مقالات

عاشق للقتل والحرق والتهجير.. ماذا نعرف عن سموتريتش الوزير الصهيوني الذي طالب بإبادة بلدة حوارة الفلسطينية؟

عماد عنان- مدير مركز الشرق الأدنى للدراسات

“إن قرية حوارة يجب أن تُمحى، أعتقد أن على دولة إسرائيل أن تفعل ذلك وليس، لا سمح الله، أفرادًا عاديين”.. كشف هذا التصريح المقتضب، الصادر عن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الأربعاء 1 مارس/آذار الحاليّ، قبح العنصرية المتطرفة التي تهمين على عقليته إزاء الشعب الفلسطيني، وطيه بأقدامه كل معاني الإنسانية والحياة تحت غبار أيديولوجيته القميئة.

ورغم تبرير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية لهذا التصريح الكارثي بدعوى أنه جاء ردًا على تغريدة أعجبت سموتريتش لنائب رئيس مجلس المستوطنات شمال الضفة الغربية دافيدي بن تسيون، التي دعا فيها إلى أن “تُمحى حوارة، اليوم”، فإن الكثير من الأصوات نددت بتلك الكلمات التي قد تشعل فتيل الاحتقان لدى الشعب الفلسطيني، ما يهدد الأمن القومي الإسرائيلي.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، وصف تلك التصريحات بأنها “بغيضة وغير مسؤولة ومثيرة للاشمئزاز”، داعيًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التنصل علنًا منها بشكل عاجل، فيما طالب 22 خبيرًا إسرائيليًا بالقانون الدولي، النائبة العامة الإسرائيلية غالي باهراف-ميارا، بالتحقيق مع الوزير وعضوي الكنيست “فوغل” وزميله في الحزب “ليمور سون هار- ميليخ”، بتهمة “التسبب في جرائم حرب”.

تصريحات سموتريتش رغم كارثيتها، لم تكن صادمة، فهي نتاج طبيعي ومنطقي لمسيرة طويلة من التطرف والعنصرية قطعها زعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف، منذ أن وطأ بأقدامه ثرى الحياة السياسية عام 2015 وحتى اليوم، فماذا نعرف عن هذا العنصري الدموي، المتعطش دومًا لدماء الفلسطينيين، المؤمن بعقيدة الحرق والهدم والتهجير؟

عقلية عنصرية

في لقاء تليفزيوني أجرته معه القناة الثانية الإسرائيلية، واحدة من أهم القنوات المتلفزة في الداخل الإسرائيلي، في عام 2016 بعد أن أصبح عضوًا بالكنيست لأول مرة في حياته، استعرض سموتريتش البالغ من العمر وقتها 36 عامًا، الذي وصفته القناة بأنه “الأقدر والأفضل من الجميع على تمثيل صوت الجيل الشاب، المستوطنين الذين مثله نشأوا وتعلموا في المستوطنات في الضفة الغربية”، بعض ملامح عقديته السياسية ورؤيته للمشهد الإسرائيلي العام من خلال الإجابة عن عدد من الأسئلة التي طرحتها القناة.

ومن أبرز الأسئلة التي طرحت عليه: ماذا بشأن الهيكل الثالث؟ وكانت الإجابة: “سيتم بناؤه بسرعة في أيامنا هذه، آمين”، أعقبه سؤال آخر: في فترتنا هذه سوف نرى الهيكل الثالث؟ ليرد “بالطبع، بالطبع، مسألة سنوات؟”، وفي سؤال عن الاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون بحق الفلسطينيين كان نصه: ماذا عن يهودي يقوم برمي زجاجة حارقة داخل بيت يقتل عربًا (المقصود مجزرة دوما التي حرق فيها المستوطنون أسرة دوابشة)، هل هو إرهابي؟ يجيب سموتريتش :”كلا”.

بل دافع عضو الكنيست الإسرائيلي عن مرتكبي المجازر ضد الفلسطينيين، معتبرًا إياهم مواطنين شرفاء مستمسكين بكتابهم الديني التوراتي، فبسؤاله: هل باروخ غولدشتاين، منفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي 25/2/1994 التي راح ضحيتها 29 فلسطينينًا وهم يصلون، إرهابي؟ أجاب:”كلا ليس إرهابيًا”، سؤال آخر في ذات السياق: هل عامي بوبر، منفذ مجزرة عيون قارة التي وقعت عام 1990 وراح ضحيتها 7 عمال فلسطينيين – إرهابي؟ ولم تتغير الإجابة، بل دعمها ببعد ديني تبريري قائلًا: “لا. إنسان مؤمن، انطلاقًا من فهم التوراة، مكتوب في كتاب الحكماء أن مستقبل إسرائيل، ومستقبل القدس لن يقف على ضفة النهر بل سيصل إلى الأردن والتوسع نحو دمشق”.

ومما يفضح نواياه بشأن عملية السلام مع الفلسطينيين، الإجابات الواردة على لسانه حين سئل عن موقفه من الخط الأخضر (لفظ يطلق على الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967، وقد حددته الأمم المتحدة بعد هدنة عام 1949 التي أعقبت الحرب التي خاضها العرب مع إسرائيل عام 1948) حين أجاب: “أمر غير ضروري على الإطلاق”، وآخر: هل يوجد أمر كهذا؟ “كلا غير موجود كلا”، وبسؤاله عن كلمة احتلال؟ أجاب إنها “كلمة سيئة لا تعكس أي شيء وتهدف لخلق عدم شرعية لوجودنا في جبال الوطن في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)”.

وفي 29 مايو/أيار من عام 2019، أجرت معه صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية حوارًا مقتضبًا عن مخططه بشأن قطاع غزة وخطط الاستيطان بشأنه، فكان رده صادمًا حينها حيث قال: “أنا سأحتل غزة مجددًا، وسأنزع سلاح جميع القوات المسلحة هناك، وسأقوم بفتح أبوابها أمام الهجرة الجماعية، ويمكن أن يكون هذا بالتأكيد تحرك إقليمي مع دول أخرى ويعمل مع أوروبا”، مضيفًا “هذا جزء من مفهوم أوسع بكثير كما يقول “أصدقائي الأعزاء، ليس هناك ولن يكون هناك كيان قومي عربي في أرض إسرائيل بين الأردن والبحر”.

وخلال جلسة علنية للكنيست الإسرائيلي في أبريل/نيسان 2021 وقف زعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف، مؤكدًا أنه لن يبقى هناك نائب عربي أو مسلم في “إسرائيل” لا يعترف بأن الأرض تابعة لليهود، ما تسبب في موجة غضب عارمة من الأعضاء العرب الذين وصفوه بأنه “قمامة عنصرية” كما جاء على لسان عضو الكنيست أحمد طيبي، العضو البارز في القائمة المشتركة ذات الأغلبية العربية.

تهويد فلسطين.. رسالته الأساسية

حمل سموتريتش على عاتقه رسالة يعتبرها الهدف الرئيسي لجهوده السياسية تتمثل في تهويد الأراضي الفلسطينية بأكملها، وتحويلها إلى مستوطنات لليهود، فلم يكن تصريحه بإبادة حوارة وحرقها بأكملها سوى جزء من هذا المخطط الذي طالما يحلم به ويؤكده بين الحين والآخر من خلال مواقفه وإجراءاته المتخذة.

في 26 فبراير/شباط 2023 أعلن بشكل مباشر أنه لن يتم تجميد الاستيطان ولو ليوم واحد، مشيرًا إلى أن ذلك من صلاحياته، وذلك ردًا على قمة العقبة التي تعهد فيها الوفد الإسرائيلي المشارك بوقف النشاط الاستيطاني لمدة بين 3 – 6 أشهر، فيما طالب نتنياهو بإعادة الوفد فورًا، قائلًا: “الهدوء لن يتحقق إلا عندما يضرب الجيش المدن الفلسطينية بلا رحمة بالدبابات والمروحيات”.

وقبل ذلك بيومين فقط كان قد تسلم زعيم “الصهيونية الدينية” سلطة واسعة على القضايا المدنية في الضفة الغربية، وهي الصلاحيات التي خاض لأجلها معارك كبيرة مع ائتلافات الحكومة، التي تعزز الوجود الإسرائيلي في الضفة وزيادة بناء المستوطنات وإحباط التنمية الفلسطينية هناك، وقد اتفق مع وزير الدفاع يوآف غالانت على ذلك.

وفي 6 فبراير/شباط استعرض وزير المالية المتطرف مع قادة المستوطنات الإسرائيلية في مقر وزارة الأمن القومي في تل أبيب خطته المزعومة لشرعنة البؤر الاستيطانية التي أقيمت في السابق بشكل فردي من مستوطني عصابات “فتية التلال” على أراضي فلسطينية خاصة بعد تهجير سكانها دون مصادقة من دولة الاحتلال، وتشمل الخطة تأسيس “مديرية الاستيطان” التي ستحلّ خلال عامين محل “الإدارة المدنية”، الذراع التنفيذية للاحتلال.

وفي الأول من الشهر ذاته وقع سموتريتش على قرار بخصم 100 مليون شيقل من أموال عائدات الضرائب الفلسطينية، أي ما يعادل الرواتب التي تحوِّلها السلطة إلى الأسرى الفلسطينيين، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عنه مبرراته لهذا القرار قائلًا: “أمس، ولأول مرة، وقّعت على موازنة مزدوجة لأموال الإرهاب التي تحولها السلطة الفلسطينية إلى عائلات الإرهابيين. لقد خصمنا 100 مليون شيقل و200 ألف شيكل أخرى ستذهب كتعويض لعائلات ضحايا (الإرهاب) تنفيذًا لقرار صادر عن محكمة إسرائيلية”، معتبرًا أن السلطة الفلسطينية “تموّل الإرهابيين، وإسرائيل ستفعل الكثير حتى لا يكون مواطنوها جزءًا من هذه المهزلة” على حد قوله.

نشأة متطرفة

يبدو أن بتسلئيل قد استقى عقيدته المتطرفة من نشأته العنصرية التي أثرت في تشكيل شخصيته بشكل كبير، فهو ابن للحاخام حاييم يروحام، الحاخام السابق لمدرسة كريات أربع الدينية وكانت واحدة من معاقل حركة كاخ الإرهابية، وقد ولد في مستوطنة بيت إيل، إحدى المستوطنات في الجولان السوري المحتل، عام 1980.

حرص والده على تعليمه تعليمًا دينيًا متطرفًا، حيث ألحقه بمدرسة مركاز هراف الدينية، في مستوطنة كدوميم وهي إحدى قلاع التشدد في “إسرائيل”، وتخرج فيها قادة اليمين الاستيطاني في دولة الاحتلال، وتعتبر مفرخة كبار ضباط الجيش ومخابراته وإعلامييه ممن يشار لهم بالبنان اليوم في شتى المناصب.

وبالتزامن مع دراسته في المدرسة الدينية العليا في كدوميم درس القانون في كلية أونو الأكاديمية، وتخرج بمرتبة الشرف، ثم تقدم للحضور على درجة الماجستير في القانون العام والقانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس، لكنه لم يكملها.

كان سموتريتش من قادة حركة التمرد على خطة الحكومة الإسرائيلية بإخلاء مستوطنات قطاع غزة ضمن التفاهمات السياسية مع الجانب الفلسطيني، ما أدى إلى اعتقاله في أغسطس/آب 2005 بعد أن عثر على 700 لتر من الوقود داخل منزله بغية استخدامها في أعمال تفجير وتخريب في القطاع.

وبحسب القناة الـ12 الإسرائيلية فإن المنزل الذي يقيم فيه زعيم حزب “الصهيوينة الدينية” في مستوطنة “كدوميم” المقامة شرق قلقيلية، في أصله أرض فلسطينية حصل عليها خلال إحدى علميات الاستيطان التي أشرف عليها مع هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي.

وصل سموتريتش للكنيست خلال انتخابات 2015 كما يحتل منصب مدير مدير “جمعية رغافيم” اليمينية المتطرفة العنصرية، وهي الجمعية التي ترفع شعار ملاحقة الفلسطينيين في مناطق 48 و67، وتطالب بطردهم من أراضيهم وتهجيرهم وهدمها وإعادة بنائها للمستوطنين مرة أخرى، ويبرز نشاط هذه الحركة العنصرية على الأخص في منطقتي النقب والمثلث.

وقد أثار تعيين الوزير المتطرف في حكومة نتنياهو الكثير من الجدل، فصدرت عدة تحذيرات من مسؤولين إسرائيليين سابقين في الداخل وبعض الحكومات المتحالفة مع دولة الاحتلال في الخارج، وذلك تخوفًا مما يحمله من أيديدولوجية متطرفة قد تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، إذ وصف رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، تعيينه وزيرًا للمالية بأنه مقامرة.

فيما اعتبر الجنرال عاموس غلعاد الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب أن هذا التعيين سيحدث كارثة خطيرة “فالتعاون مع السلطة الفلسطينية ضروري للأمن، وإلا فإننا سنواجه جمهورًا فلسطينيًا كاملًا، وإذا جاء سموتريش، وحرّض على السلطة الفلسطينية، فإن المستوطنين سيقومون بأعمال شغب”.

أما رئيس جهاز الأمن العام – الشاباك السابق، يوفال ديسكين، فوصف سموتريتش بأنه “زعيم حزب عنصري، ويخترع نظريات مؤامرة كاذبة، وأي تعيين له يعني الدخول في نفق مظلم وخطير، يحظر على إسرائيل التدهور فيه”، وفق مقال له نشرته القناة 12 الإسرائيلية.

ورغم خلفيته المتطرفة المعروفة، فإن تصريحاته بحرق حوارة وإبادتها بأكملها أثارت حفيظة المعارضة الإسرائيلية – حتى لو كانت من قبيل التوظيف السياسي لها – فها هو زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد، يعلق في تغريدة على تويتر قائلًا: “دعوة الوزير سموتريتش إلى محو حوارة تحريض على جريمة حرب”، مضيفًا “لقد خرجت هذه الحكومة عن مسارها”، كما اعتبر وزير الجيش الإسرائيلي السابق بيني غانتس، الوزير الحاليّ بأنه داعم لعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، محذرًا من أنه “يريد نكبة أخرى”.

اللافت هنا أنه في الوقت الذي تتصاعد فيه الانتقادات بشأن تلك التصريحات وما تحمله من مخاطر ودلالات كارثية تهدد الأمن القومي الإسرائيلي قبل الفلسطيني، فإن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لم يعلق عليها بالرفض أو القبول، وهو إن لم يعكس موافقة على ما تضمنته تلك التصريحات فإنه لم يرفضها بالكلية، بما يتناغم مع التوجه العام لتلك الحكومة التي ربما تكون الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال.

(نون بوست)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى