قضايا وتحليلات

إيران والسلاح النووي.. رحلة من الأوهام والشكوك والحسابات المعقدة

السيد الربوة *

مازالت المخاوف الدولية من امتلاك إيران السلاح النووي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والأتحاد الأوربي،وربما وجدت إسرائيل ضالتها ببث مخاوف أكثر لحلفائها من دول الخليج العربي لتجني ثمار تلك المخاوف بشكل يعزز مكانتها فى الشرق الأوسط، وتزداد المخاوف مع كل تقرير يصدر عن ” الوكالة الدولية للطاقة الذرية ” وليست تقارير الوكالة فقط بل مع كل تطوير لمنظومة “الصاوريخ الإيرانية أو رفع درجة تخصيب اليورانيوم التى تستمر فيها إيران، المخاوف مستمرة بالرغم من الحصار المفروض عليها من قبل القوة الدولية.

 كل المخاوف حاضرة بالرغم من إعلان وزيرالخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان الأيام الماضية أبريل 2022 أن التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 بين القوى الكبرى والجمهورية الإسلامية بات وشيكا.

اتفاق فيينا

وجاء تصريح عبد اللهيان خلال اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش  نشرته وسائل الإعلام العالمية ، وبالرغم من عدم تواصل الوفدان الإيراني والأميركي في فيينا بشكل مباشر، لكنّ رسائلهما تمرر عبر مشاركين آخرين والاتحاد الأوروبي، وتشارك إيران في هذه المفاوضات لإحياء الاتفاق المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين بشكل مباشر، ومن المعروف أن الولايات المتحدة تدرج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية. وتطالب إيران بشطبه من القائمة، وتشير تقارير إلى أن وضع الحرس الثوري هو نقطة الخلاف الرئيسية حاليا بين الجانبين .

لقد أعلنت إيران الشهر الماضي انها اتفقت على خارطة طريق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لحل جميع المسائل المتبقية بين الجانبين بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتعد خطوة اتفاق إيران مع الوكالة أحدث مسعى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والدول الكبرى.

و أعتقد أن المفاوضات فى ينا سوف تحقق نجاحاً  ملحوظاً  بالرغم من تصريحات روسيا المغايرة لذلك، فقد أظهرت تصريحات  مسؤولين من إيران وروسيا فى الفترة السابقة، بوادر خلاف في وجهات النظر بين البلدين بشأن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على المحادثات النووية في فيينا، إذ اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن العقوبات الأميركية على بلاده أصبحت “حجر عثرة” أمام العودة للاتفاق النووي الإيراني، في وقت وصف مسؤول إيراني هذه المقاربة بأنها “غير بنّاءة”

ونقلت وكالة “رويترز”، عن مسؤول إيراني كبير، السبت، قوله إن مطالبة روسيا بضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات على موسكو لن تضر بتعاونها مع إيران، أمر “غير بنّاء” للمحادثات بين طهران والقوى العالمية التي تهدف لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

مخاوف مستمرة

إمتلاك إيران ما يزيد عن حوالى  1500 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسب أكثر من20% وعملها المستمر لرفعه إلى 90 % فأن ذلك يمكنها من الحصول على السلاح النووي، خاصة مع وجود نماذج تمتلكها إيران فى أحد الأجهزة الإيرانية يمكن استعامله على أحد الصاوريخ  منها على سبيل المثال “صاروخ شهاب “الذى أعلنت إيران عن تطويره عدة مرات ، ولكن يظل السؤال المفتوح هل تستطيع حقاً إيران تصنيع ” القنبلة النووية كما فعلت باكستان والهند ؟ .

وتتحقق ” الوكالة الدولية للطاقة الذرية ” من البرامج النووية لجميع أعضائها الـ 171، إلّا أن إيران تخضع للتفتيش أكثر بكثير من معظم الأعضاء الآخرين، ولم يتوقف مفتشين الوكالة عن الذهاب إلى إيران حتى مع “جائحة كورونا”، بل إعلن عن استأجروهم  طائرة لمنع عرقلة سفرهم إلى المنشآت الإيرانية. ويقوم فريق تفتيش الوكالة بالكشف عن أجهزة الرصد عن بعد والكاميرات وسؤال العاملين الإيرانيين فى المنشاّت النووية  .

ومن أهم النقاط التى كشفت عنها الوكالة فيما سبق هى قدرتها  على الوصول إلى موقعين لم تكشف عنهم إيران ضمن المواقع “النووية”، وقد أخذ المفتشين  عيّنات من اليورانيوم من الموقعين، و أظهرت تحليلات الوكالة التى أعلنت عن ذلك فيما سبق،  أنها كانت قد خضعت للمعالجة بطريقة ما، وتسعى الوكالة إلى الحصول على تفسير لذلك.

