قضايا وتحليلات

 فرض رسوم ومقابل خدمات الجهات الحكومية … بين الواقع والمأمول

د. محمد فتحي حصّان

يتضمن قانون الاستثمار بشكل قاطع الضمانات التي تقدمها الدولة لأية استثمارات تقام على أراضيها ، بما يكفل حماية المال المستثمر من أي اعتداء عن طريق تأميم الشركات والمنشآت، أو الاستيلاء أو التحفظ على أموالها، أو تجميدها، أو مصادرتها، أو فرض الحراسة عليها ، كما ينص القانون على العديد من الضمانات الأخرى كتمتع جميع الاستثمارات بالمعاملة العادلة والمنصفة، ومعاملة الدولة للمستثمر الأجنبي معاملة مماثلة للمستثمر الوطني، وعدم خضوع الأموال المستثمرة لأي إجراءات تعسفية أو قرارات تتسم بالتمييز ، والتزام الدولة باحترام وإنفاذ العقود التي تبرمها ، وأن تكون جميع القرارات المتعلقة بشئون المشروع الاستثماري مسببة، ويخطر ذوو الشأن بها، وعدم جواز إلغاء التراخيص الصادرة للمشروع الاستثماري أو وقفها أو سحب العقارات التي تم تخصيصها للمشروع إلا بعد إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه، وسماع وجهة نظره، وإعطائه مهلة مناسبة لإزالة أسباب المخالفة ، وإتاحة جميع عمليات التحويل النقدي المتصل بالاستثمار الأجنبي بحرية وبدون إبطاء إلى أراضيها وخارجها، بعملة قابلة للتحويل الحر ، كما تسمح الدولة بتحويل العملة المحلية إلى عملة قابلة للاستخدام بحرية دون تأخير…الخ .

 ومن تلك الضمانات أيضا ضمانة هامة خاصة بإلزام الجهات الحكومية بعدم فرض رسوم أو مقابل خدمات على المشروعات الاستثمارية أو تعديلها، إلا بعد أخذ الموافقات اللازمة.

 فنجد مثلا قانون الاستثمار الحالي رقم ٧٢ لسنة ٢٠١٧ قد تضمن بابا خاصا هو (الباب الثاني) بعنوان ضمانات الاستثمار وحوافزه وقد تضمن (الفصل الأول) من هذا الباب ضمانات الاستثمار ومنها ما ورد في المادة رقم (٤) ” … ولا يجوز لأي جهة إدارية إصدار قرارات إدارية إصدار قرارات تنظيمية عامة تضيف أعباء مالية أو إجرائية، تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات تخضع لأحكام هذا القانون أو فرض رسوم أو مقابل خدمات عليها أو تعديلها، إلا بعد أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة وموافقة كل من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار “.

  ولم يكن قانون الاستثمار الحالي مستحدثا لهذه الضمانة بل سبقه في ذلك قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم ٨ لسنة ١٩٩٧ بموجب التعديل الذي تم عليه بالقانون رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٤ بإضافة باب رابع إليه خاص بتيسير إجراءات الاستثمار، وقد نصت المادة رقم (٤٩) منه على أنه ” لا يجوز إصدار قرارات متعلقة بتنظيم إنشاء وتشغيل المشروعات ولا يجوز فرض رسوم ومقابل خدمات عليها أو تعديلها إلا بعد أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة وموافقة مجلس الوزراء “.

ولعلنا نلاحظ أن قانون الاستثمار الحالي كان أشد حرصا وتشددا في هذه الضمانه مقارنة بقانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 حيث اشترط أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة وموافقة كل من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار، فيما اشترط قانون 8 لسنة 1997 أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة وموافقة مجلس الوزراء .

ولعل أهمية تلك الضمانة تأتي لمواجهة شكاوى المستثمرين التي تتعلق بفرض رسوم جديدة وفجائية من بعض الجهات الحكومية التي يتعامل معها المستثمر بصورة منفردة وبدون ضوابط أو سند من القانون بما يمثل عبء إضافي على المشروعات الاستثمارية، ولكبح جماح تلك الجهات المتزايد في فرض رسوم جديدة.

واقع الالتزام بعدم فرض رسوم أو مقابل خدمات على المشروعات الاستثمارية أو تعديلها، إلا بعد أخذ الموافقات اللازمة:

  رغم وضوح النص  القانوني والزامه للجهات الإدارية، الا إنه على أرض الواقع نجد الكثير من الممارسات بالمخالفة لذلك، ولعل ما يؤكد ذلك صدور كتاب دوري  بتاريخ 5 يناير 2023 من مجلس الوزراء لجميع الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيات العامة والأجهزة المستقلة والشركات القائمة على إدارة المرافق العامة متضمناً الإشارة إلى قرار مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 29 ديسمبر 2022 بحظر فرض أي رسوم أو مقابل خدمة جديدة تحت أي مسمى أو إجراء زيادة في قيم الرسوم أو مقابل الخدمات القائمة إلا بعد العرض على الدكتور رئيس مجلس الوزراء والحصول على موافقته في هذا الشأن.

أمثلة على عدم الالتزام بعدم فرض رسوم أو مقابل خدمات على المشروعات الاستثمارية أو تعديلها، إلا بعد أخذ الموافقات اللازمة:

بمطالعة بسيطة لأعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية ودونما أي عناء في البحث يمكننا اثبات عشرات الحالات من جميع الجهات الحكومية لعدم الالتزام بعدم فرض رسوم أو مقابل خدمات على المشروعات الاستثمارية أو تعديلها إلا بعد أخذ الموافقات اللازمة، وانما تم الاكتفاء بالعرض على المستشار القانوني للجهة الحكومية أو مجلس إدارتها أو إدارة الشئون المالية، وذلك بالأمثلة التالية:

قرار وزير التربية والتعليم رقم ٦٠ لسنة ٢٠١٠ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ ٢٣ فبراير ٢٠١٠ بشأن تحصيل رسوم مقابل الترخيص بفتح مدرسة دولية أو التوسع فيها أو تجديد الترخيص.

قرار وزير الطيران المدني رقم ٦٢ لسنة ٢٠١٦ الصادر في ٢٠ يناير ٢٠١٦ بشأن تحصيل رسوم على تراخيص المطارات الخاصة، والمتضمن الإشارة الى على كتاب السيد المستشار القانوني رقم ٧ بتاريخ ٤ يناير ٢٠١٦.

قرار وزارة الطيران المدني رقم ٦١ لسنة ٢٠١٦ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ 4 فبراير ٢٠١٦ بشأن زيادة الحد الأقصى للرسوم المنصوص عليها في القانون رقم ٩٣ لسنة ٢٠٠٣ والخاص برسوم ومقابل خدمات الطيران المدني بنسبة (٥٠%) منه والمتضمن الإشارة الى كتاب السيد المستشار القانوني لوزير الطيران المدني رقم ٧ بتاريخ ٤/ ١/ ٢٠١٦.

قرار وزير النقل رقم ٦٠٤ لسنة ٢٠١٦ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ ١٩ يونيو ٢٠١٦ بشأن زيادة نسبة التحصيل لمقابل الدراسة الفنية ومراجعة الرسومات والإشراف على تنفيذ وإصدار التراخيص للمشروعات والمنشآت التي تقام بميناء دمياط.

قرار رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية رقم 192 بتاريخ 30 أبريل 2018، والذي جاء في مادته الأولى “يحصل من المستثمرين مقابل الخدمات التي تقدمها الهيئة لهم بقطاع التراخيص والخدمات الصناعية …، على أن يضاف إلى المبالغ المحددة ضريبة القيمة المضافة وتتم زيادة مقابل الخدمات “التكلفة المعيارية” سنويا بحسب نسبة التضخم السنوية المعلنة من البنك المركزي”، والمتضمن الإشارة الى موافقة مجلس إدارة الهيئة بالجلسة رقم 31 بالتمرير.

قرار وزير الثقافة رقم ٩٠٠ لسنة ٢٠١٩ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ 2 يناير ٢٠٢٠ بشأن إعادة تحديد الرسوم المحصلة نظير عدد من المصنفات السينمائية والتليفزيونية، المتضمن الإشارة الى موافقة وزارة المالية.

قرار محافظ الجيزة رقم ٢٢٠١ لسنة ٢٠٢١ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ ١٣ ديسمبر ٢٠٢١ بشأن زيادة مقابل أداء الخدمة الوارد بقرار المحافظة رقم ١٨٤٣ لسنة ٢٠١٠ بشأن الضوابط الخاصة بتحديد الرسوم المستحقة على إصدار تراخيص المصاعد والغلايات والمولدات، والمتضمن الإشارة الى موافقة المجلس التنفيذي بالمحافظة بجلسته المؤرخة 14يوليو2021.

قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢١٢ لسنة ٢٠٢١ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ    ١٤ ديسمبر ٢٠٢١ بشأن تحصيل بعض المبالغ مقابل خدمة التجديد العادي لقيد شركات الأشخاص من أي مكتب تجارى على مستوى الجمهورية دون التقيد بالموقع الجغرافي لأصل القيد شاملة الرسم المنصوص عليه في قانون السجل التجاري رقم ٣٤ لسنة ١٩٧٦ ولائحته التنفيذية، وما نص عليه القرار الوزاري رقم ١٨٧ لسنة ٢٠٢١، والمتضمن الإشارة إلى المذكرة المعروضة من رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية بتاريخ 6 أغسطس 2021.

قرار رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء رقم ١٥ لسنة ٢٠٢2 الصادر بتاريخ 8 فبراير 2022 بشأن تحصيل رسوم مقابل خدمات لتسجيل وفحص المجازر سنوياً طبقا لنوع المجزر، والمتضمن موافقة مجلس إدارة الهيئة بجلسته المنعقدة بتاريخ 24 فبراير 2021.

قرار رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٢ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٢ بشأن تحصيل رسوم فحص المنشآت الغذائية التي ينطبق عليها تعريف المحال العامة الواردة بالقانون ١٥٤ لسنة ٢٠١٩ ورسوم حصول هذه المنشآت على ترخيص تداول الغذاء من الهيئة، والمتضمن موافقة مجلس إدارة الهيئة بجلسته المنعقدة بتاريخ 28 يونيو 2022.

قرار محافظ أسوان رقم ٢٣٣ لسنة ٢٠٢٢ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ ٣١ أكتوبر ٢٠٢٢ بشأن فرض الرسوم المحلية المُقررة لكل وعاء طبقا للجدول المرفق لهذا القرار بما فيه المسعرة جبريا، وتورد الحصيلة لحساب الخدمات والتنمية المحلية بالمحافظة بديوان عام المحافظة على أن تخصص لتنفيذ المشروعات بالقرى والمدن بدائرة المحافظة، والمتضمن الإشارة إلى مذكرة إدارة الشئون المالية بالمحافظة.

قرار وزير الطيران المدني رقم ١١٦ لسنة ٢٠٢٣ المنشور بالوقائع المصرية بتاريخ ٢٢ فبراير ٢٠٢٣ بشأن تحصيل مقابل الانتفاع بالأجهزة والخدمات السلكية واللاسلكية بالشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية، والمتضمن موافقة المجلس الأعلى لتسعير خدمات الطيران المدني بتاريخ 26/12/2022.

   وفي النهاية فان الآمال معقودة على قرار مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 29 ديسمبر 2022 في تفعيل النص القانوني وكبح جماح الجهات الحكومية في فرض رسوم جديدة وذلك بحظر فرض أي رسوم أو مقابل خدمة جديدة تحت أي مسمى أو إجراء زيادة في قيم الرسوم أو مقابل الخدمات القائمة إلا بعد إلا بعد أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار وموافقة كل من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى