قضايا وتحليلات

د. محمد حصًان يكتب: قانون الاستثمار … والحد من الهجرة غير الشرعية في مصر

   أثارت حادثة غرق مركب يحمل المئات من المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة من بينهم مصريين قبالة السواحل اليونانية الكثير من الشجون ، حيث وصفت الحادثة التي وقعت في 14 يونيو 2023  بأنها واحدة من أسوأ كوارث غرق مراكب الهجرة غير شرعية ، وأكدت مصر إدانتها بأشد العبارات، استمرار قيام العصابات المنظمة لجرائم الهجرة غير الشرعية باستغلال حاجة البعض ممن يبحثون عن فرص أفضل للحياة والعمل، معرضة حياتهم لمخاطر الموت وفقدان الأمل. وأكدت مصر أنها اضطلعت بإجراءات حاسمة على مدار السنوات الماضية لوضع قوانين رادعة لمواجهة جريمة الهجرة غير الشرعية وكل من تسول له نفسه الانخراط في تنظيمها أو تيسيرها، بالإضافة إلى ما تم اتخاذه من إجراءات لضبط الحدود تمنع خروج مهاجرين غير شرعيين عبر السواحل المصرية.  

وتتعد جهود الدولة من أجل مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ومن تلك الجهود إنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر رسمياً بموجب القانون رقم 82 لسنة 2016 الصادر في 7 نوفمبر 2016 وتم تشكيلها في 23 يناير 2017 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 192 لسنة 2017 لتضم في عضويتها 30 وزارة وهيئة ومجلس قومي.  كما تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية 2016 – 2026، وتستهدف تلك الاستراتيجية الفئات الاكثر عُرضة لخطر الاستغلال من جانب المهربين وهم الشباب (18 – 35 سنة) والاطفال وأُسرهم والوافدين الى مصر بشكل غير شرعي كما تسعى إلى ردع ومعاقبة سماسرة وتجار الهجرة من خلال اجراءات وعقوبات مشددة.

وحيث أن من أهم أسباب الهجرة غير الشرعية هو سوء الأوضاع الاقتصادية ومن ثم انتشار البطالة، فسوف نسلط الضوء في هذا العرض على دور قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 في الحد من الهجرة غير الشرعية في مصر.

  فما هي الهجرة غير الشرعية؟، وما هي ابعادها في مصر؟، وما الذي يقدمه قانون الاستثمار في سبيل الحد من الهجرة غير الشرعية ؟

مفهوم الهجرة غير الشرعية:

  هي الهجرة خارج المعايير التنظيمية للدولة المرسِلة أو دولة العبور أو الدولة المستقبِلة للمهاجرين. ومن وجهة نظر الدولة المستقبلة، فإنها تتضمن الدخول أو الإقامة أو العمل بصورة غير قانونية في البلاد. أما من وجهة نظر الدولة المرسِلة، فهي تنطوي على مخالفة اللوائح والقوانين في حالات مثل قيام الشخص بعبور الحدود الدولية دون جواز سفر صالح أو وثائق سفر أو غير مستوفي الشروط الإدارية لمغادرة البلاد. إلا أن المصطلح يرتبط أكثر بحالات تهريب المهاجرين بطريقة غير شرعية/ قانونية.

أبعاد ظاهرة الهجرة غير الشرعية في مـصر:

  أوضحت دراسة بعنوان: ظاهرة الهجرة غير الشرعية في مـصر: قراءة في آليات المواجهة ” منشورة بالمجلة الاجتماعية القومية، المجلد التاسع والخمسون، العدد الثالث، سبتمبر ٢٠٢٢، للأستاذة / مروة نظير أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن مصر تعد دولة منشأ وعبور ومقصد مهم للمهاجرين عموما، فهي من أكبر الدول التي تزود منطقة الشرق الأوسط بالعمالة. إذ تشير التقديرات الرسمية إلى أن أكثر من ستة ملايين مصري يقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها المملكة العربية السعودية، تليها الكويت والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى ليبيا والأردن. ويقدر عدد المصريين المغتربين المقيمين في دول غير عربية، مثل إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا واليونان بثلاثة ملايين مصري. وتتنوع الكتلة السكانية للمهاجرين في مصر، والذين يقدر عددهم بحوالي ستة ملايين نسمة، لتشمل ٥٨ جنسية مختلفة، من بينها العراق وسوريا واليمن وليبيا واثيوبيا وأريتريا والصومال والسودان وجنوب السودان وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية فتعد مصر أيضا دولة مصدرة ومعبر ومستقبلة للهجرة في آن واحد، فمصر لديها موجات من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، كما أنها تعاني موجات هجرة غير شرعية قادمة من السودان، وارتيريا وسوريا.

وقد أشارت دراسة بحثية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بين الشباب المصري الذي يرغب في الهجرة بصورة غير شرعية إلى وجود أحد عشرة محافظة تضم أكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين، وهي: الشرقية، الدقهلية، القليوبية، المنوفية، الغربية، البحيرة، كفر الشيخ، الفيوم، أسيوط، الأقصر والمنيا.

وعلى الرغم من أن الإحصاءات تشير إلى أن بعض المهاجرين المصريين غير الشرعيين يصلون إلى اليونان ومالطا، تظل إيطاليا هي الوجهة المفضلة لمعظم المهاجرين؛ ويرجع السبب في ذلك إلى الوضع الاقتصادي الجيد بإيطاليا بالمقارنة بمالطا واليونان، واجتذاب القطاع غير الرسمي الكبير بإيطاليا للعديد من العمال المهاجرين المهرة وغير المهرة الباحثين عن العمل، حيث لا يستلزم الأمر إقامتهم وعملهم بشكل قانوني ، وتشجيع الجاليات المصرية في مدن مثل ميلانو لأفراد عائلاتهم أو أصدقائهم أو معارفهم من نفس القرى، ممن يبحثون عن فرص عمل والمعيشة في إيطاليا، على الهجرة غير الشرعية.

قانون الاستثمار والحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية:  

   مما لا شك فيه أن الاستثمار بما يخلقه من فرص عمل وتشغيل من أهم السبل للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية ، وقد تعرض قانون الاستثمار لتلك الظاهرة بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، أما الشكل غير المباشر فقد تضمن الفصل الثاني من قانون الاستثمار( أهداف الاستثمار ومبادئه ) ، أن الاستثمار في جمهورية مصر العربية يهدف إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي للبلاد، وزيادة معدلات الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل، وتشجيع التصدير، وزيادة التنافسية، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ، وتعمل جميع أجهزة الدولة المختصة على جذب وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية ، ويحكم الاستثمار مجموعة من المبادئ منها المساواة في الفرص الاستثمارية ومراعاة تكافؤ الفرص بغض النظر عن حجم المشروع ومكانه ودون تمييز بسبب الجنس ، ودعم الدولة للشركات الناشئة وزيادة الأعمال والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لتمكين الشباب وصغار المستثمرين.

كما منح القانون حوافز ضريبية للمناطق الأكثر احتياجًا للتنمية والتي تتصف بانخفاض مستويات التنمية الاقتصادية والناتج المحلى وزيادة حجم القطاع غير الرسمي بها وانخفاض مستويات التشغيل وفرص العمل المتاحة وارتفاع معدلات البطالة وزيادة واضحة في الكثافة السكانية وانخفاض مستوى جودة التعليم وزيادة نسبة الأمية وانخفاض مستوى الخدمات الصحية وارتفاع معدلات الفقر.

 أما الشكل المباشر لتعرض قانون الاستثمار لتلك الظاهرة فقد نصت المادة رقم (2) من (الفصل الثاني) من اللائحة التنفيذية للقانون على أن للمستثمر تخصيص نسبة من أرباحه للمشاركة في التنمية المجتمعية خارج مشروعه الاستثماري من خلال مشاركته في بعض المجالات منها:

 تقديم خدمات أو برامج في مجالات الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية، أو في أي من مجالات التنمية الأخرى، أو من خلال توفير فرص عمل لذوي الاحتياجات الخاصة أو رعاية الأنشطة الشبابية والرياضية أو رعاية الموهوبين والمبتكرين (علميا/ فنيا/ رياضيا)، أو المشاركة في برامج رعاية الأسر الفقيرة، وتحسين معيشة المواطنين.

تمويل حملات التوعية التي تستهدف الترويج لسبل الهجرة الآمنة أو الحد من الهجرة غير الشرعية، وبرامج التأهيل والتدريب في مجال توفير البدائل الإيجابية للهجرة غير الشرعية مثل برامج ريادة الأعمال أو التدريب من أجل التوظيف بالقطاعات الصناعية والخدمية المختلفة داخل مصر أو خارجها، وخاصة في المحافظات المستهدفة المنتشر بها تلك الظاهرة بالتعاون مع وزارات الشباب والرياضة، القوى العاملة، والدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج.

ويعد ما ينفقه المستثمر من مبالغ في إحدى المجالات المنصوص عليها في الفقرة السابقة بما لا يجاوز (١٠%) من أرباحه السنوية الصافية من التكاليف والمصروفات واجبة الخصم وفقا لنص المادة (٢٣) بند (٨) من قانون الضريبة على الدخل، ويلتزم المستثمر الذي يخصص جزءا من أرباحه لإنشاء نظام للتنمية المجتمعية بأن يتقدم إلى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بتقرير سنوي مدعم بالمستندات المؤيدة لذلك والتي تحددها الهيئة.

وفي النهاية فانه بجانب الجهود التي تقوم بها الدولة وحملات التوعية للتحذير من خطورة الهجرة غير الشرعية ، فانه يجب التأكيد على أهمية تفعيل الحوافز الواردة بقانون الاستثمار والخاصة بمواجهة الهجرة غير الشرعية والاعلان عنها في كافة وسائل الاعلام لحث المستثمرين على الاستفادة منها، بما ينعكس على تحقيق تلك الحوافز لأهدافها في توفير البدائل الإيجابية للهجرة غير الشرعية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى