مقالات

السيد الربوة يكتب: السعودية والقيادة الإقليمية الناعمة


 علي الرغم مكانة المملكة العربية السعودية التي استمدتها من ثقلها بين المسلمين الذين تجاوز تعدادهم 2   مليار شخص ويشكلون حوالي 25% من سكان العالم ، كونها الأرض التي شرفها الله باحتضان بيته العتيق والحرمين الشريفين،  إلا أن الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية والإقليمية والدولية خلال السنوات الماضية، جعلت من المملكة ذات ثقل استراتيجي وجيوسياسي قادر على تغيير الكثير والوقوف أمام التحديات التى تظهر، وهو ما جعلها محورا هاما في القيادة الإقليمية، من الرغم أنها لم تكن من قبل مشغولة بالقيادة الإقليمية .  

السعودية محرك فعال في المنطقة :

تستطيع العيون  أن تشاهد  دورالمملكة  العربية السعودية  التي أصبحت محركاً مهماً وفاعلاً في الأحداث على المستوى الإقليمي والدولي ،حيث تعد المملكة العربية السعودية اليوم من أقوى 20 اقتصاداً مؤثراً على مستوى العالم،وهي المملكة التي لم تعر اهتماما على مدى تاريخه الطويل لبروزها كقيادية إقليمية أو المنافسة عليها، واكتفت بالاهتمام بالملفات الداخلية  والاستثمار ونأت بنفسها عن التدخل في الصراعات الإقليمية المختلفة .

ومنذ يناير عام 2015 مع تولي الملك سلمان القيادة بدأت  تتغير الصور عن السابق ، من خلال ترتيب البيت الداخلي على مستوى الحكم أو الدولة السعودية بشكل عام، وصدرت القرارات الملكية تتناول مختلف شؤون الحياة السياسية والاقتصادية، لتأتي شخصية ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان ” الذي استثمر مكامن قوة المملكة الاقتصادية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في وضعها كمحرك أساسي لكثير من الأمور في المنطقة، إلي جانب توظيف كبير وفعال لمشاريع استثمارية وسياحية تخدم ما وضعها من رؤية مستقبلية .

ولا نستطيع القول إن المملكة لم يكن لها دور إقليم في السابق ولكنها كانت ضمن تكتل قيادي عربي ” مصر السعودية سوريا ” وغيرها وكان اهتمامها الأول بمحيطها الخليجي من خلال مجلس التعاون الخليجي، وكان دورها القيادي فيما يخص الشأن الإقليمي التدخل وفقاً للضرورات والظروف التي تحدث، ودورها القيادي العربي يأتي مع المواقف التي تظهر أيضاً ، ولكنه لم يكن بالشكل الذي نشاهده الأن وبهذا التطور الكبير الذي يجعلها تتقدم في دور القيادة الإقليمية عن طريق تأثير قوي .

 بن سلمان والقيادة الناعمة :

لقد أمست السعودية قائدة إقليمية بجذب الانتباه لأفكارها وتوجهاتها الراديكالية والتطوير الجديد والجريء في الداخل مع تقديم مفهوم القيادة الناعمة في كل ملفاتها الخارجية، وانتبهت جيدا لمسألة استخدام القوة العسكرية في الملفات الخارجية،كما حدث في ملف اليمن وسوريا، ونظرت بعين واعية بعد ما تفهمت جيدا التبعات السلبية والإيجابية لسياسة استخدام الأدوات العسكرية كخيار أول .

إن إعادة اكتشاف الدور الحقيقي للمملكة العربية السعودية  يأتي من خلال القيادة الناعمة، وهي ما تدركه السعودية ويدركه جيداً ، ولي العهد الأمير” محمد بن سلمان ” والذي يدفع بتحقيق “رؤية 2030 ” بشكل مستمر ، لذلك نتوقع أن تكون هناك تحالفات سياسية عسكرية عربية ودولية كبيرة تلعب فيها السعودية دورا بارزا  لتحقيقها ، خاصة أن الظروف الحالية والوضاع الدولية والإقليمية تؤهلها للقيام بذلك وهو ما تدركه السعودية جيدا.

لذلك بدت سياسة المملكة الخارجية بها انفتاحاً وأقل جموداً والبعد عن التصادم، وظهر ذاك جلياً مع إنهائها أزمة قطر والخليج، وسعيها بشكل جدي لوقف الحرب في اليمن والمضي قدماً  في عودة العلاقات بإيران ،إعادة النظر في العلاقات مع بشار لمحاولة حل معضلة الملف السوري ، وإعادة حساباتها بالقوى العالمية أمريكا والصين وروسيا  والغرب ، لذا فإن هناك بالفعل تغيرات وتحولات إستراتيجية وجوهرية تحضيراً لما هو قادم،  وليس مجرد تحولات مؤقتة . 

الرياض والمرحلة :

إن حالة التنافس والاستقطاب الدولي بين واشنطن وبكين والصراع العسكري الدائر بين روسيا وواشنطن من خلال حرب أوكرانيا ، أتاحت للسعودية تكوين تحالفات أستراتجية جديدة بينها وبين بكين وموسكو دون التخلي عن حليفتها القديمة أمريكا ، وخير دليل علي تحالف الرياض الجديد مع بكين والتقارب المميز، هو رعاية بكين في ملف مصالحة الرياض مع إيران ، ومن الواضح أن حنكة ولي العهد ” محمد بن سلمان ” تجعله يسعى لاستفادة الرياض من الأحداث الدولية بشكل يحقق مصالح السعودية .

خلال المرحلة الماضية والحالية الرياض حاضرة بقوة في دوائر التأثير الإقليمية والدولية ، ووضح ذلك في الملف السوداني حيث تعلب دوراً هاما إلى جانب وأشنطن ، وسبق  ذلك حضورها في الملف اليمني والمصري واللبناني وغيرها من الملفات الإقليمية الهامة،أما مسألة الدور الدولي  فهو سعيها الدائم  لحركة صناعة النفط وأسواقه العالمية مع السعي لتنوع الاستثمارات  داخل المملكة في مجالات مختلفة .

إن وجود الفراغ العربي الكبير مع تراجع بعض القوى  التقليدية وانسحاب أخرى كان لها تأثير في الملفات الإقلميمة خلال العقود الماضية، سواء كانت مصر أو سوريا أو العراق ، وأصبحت أكثر انشغالاً بقضاياها الداخلية ، وهو ما أدركته القيادية في الرياض  مع  تناغم واضح بين ولي العهد وأهل الفكر، وهو ما جعلها تتحرك من أجل ريادة إقليمية ، ودولية خاصة مع حجم المملكة المالي والاقتصادي العالمي .

البيت من الداخل :

نجح ولي العهد الأمير ” محمد بن سلمان ” في ترتيب البيت الداخلي في السعودية، وإعادة رسم وتوزيع خرائط النفوذ والسلطة ، بما يساعد في تحقيق مصالح الرياض بالخارج ، وبشكل يمنحه الحرية في ضمان تحقيق سياساته الداخلية التي تنعكس على سياسته الخارجية ،من أجل أن تصبح المملكة ذات واجهة اقتصادية واستثمارية عالمية .

الأمير الشاب  الذي فهم خبرة أساليب الحكم علي يد والده الملك “سلمان ” وأظهر نفسه من خلال العمل ليكون من أقوى الزعماء العرب وصاحب رؤية وكلمة مسموعة داخل وخارج المملكة العربية السعودية، وبعد خطواتها نحو الانفتاح داخل المملكة أصبح لولي العهد شعبية كبيرة في أوساط الشباب وقطاعات أخرى داخل المملكة وكاريزما يتمتع بها، مصحوبة بأفكار وطاقة يترجمها عبر قرارات، مع ثقة بالنفس، لذا توالت الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لتعبر عن المرحلة .

رؤية 2030 والتي تسعى المملكةلإنجازها داخليا والتي تتمثل في تنوع الاقتصادي للمملكة بعيداً عن النفط ، من خلال مجالات تنموية في السياحة والتكنولوجية وغيرها من المجالات التي تساهم بشكل كبير في إعادة خريطة التنمية للدولة والمجتمع السعودي، تلك الرؤية تطلب سياسة خارجية قائمة على الحنكة والقيادة الناعمة والبعد عن الخيارات العسكرية والمغامرات غير المحسوبة التي تنعكس علي الداخل .

مشاريع فعليه :

 إن ثقلا وتأثير واحترافية الدبلوماسية السعودية التي بدأت تظهر بوضوح خلال الفترة الحالية ، أنتجت علي الأرض نقله في مختلف المجالات داخل المملكة العربية السعودية ، علي سبيل المثال قطاع الترفيه والصندوق الخاص  الذي تصل قيمته 64 مليار دولار لتطوير مجال الترفيه وتوفير  فرص عمل تتجاوز المليون في قطاع السياحة الداخلية ، والذي تأسست من أجله الهيئة العامة للترفيه لتقوم على تنظيم وتوفير الخيارات والفرص الترفيهية لكافة شرائح المجتمع في كل مناطق المملكة، وظهر جلياً  إنتاج هيئة الترفيه من خلال مختلف الأنشطة سواء كان ” الفن ” أو غيره .

 ومن بين مشاريع الترفيه عاصمة الترفيه،وهو ما يطلق عليه ” مشروع القدية ”  الترفيهي في الرياض، وبدأ تنفيذ أعماله عام 2019 بتكلفة المشروع لحوالي 8 مليارات دولار، وتم افتتاح المرحلة الأولى من المشروع عام 2022 ويضم المشروع أكثر من 300 مرفق ترفيهي وتعليمي بمواضعات مختلفة .

ثمة مشاريع كبرى تجري وفقاً لرؤية 2030علي قدم وساق، من بينها مشاريع على ساحل البحر الأحمر، وهناك مدينة ” المستقبل الجديد ” وهي تهدف إلى تأسيس مدينة تهتم  بعالم الطائرات المسيرة  والسيارات ذاتية القيادة والذكاء الاصطناعي، وغيرها من صناعات التكنولوجيا المختلفة، الجميع يتحدث عن انطلاق مشاريع التحديث الكبرى سواء بتنشيط السياحة أو الإنشاء الضخمة  .

إن التغييرات التي تشهدها المملكة متسارعة وأضحت بؤرة اهتمام لفئة واسعة من المستثمرين سواء كان من مشروع جبل عمر في مكة المكرمة أو مشروع ” نيوم ” أو المشاريع الترفيهية أو غيرها ، لذا نتوقع مكانة إقليمية بشكل مختلف عن السابق في المرحلة المقبلة ، وثقل أكبر في حل النزاعات للملكة العربية السعودية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى