نظام التوقيت الصيفي في مصر … تساؤلات تكرار الإلغاء والعودة!!
د. محمد فتحي حصّان
نشرت الجريدة الرسمية في 16 ابريل 2023 القانون رقم 24 لسنة 2023 في شأن تقرير نظام التوقيت الصيفي، ونص القانون في مادته الأولى على أنه اعتبارًا من الجمعة الأخيرة من شهر إبريل حتى نهاية يوم الخميس الأخير من شهر أكتوبر من كل عام ميلادي، تكون الساعة القانونية في جمهورية مصر العربية هي الساعة بحسب التوقيت المتبع مقدمة بمقدار ستين دقيقة.
فما هو نظام التوقيت الصيفي؟، وما هو تاريخ العمل به في مصر ؟، ولماذا ألغي قبل ذلك؟، وما هو الهدف من عودة العمل بهذا التوقيت؟، وما هي مبررات تلك العودة؟ .
التطور التشريعي للعمل بالتوقيت الصيفي:
التوقيت الصيفي: هو تغيير التوقيت الرسمي في البلاد لمدة عدة أشهر من كل عام، وذلك من خلال تقديم عقارب الساعة 60 دقيقة.
ويعود تاريخ العمل بالتوقيت الصيفي في مصـر إلى المرسوم بقانون رقم 113 لسنة 1945 الصادر في عهد الملك فاروق الأول ، ومن بعدها تم إقرار العديد من القوانين بشأن إقرار العمل بهذا النظام أو إيقافه أو إلغائه ، فعلى سبيل المثال صدر القانون رقم 87 لسنة 1946 بإلغاء المرسوم بقانون رقم 113 لسنة 1945 ، ثم صدر القانون رقم 51 لسنة 1982 في شأن تقرير نظام التوقيت الصيفي، وأعقبه القانون رقم 4 لسنة 1985 بإلغاء القانون بإلغاء القانون 54 لسنة 1982 ، ثم صدر القانون رقم 141 لسنة 1988 في شأن تقرير التوقيت الصيفي، ثم صدر المرسوم بقانون رقم 41 لسنة 2011 بإلغاء العمل بنظام التوقيت الصيفي، ثم صدر القرار بقانون رقم 35 لسنة 2014 في شأن تقرير نظام التوقيت الصيفي، ثم القانون رقم 24 لسنة 2015 في شأن وقف العمل بأحكام القرار بقانون رقم 35 لسنة ٢٠١٤ في شأن تنظيم التوقيت الصيفي، وأخيراً تم إلغاء العمل بنظام التوقيت الصيفي بإصـدار القانون رقم 62 لسـنة 2016، بشأن إلغاء القرار بقانون رقم 35 لسنة 2014، بشأن التوقيت الصيفي .
مبررات تقرير نظام التوقيت الصيفي :
دائما ما تدور مبررات تقرير العمل بالتوقيت الصيفي حول ترشيد استغلال الطاقة ، فبالرجوع على سبيل المثال للمذكرة الإيضاحية للقانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨٢ في شأن تقرير نظام للتوقيت الصيفي الجريدة الرسمية في ٥ يوليه سنة ١٩٨٢ – العدد ٢٦ “مكرر” نجد أنها قد تضمنت أنه من أجل ترشيد استغلال الطاقة في عصر تعمل فيه جميع الدول على توفيرها والاقتصاد في تشغيلها فقد أصبحت الحاجة ماسة إلى العودة بالنظام الذى كان متبعا اعتبارا من عام ١٩٥٧ حتى عام ١٩٧٠ وذلك بتعديل الساعة القانونية لجمهورية مصر العربية في فصل الصيف بحيث تكون هي الساعة بحسب التوقيت المتبع مقدمة بقدر ستين دقيقة اعتبارا من أول مايو حتى أخر سبتمبر من كل عام.
مبررات إلغاء نظام التوقيت الصيفي:
تدور مبررات الغاء العمل بنظام التوقيت الصيفي حول عدم وجود دراسات دقيقة عن اثر هذا التوقيت على توفير استهلاك الطاقة وأن هناك وسائل أخرى لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية ، فبالرجوع مثلا للمذكرة الإيضاحية للقانون رقم ٤ لسنة ١٩٨٥ بشأن إلغاء القانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨٢ في شأن تقرير نظام للتوقيت الصيفي نجد أن تلك المذكرة قد تضمنت أن المتتبع لمنشأ هذا القانون يجب أنه أول ما طبق في هذه المنطقة كان في صيف عام ١٩٤٠ عند بدء الحرب العالمية الثانية وذلك بقصد إظلام سائر أنحاء البلاد حفاظا على القوات البريطانية، ثم أُقلع عنه عند انتهاء الحرب العالمية، ثم أعيد العمل به اعتبارا من عام ١٩٥٧، ثم بدأت الدراسات تعد لإلغائه عام ١٩٧٥، ثم أرسل مشروع القانون من جديد لمجلس الشعب في دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثاني حتى عرض في جلستي ٢٤ و٢٥ مايو ١٩٨٢ وصدر في مادتين أولاهما “اعتبارا من أول مايو حتى آخر سبتمبر من كل عام تكون الساعة القانونية في جمهورية مصر العربية هي الساعة بحسب التوقيت المتبع بقدر ستين دقيقة ” ، والمادة الثانية “يستثنى من نظام التوقيت الصيفي المنصوص عليه في المادة الأولى شهر رمضان المعظم من كل عام” ، وبذلك يطبق ثلاثة أنظمة في التوقيتات خلال ثلاثين يوما بصورة لا توجد في دولة في العالم، من ذلك كله يتبين أنه نظام غير ثابت، أثبتت الحكومات المتعاقبة نفسها أنه غير ذي جدوى أو نفع بدليل أنه على اختلاف مناهجها ومشاريعها ألغته لأكثر من مرة، لقد عرفت العلة من إنشائه وهى خاصة بحماية القوات البريطانية عندما كانت محتلة مصر، ولكن لم يلمس الهدف من عودته .
كما تضمنت المذكرة الايضاحية أن الاعتقاد بأن هناك توفيرا في استخدام الكهرباء في المحلات العامة نتيجة التوقيت الصيفي قائم على غير أساس، فهذه الساعة التي سيعود فيها المواطنون إلى مساكنهم سيستهلكون أضعاف أضعاف ما يستهلك في هذا التوفير المتوقع حيث تفتح أجهزة الإذاعة الصوتية والمرئية قبل ميعاد تشغيلها المعتاد في المنازل كما أنه سيتم إضاءة المنازل في الصباح قبل شروق الشمس بساعة والبيوت مظلمة فيضاعف الاستهلاك.
كما أن هناك وسائل أخرى لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية عن طريق إطفاء الأنوار مبكرا في الصباح وبعد انصراف العمل والموظفين من الدواوين الحكومية ووحدات القطاع العام كما يمكن أيضا ترشيد الطاقة عن طريق إعداد دراسة حول إمكانية منح عمال وموظفي المصانع والشركات عطلة يومين في الأسبوع بدلا من يوم واحد مع إطالة فترة العمل في النهار تعويضا عن ذلك، ولقد طبق هذا النظام في بعض الشركات الناجحة مثل شركة النصر للسيارات وشركة الترانزستور، وغيرها وأتى هذا الأسلوب ثماره علاوة على استفادة المرور من هذه التجربة كما وأنه خفض ساعات الإرسال التليفزيوني ساعة يوفر فيه من الاستهلاك الكهربائي أكثر من المنشود في هذا القانون.
كما تضمنت المذكرة الايضاحية أنه بتطبيق هذا التوقيت نجد أن المحلات العامة والحرفيين تغلق والشمس لم تغرب بعد حيث إن هذه المحلات حرصا على عدم توقيع العقوبة عليها يغلق قبل الموعد المحدد بنص ساعة وبذلك يتضح أن هذا النظام ليس له أية جدوى أو نفع اقتصادي يعود على البلاد.
وعند الغاء العمل بالتوقيت الصيفي في عام 2016 كانت المبررات هي أن نسبة توفير الكهرباء التي لا تتجاوز ١٪ لا تستحق تكلفه تغيير جداول الطيران بين مصر والعالم مرتين سنويا، كما أن الوضع مختلف في مصر عن كافة دول العالم، حيث أن الدول الأوروبية يتفاوت فارق طول النهار فيها بين الصيف والشتاء لأكثر من ٦ ساعات نظرا لموقعها الجغرافي، وهو ما لا ينطبق على موقع مصر الجغرافي حيث لا يتجاوز فرق طول النهار صيفا وشتاء أكثر من ٣ ساعات. وأن التطبيق العملي للتوقيت الصيفي اثبت إرباك المواطنين، وتأثيره السلبي على الساعة البيولوجية، كما أنه يطيل ساعات النهار أكثر ويقصر ساعات الليل، والنتيجة إجهاد المواطنين لقلة ساعات النوم.
أهداف ومبررات الحكومة الحالية للعودة بالعمل بنظام التوقيت الصيفي:
كشف تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإدارة المحلية، ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب أن الهدف من مشروع القانون المقدم من الحكومة لعودة العمل بالتوقيت الصيفي هو ترشيد استغلال الطاقة في ظل الظروف والمتغيرات الاقتصادية التي تمر بها جميع دول العالم. وقد طالبت اللجنة المشتركة من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة إفادتها بالدراسات الفنية والعلمية التي تم الاعتماد عليها لعودة العمل بالتوقيت الصيفي ومبررات ذلك وبالفعل قدمت الوزارة تقريرا في هذا الشأن باجتماع اللجنة المنعقد في 29 مارس 2023 يفيد بأنه تم احتساب مقدار الوفر الناتج عن تطبيق التوقيت الصيفي بمبلغ 147،21 مليون جنيه.
كما تضمن تقرير اللجنة المشتركة الإشارة الى إفادة نائب رئيس الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية للعمليات والشبكات، أن العمل بالتوقيت الصيفي سيساهم في توفير مبلغ 25 مليون دولار استناداً إلى الدراسة المقدمة من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، وذلك من خلال توفير وحدات الغاز المستخدمة في إنتاج الكهرباء، وبوجه عام فإن توفير 1% من استهلاك الكهرباء سيؤدي الى توفير مبلغ 150 مليون دولار في العام.
كما أفاد أمين عام المركز القومي لبحوث الإسكان التابع لوزرة الإسكان بأن العمل بنظام التوقيت الصيفي يحتم علينا استغلال ساعة من النهار مبكرة تكون درجات الحرارة فيها منخفضة، وبالتبعية سوف ينعكس بالأثر الايجابي من خلال عدم تشغيل المبردات والتكييفات بالسيارات والمباني الإدارية والسكنية، وهذا الأمر يصعب احتسابه بالكم ووحدات القياس المتعارف عليها، ولكن أثره الإيجابي يظهر عند التطبيق الخاص بالتوقيت الصيفي.
كما أفاد ممثل المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بوزارة التعليم العالي على أنه في حالة العمل بنظام التوقيت الصيفي سيتم توفير ساعة بالنهار، وتساهم في تبكير ساعات العمل ساعة، وإذا تم استغلالها بالصورة المناسبة سوف تعود بالنفع العام على الدولة، فضلا عن الفائدة المادية جراء ترشيد استهلاك الكهرباء في تشغيل التكييفات.
وفي النهاية وبعد عودة العمل بنظام التوقيت الصيفي، فإن تساؤلات كثيرة تدور حول إمكانية الغاء العمل بهذا التوقيت في المستقبل في ضوء خبرات الماضي التي استقرت على أن كل إقرار لهذا التوقيت يتبعه قرار بالإيقاف أو الإلغاء .