
أمينة العناني تكتب: مدينة الشمس و”سونو” بوابة مصر الجنوبية
ترتسم على الوجوه ملامح تنطق بكلمات لن تستطيع أن تشدو بها كلماتي.. طيبة.. عراقة.. أصول.. تاريخ.. ملامح هادئة بريئة تغلفت باللون الخمري العتيق، يرسم على الملامح جمال ملائكي رباني، نادرا ما تجده حولك.. سماء صافية شفافة تعانق النيل بجبال خفيفة تربط أواصرهم معا..
عرف عن النورس أنه يحلق هناك في البحار والمحيطات.. لكنه يحلق سعيدا هائما على ضفاف نيل أسوان.. أثناء مرورك لمعبد الفيلة سوف تراه ينتظر منك قطعة خبز تلقيها في مياه النيل لتكون أذن منك له بمرافقتك حتى تصل إلى المعبد..
الوجوه دائما مبتسمة.. تستعد في أي لحظة لمد يد العون إليك في أي وقت ولتقديم كل شيء تحتاج إليه.. الجميع أخوات وأصدقاء.. هناك تمكن العراقة والأصل الطيب.. إذا كنت تبحث عن معني لمصر، إذهب إلى هناك وستجد جميع المعاني..
تعرفت على صديقة من أسوان في القطار.. لم تتركني حتى عودتي سالمة إلى القاهرة وما زالت تهاتفنى حتى الآن.. صديق آخر تعرفت عليه أثناء بثي المباشر من ” سونو”.. لم يتركني حتى أثناء تواجدي في ” طيبة” أو حتى عودتي للقاهرة.. دائما يطمئن على أحوالي بأخوة وصداقة صادقة..
هل تبحث عن آثار نادرة يبلغ عمرها سنوات وسنوات تجاوزت الآلاف والمئات من السنوات.. عليك بعم حمادة، عند مدينة النوبة، ستجد عنده مئات القطع النادرة، التي تمكن من جمعها وشراء البعض منها لجعل منزله متحف محلي الصنع ثري بكل ما ترغب في مشاهدته من تحف وصور وأنتيكات قيمة.. ومنحني وبعض أصدقائي على البث بعض الهدايا القيمة التي تعبر عن أسوان وجمالها..
كانت فرحتي بالغة برؤية السد العالي وبحيرة ناصر.. هنا التاريخ هنا الحضارة العريقة.. هنا أنا.. نعم لن أستطيع مهما حاولت أن أصف إليكم أعزائي القراء روعة وجمال هذا المكان الخالد الأكثر من رائع.. هنا ضاعت أرواح لتبني وتعمر.. حياة جديدة خطت في تاريخ مصر بصرح هائل يشهد لكل من بني وساعد في وجوده حامي لجنبات مصر الجنوبية..
ثملت حتى ارتويت من حضارة أفخر دوما ودائما إنني أنتمي إليها.. لم أتكمن من المكوث في بوابة مصر الجنوبية أكثر من يوم وليلة.. لكنني غادرت المكان بجسدي ولم تغادره روحي حتى الآن..
طيبة
هنا يبدأ تاريخي هنا أبدأ أنا من جديد.. لم أتكمن من التقاط أنفاسي بسهولة.. وأنا أهيم تائهة بين هذه الحضارة العريقة التي تحفل بها مدينة الأقصر الشامخة، والتي كانت تعرف قديما بمدينة طيبة مدينة الشمس، حفلت بالحظ الوفير في مكان إقامتي حيث كان فندقي، الرائع المتميز بجميع العاملين به، على طريق الكباش.. أتطلع إلى معبد الأقصر بسهولة وأمامي طريق الكباش الذي يصل آخره إلى معبد الكرنك.. حفل طريق الكباش بتماثيل لجسد أسد ووجه إنسان فرعوني جميل الملامح..
انتابتني رغبة في البكاء وأنا أقف أمام تماثيل معبد الأقصر ودهاليزه وأثاره المتنوعة.. كيف تمكن أجدادنا من بناء كل هذا.. تماثيل ضخمة ترتفع عن الأرض بمئات الأمتار.. أسقف حفر عليها قصص وحكايات تروي الكثير عن تاريخ الشعب المصري الحافل.. وغالبيتها بالألوان، الأزرق والأحمر، لم يتأثر منها إلا ما تأثر بفعل الزمن..
رحلتي إلى وادي الملوك، كانت برفقة بعض أصدقائي، وصديق من الأقصر، لم يبخل علينا بأي معلومة أو جهد، لم يتركنا طوال الرحلة وتحمل تكاليف زيارة وادي الملوك والملكات كاملة، وبالرغم من صعوبة زيارة وادي الملوك إلى أنني تمتعت بها وكأنني لم أشعر بالسعادة والطمأنينة يوما في حياتي.. وبالرغم من أن كل مقبرة لها تاريخ هائل مميز.. إلا أن البعض منها كان له وقع معين في نفسي وفي نفوس كل من زارها.. فبالطبع مقبرة توت عنخ آمون من أجملها.. ومعبد الملكة حتشبسوت الرائع، إلا أن مقبرة تحتمس الثالث كان لها معني ووقع آخر داخلى..
تحمل مقبرة ” تحتمس الثالث” أو ” تحتمس الكبير” رقم 34، ويقال عنها أنها مقبرة ” نابليون مصر”، ذلك المحارب المقاتل الذي منح مصر 17 انتصار في عشرون عام من نشاطه الحربي، 1479 – 1425 قبل الميلاد، وهو الفرعون الخامس من الأسرة الثامنة عشرة في مصر، والمقبرة تعد من أوائل المقابر التي تم حفرها بعمق في الصخر، لتصل إلى غرفة الدفن عليك النزول 33 متر تحت الأرض ثم الصعود 33 متر مرة آخرى، حتى تتمكن من الوصول إلى غرفة دفن الملك.. أثناء نزولك وصعودك سترى الآلاف من الرسومات الفرعونية الملونة التي تحكي الكثير والكثير، ليتني كنت دارسة للغة الهيرغلوفية لأتمكن من قرائتها بنفسي.. نقوشها فلكية تتحدث عن السماء والنجوم والكواكب وعظمة الله… في نسيج متناسق يعبر عن الكون ورحلة الموت والبعث .. لم يتمكن الفرعوني القديم من الإيمان بالله الواحد الأحد.. لكنه كان يعمل أن الله واحد أحد.. كما كان يؤمن بأن هناك بعث وخلود في الحياة الآخرى..
ربما رحلة الإيمان والموت والبعث والخلود والإله الواحد.. هو ما منح هذه المقبرة هذه الطاقة الروحية، التي ستحصل عليها بمجرد تواجدك داخل المقبرة.. ستجد هناك ما يجذب من داخلك كل حزن وألم وطاقة غير مستحبة، ليمنحك هذا الشعور بالآمان والطمأنينة وطاقة لن أستطيع وصفها بالإيجابية، لأنه في الحقيقة تعدت هذا المسمى بمراحل.. لكن ما أستطيع أن أعدك به.. أنه بمجرد دخولك إلى هذه المقبرة وخروجك منها ستتحول إلى شخص آخر محب للكون والحياة.. العيد القومي لمحافظة الأقصر، كان لي نصيب كبير من الحظ، أن جاء خلال إيام تواجدي في ” طيبة”.. كان التنظيم رائع وجميل بحضور المحافظ المهندس عبد المطلب عمارة، والعديد من قيادات المحافظة، أكثر ما لمس مشاعري في الاحتفال، هو ذلك الحب والألفة من جميع المتواجدين للحفاظ على الأمن والأمان، تجاه جميع الحضور من أبناء المحافظة والوافدين إليها.. أما آداء المشاركين في الحفل.. فهو نابع من القلب بشغف وحب لكل ما يمت لهذه البلد من صلة، وبالرغم من أنهم أطفال، إلا أنهم تمكنوا من التعبير عن حبهم بـ “طيبتهم” بكل براعة وحب.. اللهم أحفظ مصر وشعبها وقادتها..



