوت بطريقة عالية، ثم لا يترتب على هذه المواقف في دنيا الواقع شيء يذكر من الإصلاح المنشود والتطبيق الموعود لشرع الله “.
كما كتب الشيخ عبدالمنعم الشحّات مقالاً آخر عام 2010 ينتقد فيه الإخوان المسلمين لموقفهم من العمل السياسي جاء فيه: “أن جماعة الإخوان المسلمين تحتاج إلى مراجعة موقفها من العمل السياسي، ومدى تأثيره على العمل الدعوي، لا سيما في ظل التنازلات التي تـُطلب فيه، وكذلك تحتاج الجماعة أن تتقي الله في الاتجاهات التي ترى عدم مشروعيـة الانتخابات، وتمنى الشيخ أن تختفي من قواميسهم عبارات: “خيانة الأمانة”، و” كتم الشهادة “!! ونحوها من الأوصاف التي ينعتون بها من أدَّاه اجتهاده إلى عدم المشاركة في اللعبة السياسية”.
التحول من الاضطرار لترشيح النساء على قوائم الحزب لدرء مفسدة ترك البرلمان لليبراليين والعلمانيين الى التوجه لإعداد كوادر سياسية من النساء:
في إجابته عن سؤال حول حكم ترشيح المرأة في المجالس النيابية بعد ثورة 25 يناير حيث إنه في الانتخابات التشريعية لبرلمان 2012 كان كل حزب – ومنهم “حزب النور” – يدخل الانتخابات عن طريق نظام الفردي والقائمة، وكل قائمة تحتوي على أربعة أسماء، ولا بد من وجود امرأة في كل قائمة، أكد الشيخ ياسر برهامي ” أن هذه المجالس النيابية على الصحيح نوع من الولايات، وهي داخله تحت قوله صلى الله عليه وسلم : (لنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلوْا أَمْرَهُمْ امرأة) (رواه البخاري)، فالأصل عدم الجواز، لكن الفتوى في واقعنا المعاصِر ليست على الحكم المطلق، بل فلا مانع من ترشح امرأة على القوائم للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومنها: “حزب النور”؛ لدرء مفسدة ترك البرلمان لليبراليين والعلمانيين يسنون دستورًا يحارب الإسلام، ويقيد الدعوة، بل ويمنعها ويعاقب عليها! فتحمل أدنى المفسدتين لدفع أشدهما لا يجعل المفسدة الأدنى في الحكم العام المطلق مصلحة جائزة، بل هي من جنس إباحة المحظور عند الضرورة، فلا يتغير الحكم العام عن كونه محظورًا محرمًا أبيح عند الضرورة، فكذلك ما احتمل من مفسدة مرجوحة لدفع مفسدة أعظم لا يعني تغير الحكم العام ، فقد كانت الفتوى قبل ذلك بمنع الترشيح لضعف المصلحة ، بل انعدامها تقريباً في ظل النظام السابق المستبد القائم على التزوير والبطش، وتمرير ما يريد كرهاً فكانت المُشاركة مع ما فيها من تنازلات أعظم بكثير من ترشح امرأة ، كانت مجرد تحسين لصورة النظام المستبد، فلم يكن هناك المصالح المرجوة حالياً ولا دفع المفاسد الأعظم عند كتابة دستور البلاد الذي يرغب العلمانيون في صياغته بطريقة تستخدم لخنق الدعوة وإلغاء مرجعية الشريعة الإسلامية وجعلها مادة ديكورية “.
وفي النهاية …فإننا لن نكون مندهشين مستقبلا إذا ما حدثت تحولات جديدة نحو مزيد من البرجماتية في فكر الدعوة السلفية وحزب النور طالما رغبوا في الاستمرار في العمل السياسي خصوصا في ظل السيف المسلط على الحزب بانه حزب ديني والدعوات المستمرة بدعوى مخالفته للمادة (74) من الدستور والتي تنص على أن ” للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري “.
- دكتوراه في العلوم السياسية
ربنا يوفقك يا دكتور محمد
مقال جميل جدا .. ربنا يوفقك يا دكتور