مقالات

أمينة العناني: سويت شيرت في كيس بلاستيك

استيقظ من نومه على آذان الفجر.. قام بأداء فرضه وارتدى ملابسه وتوجه لعمله.. كان طوال الطريق من شارع فيصل وحتى أكتوبر مقر عمله، يفكر في ما ينقصه للزواج..” بس لو ربنا يكرمني ببنت حلال طيبة.. الحمد لله أني عملت ليزك لعيني وبقى نظري ستة على ستة.. وكمان سناني ضبطها.. طيب انا ممكن أوافق على بنت حتى لو أقل مني في التعليم مش مشكلة.. المهم تكون عايزة تعيش.. الله يرحمك يا ابويا.. الله يرحمك يا أمي بس أكيد أخواتي البنات والولاد مش هيسيبوني وهيقفوا جنبي”.. وظلت الأفكار تراوده يمينا ويسارا.. وصل لمقر عمله في التاسعة صباحا وبعد أن انتهي من توقيع الحضور بالبصمة.. حمل في يده ملف سيقوم بتسيمه إلى فرع آخر للشركة.. أكد على زملائه أن ينتظروه حتى عودته من المأمورية ليتناولوا الإفطار معا..

انطلق خارجا من الشركة بحماس ليسلم ما بيده من أوراق للفرع الآخر.. خطوة والثانية نظر يمينه فوجئ بعربة ليست مسرعة ولكنها تمكنت من الاصطدام به بقوة لتلقيه على جانب الطريق على رأسه.. غاب عن الوعي.. قام صادمه بالإسراع به إلى أقرب مشفى.. حاول الأطباء معه جاهدين لإنعاش قلبه.. استجاب 14 مرة لمحاولات الأطباء.. إلا أنه تعب من المحاولة والمقاومة فاستسلم لقضاءه وقدره وأغمض عينيه ليترك الدنيا ويرحل عن عمر لم يتجاوز 28 عام.. وكيس بلاستيك شفاف.. قامت المشفى بوضع السويت شيرت والبنطال وغياره الداخلي بداخله.. ورحل..

قضاء وقدر.. يسرع ولا يمهل.. يأخذ من يأخذ ويترك من يترك كيفما شاء.. فالأمر كله لصاحب الأمر والملك.. وهناك دعاء يغير القضاء لكنه أبدا لا يغير القدر.. فالأعمار كتبت والأسباب حددت وكلا يسير على دربه.. حتى لحظاته الأخيرة..

وصل بلا وصال

الدنيا زحمة والمشاغل كتير واليوم بيطير.. عندي صداع، تعبان شوية.. مش فاضي دلوقتي خليها بعدين.. يمكن بكرة أو آخر الأسبوع أو خليها السبت الجاي أو يمكن الثلاث آخر النهار.. وتمر الأيام وتتباعد المسافات وتنتهي علاقات وتبدأ علاقات جديدة.. ونغفل عن التواصل.. حتى نقرأ في منشور على صفحة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أن عزيزا رحل أو صديق غادر.. نشعر بالندم والحزن على عدم التواصل والجفاء والبعد..” يا ريتني كنت اتصلت واطمنت عليه.. يا ريتني كنت زرتها في العيد اللي فات.. انا كنت رايح له بس مش عارف إيه اللي عطلني ونسيت من ساعتها”..

 تتلاشى تدريجيا من ذكريات ماضينا تفاصيل هذه اللقاءات الحميمة المفقودة بين هؤلاء الذين كانت لا تهنئ الحياة إلا بوجودهم، وتنسل بين جنبات أيامنا ببطء لحظات آخرى باردة يكتنفها طابع العصر الممل السريع المتسارع البطئ المبهر.. وبين هذه وتلك حياة كاملة تمر سريعا بلا توقف بلا صبر.. الجميع يجري مبتعدا.. مشغولا متشاغلا بأمور نفسه والدنيا والحياة من حوله..

كالقطار.. أناسا يصعدون وآخرون يغادرون.. يجري البعض ليجلس بجوار النافذة ويتركها مفتوحة بجانبه ليتمكن من الحصول على كل شيء ويمد يده في الهواء ملوحا وكأنها الحرية.. والبعض يجلس بالداخل بعيد عن كل شيء فلا هواء نقي يحصل عليه ولا راحة في الجلوس فكل من يمر بجواره يصطدم به.. وتكون رحلته شقية متعبة ويردد داخله قائلا” امتي هنزل من القطر واستريح”.. هكذا نحن وهذه هي الحياة الجميع يصعد إلى متن القطار.. إما شقي وإما سعيد..

“اللهم إني أسألك حسن الخاتمة، اللهم لا تقبضنا إلا وأنت راضٍ عنا، اللهم ارزقنا الموت على الإسلام والإيمان، واجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتيمها، وثبتنا عند السؤال، واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى