
النمور الآسيوية بين ترامب وبكين
السيد الربوة
في جولة آسيوية تعكس محاولة لإعادة خلط أوراق النفوذ في منطقة النمور الآسيوية، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تعزيز الحضور الأمريكي عبر توقيع سلسلة من الاتفاقيات التجارية مع دول ماليزيا وتايلاند وكمبوديا وفيتنام، في خطوة تهدف إلى تقليص الاعتماد على الصين وفتح أسواق جديدة أمام واشنطن.
ورغم الزخم الذي رافق هذه الزيارات، تبقى الصين الشريك التجاري الأكبر للنمور الآسيوية، بحجم تبادل بلغ نحو 982 مليار دولار عام 2024، مقابل 453 مليار دولار فقط مع الولايات المتحدة، ما يجعل تأثير التحركات الأمريكية موضع اختبار في معركة النفوذ الاقتصادي المتصاعدة داخل القارة الآسيوية.
المعادن الحيوية.. السر الخفي وراء تحركات ترامب الآسيوية
في خلفية التحركات الأمريكية الأخيرة بقيادة دونالد ترامب تجاه دول النمور الآسيوية، يبرز ملف المعادن النادرة والحيوية باعتباره المحرّك الأعمق لهذه الجولة. فدول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وماليزيا وإندونيسيا تمتلك احتياطيات ضخمة من هذه المعادن التي تُستخدم في الصناعات المتقدمة مثل الإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، والدفاع، والبطاريات الذكية — وهي المجالات التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحصينها من الاعتماد الكامل على الصين.
تُقدّر حصة بكين من الإنتاج العالمي لهذه المعادن بنحو 69٪، بينما تستحوذ على حوالي 90٪ من عمليات المعالجة، ما يجعلها تمتلك قبضة شبه مطلقة على سلاسل الإمداد العالمية. هذا الواقع يضع واشنطن في موقع هش أمام أدوات الضغط الصينية، وفق تقديرات مؤسسات متخصصة .
ومن هنا جاءت اتفاقيات ترامب مع دول النمور لتشمل بنودًا حول تأمين سلاسل الإمداد وتطوير مشاريع استخراج ومعالجة المعادن داخل آسيا، في إطار استراتيجية أمريكية تسعى إلى تقليل الاعتماد على الصين وتأمين مصادر بديلة عبر شبكة من الشراكات الجديدة. وبهذا، تحاول واشنطن أن تضرب “ميزة الموقع” التي تتمتع بها بكين، عبر بناء محور اقتصادي آسيوي يمنحها هامش مناورة أوسع في واحدة من أكثر جولات الشطرنج الجيوسياسي سخونة بين القوتين.
كيف ترد الصين على خطوات ترامب ؟
في مواجهة التحركات الأمريكية المتسارعة نحو دول النمور الآسيوية، لا تبدو بكين في موقع المتفرّج. فمن المرجّح أن تسعى إلى تحصين علاقاتها الاقتصادية مع تلك الدول عبر تقديم حوافز استثمارية وتمويلات ضخمة في قطاعات البنية التحتية والطاقة الخضراء والمعادن، وهي أدوات طالما استخدمتها ضمن مبادرة الحزام والطريق لتعزيز نفوذها الإقليمي.
كما قد تتجه الصين إلى خفض أسعار المعادن النادرة أو تقييد صادراتها إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية كورقة ضغط مضادة، في حين تعمل على توسيع مشاريع التكرير والمعالجة المشتركة داخل آسيا للحفاظ على مكانتها في سلاسل الإمداد العالمية.
ويرى خبراء أن بكين تمتلك من الأوراق ما يكفي لإرباك الحسابات الأمريكية، إذ لا تزال تُسيطر على الجزء الأكبر من السوق العالمي وتملك شبكة علاقات اقتصادية متشابكة مع معظم دول المنطقة. لكن السؤال يبقى مطروحًا: هل تكفي هذه الأدوات لاحتواء التحرك الأمريكي، أم أن آسيا مقبلة على مرحلة جديدة من سباق النفوذ بين التنين الصيني والنمور.
ماذا يحمل ترامب في جعبته عند لقائه الرئيس الصيني؟
تترقّب الأوساط السياسية والاقتصادية باهتمام بالغ اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، وسط أجواء توتّر تجاري واستراتيجي متصاعد. فترامب يأتي هذه المرة وهو محمّل بورقة ضغط جديدة تتمثّل في سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية الضخمة التي أبرمها مع دول النمور الآسيوية، في محاولة لتطويق النفوذ الصيني في محيطه الآسيوي المباشر.
يحمل ترامب كذلك ملف المعادن النادرة وسلاسل الإمداد التكنولوجية باعتباره محورًا أساسيًا في رؤيته لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، حيث يسعى إلى فرض توازن جديد يجعل من واشنطن مركزًا بديلًا لتوريد المعادن الحيوية بعيدًا عن الهيمنة الصينية.
لكن في المقابل، تدرك بكين أن الزيارة ليست مجرد لقاء دبلوماسي، بل اختبارٌ لنفوذها في آسيا وقدرتها على الاحتفاظ بحلفائها الاقتصاديين التقليديين. لذلك، من المرجّح أن يحاول شي جين بينغ تقديم تطمينات محدودة من دون التنازل عن مكاسبه الاستراتيجية، بينما يحاول ترامب أن يُظهر للرأي العام الأمريكي أنه يمسك بخيوط اللعبة في “القرن الآسيوي”.
ماذا يريد كل طرف من اللقاء؟
يراهن ترامب على هذا اللقاء لتأكيد عودته إلى الواجهة الدولية كلاعبٍ لا يمكن تجاوزه، ولإقناع الداخل الأمريكي بأنه القادر على إعادة رسم موازين القوة الاقتصادية مع الصين. فهدفه الأساسي هو انتزاع تنازلات تجارية تقلّص الفائض الصيني في التجارة مع واشنطن، إلى جانب فتح الأسواق الصينية أمام الشركات الأمريكية، وضمان دور لبلاده في شبكات الإنتاج الآسيوية الجديدة التي تتشكل بسرعة.
أما شي جين بينغ، فيسعى إلى امتصاص موجة الضغط الأمريكي والحفاظ على استقرار بيئة الاستثمار الآسيوية التي تمثل عمق النفوذ الاقتصادي الصيني. كما يهدف إلى تحييد النمور الآسيوية عن محاولات واشنطن لاستقطابها، وتقديم بلاده بوصفها شريكًا موثوقًا طويل الأمد، لا خصمًا اقتصادياً.
وهكذا، يدخل الزعيمان إلى طاولة اللقاء وهما يدركان أن ما بينهما ليس مجرد نزاع تجاري، بل صراع على قيادة الاقتصاد العالمي في العقد المقبل، حيث لا مكان فيه لتقاسم النفوذ بسهولة.
هيمنة تتجاوز آسيا.. وصراع لا نهاية له
لا يبدو أن المواجهة بين واشنطن وبكين ستتوقف عند حدود “النمور الآسيوية”، فالصين باتت قوة تجارية عابرة للقارات. إذ تجاوز حجم تجارتها الخارجية في عام 2024 نحو 5.98 تريليون دولار، محققة فائضًا قياسيًا يقترب من تريليون دولار وفق بيانات رسمية.
تمتد خيوط النفوذ الصيني إلى أفريقيا التي بلغ حجم التبادل التجاري معها حوالي 295 مليار دولار، وأمريكا اللاتينية بأكثر من 518 مليار دولار، وصولًا إلى الشرق الأوسط والدول العربية التي باتت جزءًا من منظومة المصالح الصينية المتنامية في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
أمام هذه الأرقام، تبدو تحركات ترامب وجولاته الآسيوية مجرد محاولة متأخرة لإعادة التوازن في عالمٍ تميل كفّته الاقتصادية نحو بكين. فالتنين الصيني لم يعد محصورًا في آسيا، بل أصبح لاعبًا عالميًا يمدّ نفوذه من جاكرتا إلى جوهانسبرغ، ومن الدوحة إلى ساو باولو.
وفي ظل هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح واشنطن في كبح تمدّد الصين، أم أن بكين ماضية بثقة نحو تكريس هيمنتها كقلب الاقتصاد العالمي الجديد؟
من آسيا إلى العالم.. الصين تُعيد كتابة خريطة التجارة الدولية
من شرق آسيا إلى قلب أفريقيا، ومن الخليج إلى أمريكا اللاتينية، تواصل الصين رسم ملامح نظام تجاري جديد يقوم على الاستثمار، والبنية التحتية، والاعتماد المتبادل، لتؤكد أن القرن الحادي والعشرين لن يكون فقط قرن التكنولوجيا، بل قرن النفوذ الاقتصادي الصيني الذي يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للعالم.



