قضايا وتحليلات

 أزمة منظومة الفاتورة الالكترونية في مصر… صراع المصلحة والنقابة

د. محمد فتحي حصّان

  بدأت منظومة الفاتورة الإلكترونية في فبراير ٢٠٢٠ بصدور قانون الاجراءات الضريبة الموحد، ثم بدأت مصلحة الضرائب في وضع استراتيجية طويلة الأجل لتطبيقها على المجتمع الضريبي على عدة مراحل، بداية من تطبيقها على مركز كبار الممولين من خلال ٣ مراحل وصولا إلى تطبيقها على مختلف محافظات الجمهورية حتى المرحلة الثامنة والتي تضمنت أربعة مراحل فرعية والتي بانتهائها سيتم اكتمال إلزام جميع ممولي مصلحة الضرائب المصرية بمنظومة الفاتورة الإلكترونية.

ورغم انضمام قطاع واسع من كبار الممولين والشركات، فقد قوبلت منظومة الفاتورة الإلكترونية بالرفض من قبل أصحاب المهن الحرة مثل الأطباء والمحامين والفنانين وغيرهم، وسنلقي الضوء في هذا العرض على الموقف الأشد رفضا من قبل أصحاب المهن لتلك المنظومة وهو موقف نقابة المحامين.    

فما هي منظومة الفاتورة الالكترونية؟، وما هي مبررات مصلحة الضرائب لتمريرها على المحامين، وما هو موقف نقابة المحامين من تلك المنظومة؟ وما هي الإجراءات التي قامت بها النقابة في هذا الشأن؟، وهل كان هناك محاولات لتقريب وجهات النظر؟ .

الفاتورة الإلكترونية:

الفاتورة الرقمية (الإلكترونية) هي بديل الفاتورة الورقية لتسجيل كافة المعاملات، سواء كانت سلعا أو خدمات بين الشركات أو بين الشركات والأفراد، ولها شكل موحد وخصائص محددة، ويتم التوقيع عليها إلكترونيا وإرسالها واستلامها من خلال المنظومة الإلكترونية لمصلحة الضرائب.

موقف مصلحة الضرائب من تطبيق الفاتورة الالكترونية على المحامين:

أعلنت مصلحة الضرائب أن منظومة الفاتورة الإلكترونية لا يوجد بها أي استثناءات في تطبيقها، وانه سيتم تطبيقها على الجميع بمن فيهم المحامين، وتعد مسألة الانضمام إلى منظومة الفاتورة الإلكترونية إلزامية وليست اختيارية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم (206) لسنة 2020، ويترتب على عدم الانضمام إليها تطبيق أحكام القانون وعقوباته.

وقد ارجعت المصلحة أهمية الفاتورة الالكترونية للأسباب التالية:

أنها ستساعد في القضاء على الشركات الوهمية، وكذلك القضاء على المنافسة غير العادلة، هذا بالإضافة إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.

 أن منظومة الفاتورة الإلكترونية تمنع الأخطاء البشرية، وتضمن صحة كافة بيانات البائع والمشترى، وأن الفاتورة الإلكترونية تقلل من استيفاء الفواتير التي كانت عبئا كبيرا على الممول، وتقلل من زيارات مأموري الضرائب للممول.

أن تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية لن ينتج عنه زيادة في أسعار السلع أو الخدمات، وأن الانضمام للمنظومة لا يدفع عنه رسوم.

منظومة الفاتورة الإلكترونية ستؤدي الى القضاء على التقديرات الجزافية، وتسهيل إجراءات الفحص الضريبي، وتحقيق العدالة الضريبية، وضمان تحصيل حق الخزانة العامة للدولة.

تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية يأتي في إطار تطبيق رؤية الدولة للتحول الرقمي.

باستكمال منظومة الفاتورة الإلكترونية سترتفع إيرادات الضرائب إلى ضعفيها.

موقف نقابة المحامين:

أعلنت نقابة المحامين والنقابات الفرعية رفضها التسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية بإجماع الآراء بعد اجتماع عقده مجلسها في مقر النقابة بالقاهرة، وكان من أهم أسباب رفض المحامين مايلي:

أن ذلك القرار صدر دون النظر إلى طبيعة عمل المحامي وطبيعة المحاماة تلك المهنة التي تشارك القضاء في تحقيق العدالة وأي تقييد لها ولرجالاتها هو تقييد للعدالة وحق التقاضي المصان دستوريا، وأن تلك المنظومة تزيد من الأعباء المالية للمحامين على النحو الذي سيؤثر على سير العدالة، فبرغم انه لا يتطلب الانضمام إلى المنظومة سداد رسوم، فالتسجيل مجاني تماما، ولكن الاشتراك في بعض الخدمات يحتاج إلى دفع الرسوم مثل: الحصول على التوقيع الإلكتروني، ونظام التكويد الموحد، كما أن التزام المحامين بالمنظومة سيتطلب منهم تعيين موظفين لإصدار الإيصالات الإلكترونية وحصر النفقات وهذه أعباء إضافية على المحامين لا يمكنهم تحملها .

أن المحامين من أكثر الناس الذين تتم محاسبتهم ضريبيا على كل قضية يقومون برفعها في جميع مراحل التقاضي من محكمة أول درجة أو ثاني درجة أو استئناف أو في النقض، وفي كل مرة يقوم المحامي بتقديم صورة من البطاقة الضريبية ولا نستفيد من الدولة شيئا.

 مهنة المحاماة ليست عملا تجاريا أو إنتاجيا بل عمل ذهني وفكري، كما أن هناك الكثير من المصروفات لا يمكن إثباتها من أجل خصمها مثل المأكل والملبس والإكراميات والتنقل وغيرها.

وللتعبير عن رفض التسجيل بمنظومة الفاتورة الالكترونية قامت النقابة باتباع كل السبل، وقد تم اتخاذ الإجراءات التالية:

تنظيم وقفة بالنقابة العامة اعتراضًا على الفاتورة الإلكترونية في ٥ ديسمبر ٢٠٢٢.

إقامة عدد من الدعاوي أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، من نقيب المحامين وآخرون لوقف تنفيذ وإلغاء قرار مصلحة الضرائب بإلزامها بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، وقد تضمنت الدعاوى أن المحامين فوجئوا بتاريخ 10 نوفمبر 2022 بإثارة خضوعهم وفقا لتصريح رئيس مصلحة الضرائب لمنظومة الإيصال الإلكتروني والفاتورة الإلكترونية، في موعد أقصاه 15 ديسمبر 2022 ، وقد قضت محكمة القضاء الإداري بوقف 44 دعوى قضائية مقامة من المحامين لإلغاء قرار إلزامهم بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، لحين فصل المحكمة الدستورية العليا في دعوى معروضة عليها تخص ذات النزاع.

تشكيل لجنة قانونية تتولى الطعن، والحضور، ومتابعة ‏الطعون المرفوعة من المحامين والنقابة بشأن وقف تسجيل أعضائها بمنظومة الفاتورة ‏الإلكترونية، وضمت اللجنة في عضويتها من الخبراء كلاً من الدكتور ثروت عبد العال عميد ‏كلية الحقوق السابق وأستاذ القانون العام، وعصام الإسلامبولى المحامي بالنقض، وثروت الحرباوي المحامي بالنقض، وربيع الملوانى المحامي بالنقض. ‏

قامت بعض النقابات الفرعية بوقف التعامل مع خزائن المحاكم لمدة يوم واحد.

  وعقب نشر سامح عاشور، نقيب المحامين الأسبق، خطاب وزير المالية المرسل إليه ردًّا على الاقتراح الذي قدمه بشأن الفاتورة الإلكترونية. وقد تضمن المنشور أن وزير المالية قرر إرجاء إلزام الكيانات الفردية والمهنيين؛ ومن ضمنهم المحامون بالتسجيل على منظومة الفاتورة الإلكترونية إلى ٣٠ أبريل 2023، بهدف منحهم الفرصة لتوفيق أوضاعهم وزيادة الوعي فيما يخص التطبيق. وأنه اعتبارًا من ١ مايو، فإن المحامين ملزمون بالتسجيل في الفاتورة الإلكترونية والتي تعتمد على إثبات التعاملات التي تتم بين طرفَين مسجلَين في مصلحة الضرائب،

أصدرت نقابة المحامين بياناً انتقدت فيه موقف النقيب السابق واعتبرته خروجا على موقف جموع المحامين ونقابتهم الثابت والواضح بشأن رفض تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية على مهنة المحاماة لما يحول دون ذلك من عقبات واقعية وقانونية ودستورية، كما رأت هذه التصريحات والمكاتبات تعديًا صارخًا وتقويضًا متعمدًا لعمل اللجنة المشتركة المشكلة لهذا الغرض بين نقابة المحامين ومصلحة الضرائب، والثابت من قبل اتخاذ القرار بإرجاء أي تطبيق لمنظومة الفاتورة الالكترونية لحين انتهاء هذه اللجنة من أعمالها.

وأعاد مجلس نقابة المحامين التأكيد على موقف النقابة الملتحم مع موقف جموع المحامين والمحدد بوضوح في

أن المحامين غير ملزمين بالتسجيل في منظومة الفاتورة الالكترونية حتى تنتهي اللجنة المشكلة من أعمالها وطرح ما تراه من حلول بما يتفق مع صحيح القانون والدستور، ليس فقط لمشكلة الفاتورة الالكترونية ولكن لكافة المشكلات التي تعترض العلاقة بين المحامين ومصلحة الضرائب بما فيها منظومة الفاتورة الالكترونية.

محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين:

في محاولة للوصول إلى حل للأزمة تم عقد اجتماع مشترك بين عبدالحليم علام، نقيب المحامين، رئيس اتحاد المحامين العرب، والدكتور محمد معيط، وزير المالية، في 24 نوفمبر 2022، بحضور مختار توفيق، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، ورشا عبدالعال، معاون رئيس المصلحة، ومجدي سخي، ويحيى التوني، وكيلا النقابة، ومحمود الداخلي، وأبو بكر الضوة، أمينا عام النقابة ، وانتهى الاجتماع الى تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارة، ممثلة في مصلحة الضرائب ونقابة المحامين، لدراسة المشكلة والوصول إلى حلول تأخذ في الاعتبار ما عرضته نقابة المحامين من رؤية ووجهات نظر، على أن تمنح مهلة حتى تنتهي اللجنة من أعمالها.

كما عقد نقيب المحامين اجتماعًا في 6 ابريل 2023، مع رئيس مصلحة الضرائب، بحضور عددٍ من أعضاء اللجنة المشتركة بين النقابة، ومصلحة الضرائب، وقد تناول الاجتماع مناقشة أزمة الفاتورة الإلكترونية، وأهم ما تم الاتفاق عليه بين مصلحة الضرائب، والنقابة من خلال اللجنة المشتركة المشكلة لهذا الغرض. كما تناول الاجتماع محاولة تقريب وجهات النظر، والوصول إلى حل بشأن بعض النقاط التي لا تزال محل خلاف بين الطرفين، في ظل تمسك النقابة بموقفها، وما تراه النقابة من حتمية التوصل إلى حلول تراعي الاختلاف الكامل من الوجهة القانونية والدستورية والواقعية لطبيعة رسالة المحاماة المرتبطة بحقي الدفاع والتقاضي، عن غيرها من المهن الحرة التي تخاطبها المصلحة في الفترة الأخيرة بشأن التسجيل.

ورغم إعلان وزير المالية عن مد فترة تسجيل الكيانات الفردية بمنظومة الفاتورة الإلكترونية من ١٥ ديسمبر ٢٠٢٢، إلى ٣٠ أبريل ٢٠٢٣ كمهلة أخيرة، فإن النقابة أعلنت انها غير ملزمة بهذا الموعد بذات القدر الذي لم تكن ملزمة بموعد ١٥ ديسمبر على السواء، وتظل المهلة الوحيدة هي حين تنتهي اللجنة المشتركة مع المالية من عملها، سواء كان ذلك قبل ٣٠ أبريل أو بعده.

وفي 13 أبريل 2023 أصدرت نقابة المحامين بيانًا تضمن أن اللجنة المشكلة من مصلحة الضرائب المصرية، ونقابة المحامين، انتهت فيما يتعلق بالفاتورة الإلكترونية، إلى أن جميع المحامين المتعاملين مع الأفراد غير مطالبين بالتسجيل في الفاتورة الإلكترونية، واشتمل البيان على أربعة بنود كالآتي:

أولاً: أن المحامين غير ملزمين بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية إلاًّ إذا كان المحامي يتعامل مع كيانات ملزمة بتقديم فاتورة إلكترونية فقط، بمعنى أن جميع المحامين المتعاملين مع الأفراد غير مطالبين بالتسجيل في الفاتورة الإلكترونية، ما عدا الذين يتعاملون مع الكيانات الملزمة بتقديم فاتورة إلكترونية فقط، مثل الشركات.

ثانيًا: ـ أما بالنسبة لمسمى أنشطة قانونية، فقد تم الاتفاق على إلغاء لفظ أنشطة قانونية من البطاقة الضريبية، وعودة العمل بلفظ (محامي حر).

ثالثًا: ـ إن اللجنة مستمرة في أداء عملها وتسعى جاهدة من أجل الوصول إلى سداد الضرائب المستحقة على المحامين بقيم مقطوعة نهائية لا تقبل إعادة الفحص مرة أخرى.

رابعًا: ـ إن الإعلان عن كافة التفصيلات المتعلقة بالفاتورة سوف يتم الإعلان عنها من اللجنة عقب إجازة عيد الفطر المبارك مباشرة، في ضوء ما انتهت إليه اللجنة مع وزير المالية.

وفي النهاية فانه يجب التأكيد أنه برغم أن أزمة الفاتورة الالكترونية بين مصلحة الضرائب ونقابة المحامين قد بينت مدى أهمية وجود النقابات المهنية، فإنها عكست في نفس الوقت الخلل الكبير في صنع السياسات العامة، فمن ناحية تم اختيار التوقيت الخاطئ لتطبيق منظومة الفاتورة الالكترونية في فترة تشهد ظروف اقتصادية صعبة لم تشهدها البلاد من قبل، ومن ناحية أخرى تجاهلت الجهة الحكومية ممثلة في مصلحة الضرائب الحوار مع النقابة لمعرفة موقفها وتحليل مصالحها وأهدافها قبل فرض الأمر وانما بدء التواصل والحوار بعد اتخاذ القرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى