
أمينة العناني* تكتب: هجرة شرعية
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾..
خلق الله سبحانه وتعالى الأرض بمشارقها ومغاربها وسخرها وكل من فيها للبشر بمختلف أجناسهم وجنسياتهم، فلم يحدد بقعة منها لأصناف أو أجناس محددة، بل جميعها لكل من خلق سبحانه، وكل ما يرجوه سبحانه وتعالى هو توفير الراحة والأمن والأمان لجميع البشر.. الاستقرار.. السعادة.. راحة البال.. الرزق الوفير الحلال.. الحياة بكل ما تحمل من معنى قيم.. ولأن القرآن خط به على يد نبينا صلى الله عليه وسلم، الخريطة الزمنية للحياة قبل بدايتها وحتى قيام الساعة، فقد وفر الله سبحانه وتعالى البدائل والقوانين والتشريعات وكل مسألة ومساءلة، حتى لا يضل ولا يشقى إنسان في الحياة.
والأرض الواسعة التي أمرنا الله أن نهاجر فيها لم ترتبط بمكان معين أو زمان محدد، أو مشكلة أو أزمة محددة.. بل سنها الله بشكل عام عندما يتعرض الإنسان للظلم، خاصة من نفسه، وظلم الإنسان لنفسه قد يكون بصبره على ظلم الآخرين له، واستساغته لما يتعرض له من ظلم وعدم رغبته في تغيير استكانته ورضوخه لهذا الظلم، ورفضه أن يخرج من عباءة المظلوم إلى نور العدل.
ومن يستوعب الآيات جيدا سيتيقن من أن الظلم ليس ظلم حاكم أو مسئول أو صاحب أمر.. بل هو ظلم الإنسان لنفسه وهو أقبحه وأعنفه.. سخر الله لك الأرض ومن عليها من جميع مخلوقاتها وما تملكه في باطنها وخارجها، ليوفر الراحة والسعادة لك.. فظلما عليك أن منعت نفسك عن الاستفادة منها.. وإن شق عليك التنعم بها لأمر ما، فهاجر.. هاجر إلى هذه البقعة المباركة بداخلك ” فؤادك” وسله عن الخلاص والفلاح..
فقد خلق الإنسان على فطرة محبة صادقة مسالمة .. خيرة ناشرة للخير.. فكلا منا بداخله ذلك النور المخبئ بين سطور الزمن وتصاريف الحياة.. فانفض عنك هذا الغبار وانظر جيدا في غياهب جبك.. ابحث وأطل البحث مهما مر الوقت ولا تستكثر منه فيكفيك ما يكفي لملء روحك سكينة واطمئنان.. أغرق بالداخل حتى تجده.. ذلك الشعاع الذي ضل طريقه على جانبي طريقك وخلف ورائه قلبا ضعيف لا يمل من الحزن والألم وهاجرا للراحة والأمل.. وعندما تعثر على ما تبحث عنه فأبدأ فورا بهجرتك الشرعية إلى هذه الأرض التي ستعثر فيها على راحة نفسك ودواء لجراحك واستكانة لجميع آلامك..
لم تكن الهجرة قط لأرض مجاورة أو بعيدة بل هي أقرب وأبعد من ذلك.. فالأرض داخلك تنتظر رمي البذور حتى تجنى ثمارها.. فلتبدأ من تلك اللحظة التي وقعت عيناك فيها على كلماتي.. ولتلقي أول حبة ضائعة من جرابك داخل هذا الجب المظلم وقم بسقيها بمياه الحب والعفو والرحمة والرأفة والحنان والأمل والرضا.. وانتظر أياما ليست بالكثيرة ولا بالقليلة، فهي تعتمد على ما رويتها به.. وستحصد ثمارها في القريب العاجل.. فلا تحزن ولا تمل ولا تيأس.. فالغد سيأتي بكل ما تهفو إليه روحك من كل شيء وأي شيء تشتاق إليه..
يومكم بيضحك يارب
*إعلامية ومقدمة برامج