كما يبحث مفتشون الوكالة فى الغالب  وفقاً للتقارير عن حجم مخزون إيران من اليورانيوم المخصب وإذا كانت هذه هي الكمية المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية ، وفي الوقت الحاضر، ربما تمتلك إيران ما يكفي من هذا اليورانيوم ولكنه ليس مركّز غير “عالي التخصيب” بصورة كافية لكي يكون قابلاً للاستخدام.

كما تبحث  الوكالة عن عدد أجهزة الطرد المركزي التي تشغّلها إيران، ونوعها مع أن المعلومات التى تناقلتها وسائل الإعلام العالمية فى هذاالشأن ، هى أن معظم أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران قديمة من نوع “آي آر-1” ولا تكفي لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب. لكن لديها أيضاً نحو ألف جهاز من نوع “آي آر-2″، التي تتمتع بفعالية أكبر ولكنها قد لا تكون قادرة على إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب إلى مستوى التركيز المطلوب لصنع “القنبلة النووية” .

عقوبات الولايات المتحدة

ظهر خلاف كبير بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الرئيسيين – بريطانيا وألمانيا وفرنسا،بشأن إيران وبرنامجه النووي، وقد بدا هذا الخلاف بوضوح بشكل كبير عقب تولي الرئيس الأمريكي ترامب الحكم، حيث اعتبر إدارة الرئيس ترامب بأن “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تم التوصل إليها أثناء إدارة أوباما عام 2015 تقدمت  بتنازلات كبيرة لطهران.

بينما اعتبرت بريطانيا والمانيا وفرنسا ما حدث من اتفاق سابق مع إيران إنجازاً دبلوماسياً يستحق الانطلاق منه والبناء عليه،  وبعد انسحاب الولايات المتحدة من “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع حلفائها  عام 2018، تابعت أمريكا قرارات مختلفة تجاه إيران، وقد لجأت وأشنطن إلى فرض عقوبات إضافية على إيران من قبلها ، واعتبرت إيران نفسها بأنها لم تعد ملزمة بالامتثال للقيود المدرجة في “الخطة” .

المخاوف للجميع

حذر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الدول المعنية بمتابعة برنامج إيران النووي فيما قبل  من التراخي تجاه “القنبلة النووية” الإيرانية، مثل سيناريو قنبلة باكستان وكوريا الشمالية النووية والتي أمست واقعاً لا يمكن تغييره،وفى تقرير للمعهد حول البرنامج النووي الإيراني، طرح فى رؤيته  طريقتين لإيقاف البرنامج النووي الإيراني وهي إما الإطاحة بالنظام أو حرب شاملة في المنطقة

وتحدث التقرير الفصلى لمعهد واشنطن والذى صدر فى مارس 2020 أن أن مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب قد تضاعف ثلاث مرات تقريباً منذ صدور التقرير السابق في نوفمبر 2019، ويعنى ذلك من الناحية النظرية أن زيادة التخصيب قد تُمكّن إيران من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم لصنع قنبلة نووية بسيطة خلال ما يزيد قليلاً عن ستة أشهر، اعتماداً على عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة وفعاليتها.

وفى تقرير اّخر مرافق لتقرير واشنطن الفصلى تقرير آخر لـ “الوكالة” ينتقد النظام الإيراني على عدم تعاونه ومنعه المفتشين من أداء مهامهم، ويصف التقرير المرافق كيف رفضت إيران السماح لـ “الوكالة” بالدخول إلى المواقع التي ربما كانت قد استُخدمت في العمل على الأنشطة النووية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، والتي اكتُشفت فيها أنشطةٌ “تتفق مع الجهود المبذولة لتطهير جزء من الموقع” منذ يوليو2019.

ويشير تقرير الوكالة إلى اليورانيوم العالي التخصيب الذي يُعتقد أن إيران ترغب في إنتاجه، تُحدد “الوكالة” هذه الكمية بـ 25 كيلوغراماً، رغم أن الخبراء من مصممي القنابل النووية قد يحتاجون إلى أقل من ذلك بكثير.

ماذا تمتلك إيران؟

 المراقبون يشيرون إلى رضاء إيران عن حالة الغموض التى تصدرها للعالم بشأن برنامجها النووي لأن ذلك يحقق أهداف كثيرة لديها، وقد اتبعت سياسية الغموض من قبل فى الملفات النوووية، سواء كان من قبل إسرائيل أو باكستان او الهند او كويا الشمالية، وإيران تعمل على صنع القنبلة النووية منذ أكثر من عشرين عاماً وفقاً للرويات والتقارير العديدة التى نشرت من قبل أجهزة مخابرات مختلفة .

مفاعل “أراك للماء الثقیل” المعروف ب IR-40 واحد من أكبر المنشأت النووية في ايران، بالرغم من أن إيران قالت أن المفاعل لن يستخدم الإ لأغراض البحث والتطوير وإنتاج نظائر طبية وغيرها من المستلزمات السلمية، الإ أنه قادر أيضاً على إنتاج البلوتونيوم الذي يُستخدم نظريا في صنع “القنابل النووية “وهناك سعي للعمل على سحب الإعفاءات من هذا المفاعل من قبل الوكالة  ولو حدث فأن العمل فيه سوف يتأثر. 

بالرغم من تخلي إيران عن قدرتها المتعلقة بالأسلحة الكيميائية قبل انضمامها إلى “اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية” في عام 1997 الا أنها لا أعتقد أنها مستعدة عن هدفها فى القدرة على تصنيع سلاح نووي، حتى لو تم تأجيل هذا الهدف لسنوات فأن السعى له مازال مستمر، كون مشروع السلاح النووي يمثل لديها قوة رادعة تحمل طموحات مختلفة ، مع كون التصريحات الرسمية للقادة فى إيران تنفى دائما صناعة أسلحة دمار شامل كونها تتعارض مع الأخلاق.

ولكن السؤال الذى يفرض نفسه مازالت تمتلك إيران من أسلحة يمكن تطويرها وتصلح للأستخدام النووي ، هناك مخاوف دولية ناتجة من إطلاق إيران قمراً صناعياً عسكرياً في أبريل 2020، خاصة أن محاولات إيران فى السابق كانت لإطلاق الأقمار الصناعية مدنية في الإسم، إلا أن هذا القمر الصناعي أُطلق عسكرياً من قبل “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” وهو ما يعنى القدرة على تمكنها سواء الأن ام فيما بعد من إطلاق صاروخ “ذي رأس نووي” .   

 وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية التى نشرت تقارير مختلفة عن قدرة إيران الصاروخية ، فأن إيران تجري تجاربها الصاروخية منذ أكثر من 30 عاما، قامت خلالها بإطلاق أكثر من 100 صاروخ، لسبع طرازات من الصواريخ الباليستية، ووفقاً لما ذكره موقع “ميسيل ثريت” الأمريكي فأن إيران تمتلك أضخم ترسانة صاروخية في الشرق الأوسط من حيث الكم والطرازات المتنوعة، التي تضم آلاف الصواريخ قصيرة، ومتوسطة المدى، إضافة إلى الصواريخ المجنحة. 

ومع إمتلاك إيران تلك الترسانات الصاروخية، يصبح أمر التطوير أمر بديهي ، وقد  اتهمت بريطانيا وألمانيا وفرنسا، إيران، من قبل إيران بالمضي قدما في تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، في مخالفة لقرار من مجلس الأمن الدولى، الذي صدر في 20 يوليو 2015 ، دعما للاتفاق النووي المبرم بين إيران ومجموعة 5+1، وقد أكدت فى تقريرها الذى وزعتها اّنذاك فى الأمم المتحدة على صور لقطات اختبار صاروخ “شهاب-3” متوسط المدى، مؤكدة أن هذا الصاروخ يعد قادرا من الناحية التقنية على حمل رأس نووي.

وتضم ترسانة إيران الصاروخية صواريخ باليستية متنوعة، وصواريخ قصيرة المدى مصممة لضرب أهداف في برية وبحرية وجوية، في فبراير 2019 أعلنت وكالة “فارس الإيرانية” أن إيران ستزيد مدى (الصواريخ الساحلية) لأكثر من 300 كم، وتشكيل وحدة تحت السطح والعمل من جانب آخر على تصميم وتصنيع مختلف أنواع الصواريخ لتعزيز قدرات البلاد الردعية، كما أعلنت الوكالة فى نفس الشهر عن اطلاق صاروخ “أرض – أرض” (دزفول) الذكي في مصنع تحت الأرض لإنتاج الصواريخ الباليستية للقوى الجوفضائية للحرس الثوري.

لدي إيران تجارب على صاروخ “موسدان” البالستي الذي يصل مداه إلى 5500 كم، ويتراوح مدى الصواريخ الإيرانية بين 300 إلى 1000 كم، وأبرزها صواريخ “شهاب 1” و”شهاب 2″، بينما يوجد أنواع أخرى من الصواريخ يتراوح مداها بين 1000 و3000 كم، وأبرزها صواريخ “سجيل” و”شهاب 3″. إن إيران لديها من الأسلحة التى يمكن تطويرها لتصلح كسلاح نووي فور افنتهاء من برنامجها النووي التى تسعى له، ولكن يبقي السؤال هل تنجح فى الإنتهاء من برنامجها النووي أم يقاص جزئياص مع نجاح اتفاق فينا .

*مدير وحدة المالتميديا بمركز الشرق الأدنى للدراسات الإعلامية والاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى