دراسات

الأحزاب الدينية في مصر.. من التوهج إلى الاختفاء


د محمد فتحي حصًان

كان من أهم التغيرات التي تحققت للحياة الحزبية في مصر بعد ثورة ٢٥ يناير 2011 هو رفع الحظر المفروض حركات الإسلام السياسي، فمنذ أن عرفت مصر الأحزاب السياسية بمعناها الحديث في مطلع القرن العشرين لم يحدث مثل هذا الحراك الحزبي الذي شهدته مصر بعد الثورة، والذي تصدر المشهد السياسي فيه الحركات والجماعات الإسلامية التي أسست أحزاباً سياسية تمارس العمل السياسي وفق مرجعية إسلامية، كان أولها حزب الوسط الذي صدر حكم المحكمة بتأسيسه في 18/2/2011.

  وقد خاض أحزاب التيار الإسلامي الخمسة: الحرية والعدالة، والنور، والبناء والتنمية، والوسط، والأصالة، انتخابات مجلس الشعب عام 2012، وحازت معا على أغلبية تفوق ثلثي أعضاء المجلس، بإجمالي 357 مقعدا من إجمالي مقاعد المجلس، كما تولى مرشحها رئاسة الجمهورية بعد انتخابات الرئاسة عام 2012. 

   ولكن رغم ذلك فقد أدت تجربة مشاركة الجماعات الدينية والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الحكم بعد ثورة 25 يناير 2011، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، والدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور، لإعادة صياغة مادة في الدستور الذي تم إقراره عام 2014 حظرت قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني حيث نصت المادة (74) من هذا الدستور على أن ” للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري “.

فما هو السند التشريعي الذي سمح بتأسيس تلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعد ان كان ذلك محظوراً ؟، وما هي أهم الأحزاب الإسلامية التي تم تأسيسها؟ ، وماذا تبقي من تلك الأحزاب الآن بعد مرور 12 عاما على الموافقة على تأسيسها ؟ .

الإطار الدستوري والقانوني لتكوين الأحزاب:

 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 28 مارس 2011 المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، وكان من شروط تأسيس أو استمرار أي حزب سياسي عدم قيام الحزب في مبادئه أو برامجه أو في مباشرة نشاطه أو في اختيار قياداته وأعضائه على أساس ديني أو طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

 ثم أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس 2011 إعلانًا دستوريًا نص في المادة الرابعة على أن ” للمواطنين حق تكوين الجمعيات وإنشاء النقابات والاتحادات والأحزاب وذلك على الوجه المبين في القانون ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع، أو سريا، أو ذا طابع عسكري. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل” ، فخلافا لدستور 1971 الذي كان يحظر بالمادة رقم (5) قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية دينية، نجد أن هذا الإعلان الدستوري لم يحظر ذلك .    

ثم صدر دستور عام 2012 وفقًا لنتائج الاستفتاء الذي أجرى يومي 15 و22 من ديسمبر 2012 وقد نصت المادة رقم (6) منه على ” يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى والمواطنة التي تسوى بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، والتعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، والتوازن بينها، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحرياته؛ وذلك كله على النحو المبين في الدستور، ولا يجوز قيام حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدين“.

كما نصت المادة رقم (51( من الدستور على أن ” للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائي…” . 

ثم صدر الدستور المعدل عام 2014 وفقا لنتائج الاستفتاء على مشروع التعديلات الدستورية على دستور 2012 المعطل الذي أجرى يومي 14 و15 يناير 2014 ، وقد نص بالمادة رقم (5) منه على أنه ” يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية ” ، فيما نصت المادة رقم (74) على أن ” للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي أو ممارسة نشاط معادٍ للديمقراطية أو سري أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي”.  

فلم تكن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية موجودة قبل 25 يناير عام 2011 ، حيث كانت المادة رقم (5) من دستور1971 تنص على أنه لا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أي مرجعية أو أساس ديني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، بينما نصت المادة (6) من دستور 2012 على أنه لا يجوز قيام حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين، بسبب الجنس أو الأصل أو الدين، فبينما حظرت المادة الخامسة من دستور 1971 قيام أي أحزاب سياسية على أي أساس ديني أو مرجعية دينية ، فإن المادة السادسة من دستور 2012 قد حظرت قيام الأحزاب السياسية على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الدين ، ومن ثم فقد سمحت بحق كل جماعة حتى وإن كانت على مرجعية دينية أن تؤسس حزباً سياسياً بشرط ألا تمنع أصحاب الديانات الأخرى من الانضمام إليه.

ويوضح الجدول التالي أوجه الاختلاف بين الدساتير المصرية بشأن موقفها من شروط تكوين الأحزاب السياسية بالنظر لعلاقتها بالدين أو المرجعية الدينية: 

 دستور 1971دستور 2012الدستور المعدل سنة 2014
لا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أي مرجعية أو أساس ديني‏، ‏ أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل‏.لا يجوز قيام أي حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الدين.لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي.

أهم الأحزاب الإسلامية التي تم تأسيسها بعد الثورة:

   شهدت الحياة السياسية في مصر بعد ثورة ٢٥ يناير حالة ملحوظة من الحراك السياسي، وكان من أبرز مظاهر هذا الحراك ارتفاع عدد الأحزاب السياسية التي دخلت إلى المشهد السياسي بشكل قانوني، للمرة الأولى، وخلال تلك الفترة تم تأسيس العديد من الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية أهمها:

حزب الوسط:

   بدأت فكرة مشروع حزب الوسط نتيجة لتطورات فكرية وخبرات عملية لمجموعة انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين وشخصيات عامة، رأت أنه بات من الضروري تكوين تجربة حزبية سياسية مدنية تُترجم المشروع الحضاري العربي الإسلامي، وقد حاول المؤسسون رسم صورة واضحة عن المشروع من حيث استقلاله عن جماعة الإخوان المسلمين، وسعيه لأن يكون حزباً مدنياً ذا مرجعية إسلامية ومستقلاً، ويعبر عن شريحة واسعة من المواطنين المصريين بشكل أوسع من فكرة جماعة دينية دعوية.

   وفي عام 1996 تقدم مؤسسو حزب الوسط بطلب تأسيسه إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية والتي انتهت إلى رفض الطلب لعدم تقديمه أي جديد من الأفكار التي تثري الحياة السياسية، ثم تقدم وكيل المؤسسين بطلب جديد لتأسيس حزب الوسط وانتهت اللجنة أيضا الى رفضه فطعن أمام المحكمة الإدارية العليا والتي قضت برفض الطعن وأيدت قرار اللجنة.

   وفي 20 مايو 2009 تقدم وكيل مؤسسي الحزب بطلب آخر للجنة شئون الأحزاب لتأسيسه إلا أنها أصدرت قرارًا برفض تأسيسه في منتصف شهر أغسطس 2009، حيث تقدم وكيل المؤسسين بالطعن على قرار اللجنة أمام المحكمة الإدارية العليا، وفي 18/2/2011 صدر حكم المحكمة بتأسيس الحزب.

وفي 24 يناير 2018 أصدر الحزب بيانا بعد القبض على أمينه العام، واستمرار حبس قيادات آخرين من الحزب مثل نائب الرئيس عصام سلطان، والأمين العام المساعد حسام خلف وزوجته، وأخرين، وأعلن الحزب في بيانه أنه سيعقد اجتماعًا قريبًا لهيئته العليا للنظر في أمر تجميد نشاطه.

في 18 مايو 2011 تقدم محمد سعد الكتاتني بصفته وكيل مؤسسي الحزب، بأوراق تأسيس الحزب والبيان التأسيسي له إلى لجنة شئون الأحزاب، وفي 6 يونيو 2011، وافقت لجنة شئون الأحزاب على تأسيس الحزب؛ ليتمتع بالشخصية الاعتبارية، والحق في مباشرة نشاطه السياسي  .

  وفي 9 أغسطس2014 صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بحل حزب الحرية والعدالة وتصفية كافة ممتلكاته السائلة والمنقولة للدولة، لزوال شروط بقائه واستمراره، بناء على الطلب المقدم من لجنة شئون الأحزاب. 

حزب النور: 

 وافقت لجنة شئون الأحزاب على تأسيس حزب النور في 12 يونيو2011 وكان وكيل المؤسسين عماد عبدالغفور، وفي 29 ديسمبر 2012 قدَّم عماد عبدالغفور استقالته من الحزب بعد خلافات داخلية وأعلن تأسيس حزب الوطن.

حزب البناء والتنمية: 

في 20 يونيو 2011 أعلنت الجماعة الإسلامية عن إطلاقها للحزب ليعبر عنها وعن أهدافها وليجمع أعضاءها، واعتبرت ذلك خطوة تاريخية تكسبها الشرعية القانونية، وحضر المؤتمر التأسيسي لإعلان الحزب كل من عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة، وأسامة حافظ نائب رئيس مجلس الشورى، وطارق الزمر، وصفوت عبد الغني، وعاصم عبد الماجد، وصلاح هاشم أعضاء مجلس الشورى.

وأصدرت لجنة شئون الأحزاب السياسية قرارًا بالاعتراض على تأسيس الحزب، وأحالت القرار للدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا أحزاب، وكانت أسباب الاعتراض ما تبين من برنامج الحزب أنه يقوم في مجمله على أساس ديني بحت بالمخالفة لنص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنه 1977 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011، كما أشارت اللجنة إلى أن عددًا من وكلاء الحزب المؤسسين، صادرة ضدهم أحكام بالسجن، وممنوعون من ممارسة حقوقهم السياسية. وبجلسة 10 أكتوبر2011 وافقت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة على تأسيس الحزب.

وفي 24 يونيو 2017 قررت لجنة شئون الأحزاب السياسية إحالة أوراق حزب البناء والتنمية إلى المحكمة الإدارية العليا لتحديد جلسة لحله، لمخالفة الحزب البنود الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة من المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011. وفي 30 مايو 2020 صدر حكم المحكمة الإدارية العليا – دائرة الأحزاب السياسية بحل الحزب وتصفية أمواله وأيلولتها إلى الخزانة العامة للدولة.

   وفي النهاية نصل إلى الإجابة عن التساؤل الرئيسي : ماذا تبقي من الأحزاب الاسلامية الآن بعد مرور 12 عاما على الموافقة على تأسيسها ؟ ، بأنه لم يبق فعليا في الساحة السياسية المصرية حالياً سوى حزب النور ، الذي يشهد حالة مستمرة من التراجع والاخفاق وقد ظهر ذلك في انتخابات مجلس النواب عام 2015، حيث فاز بـ 11 مقعدا فقط ، وفي انتخابات 2020 حيث فاز بـ 7 مقاعد فقط متراجعا عما حققه في انتخابات عام 2012 والتي فاز فيها التحالف الانتخابي الذي قاده الحزب بنسبة 24% من المقاعد، بإجمالي 123 مقعدًا، بينهم 107 مقعد لحزب النور وحده، كما لم يستطع الحزب الحصول على أي مقاعد في مجلس الشيوخ بعد سقوط مرشحيه في انتخابات 2020. ولكن رغم هذا التراجع والاخفاق تظهر دعاوى لحل الحزب من حين لآخر باعتباره حزب تم تكوينه على أساس ديني، فالحزب اما عاجلا أو آجلا سوف يصدر قرار بحله ليكتب نهاية لتجربة الأحزاب الإسلامية في مصر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى