أوراق سياساتدراسات

الإعلام الدبلوماسي.. الأدوار والوظائف (2)

عماد عنان *

رغم الدور المهم الذي يؤديه الإعلام الدبلوماسي في تدعيم سياسات الدول وشرحها وتقديم مواقفها وآرائها واتجاهاتها نحو كافة القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، إلى الحد الذي يقوم به في بعض الأوقات بديلاً لوزارة الخارجية؛ إذ إن هناك دولاً وكيانات بأكملها لا تُعرَف إلا بإعلامها الدبلوماسي دون تأثير واضح ومباشر للوزارات الرسمية المعنية بالتواصل مع الآخر وتقديم السياسة الخارجية لها حيال المواقف والقضايا الإقليمية والدولية.

نقول إنه بالرغم من هذا الدور الذي تعاظم في السنوات الأخيرة، إلا أن الإعلام الدبلوماسي لم يحظَ بالاهتمام الكافي من قِبَل الباحثين في مجال تحديده وشرح أبعاده، وتقديم خلفياته؛ حيث من النادر وجود مجالات أو فروع لدراسة هذا النوع من الإعلام سواء في الجامعات أو داخل أروقة الهيئات الدبلوماسية، الأمر الذي انعكس على اختلاف المنطلقات المنهجية على قلتها في تعريف الإعلام الدبلوماسي.

بدأت الإرهاصات الأولى لوضع تعريف علمي للإعلام الدبلوماسي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وكانت البداية مع “نيمو” الذي يعرف الاتصال السياسي والدبلوماسي على أنه: “الرموز والرسائل المتبادلة المتأثرة بالنظام السياسي أو المؤثرة فيه وتقوم المؤسسات الإعلامية بتقديمها لجمهورها([1]).

في حين يعرفه “سكدسون”على أنه “عملية نقل الرسالة يقصد بها التأثير على استخدام السلطة أو الترويج لها في المجتمع”([2]).

أما “ماكنير”، فيعرِّفه بأنه “اتصال هادف يتعلق بالسياسة”، ويشرح ماكنير هذا التعريف الموجز بقوله إنه يشتمل على:

– كل مستويات الاتصال التي يستخدمها الساسة أو المشتغِلون بالسياسة بُغية الوصول إلى غاية محددة وأهداف مقصودة.

– الاتصال الموجه إلى هؤلاء الساسة من غير المشتغلين بالسياسة، كالناخبين، وكتاب الأعمدة الصحفية وغيرهم.

– اتصال يتعلق مضمونه بأشخاص الساسة والمشتغلين بالسياسة وغيرهم ممن لا تنطبق عليهم هذه الصفة، ويعلق أيضًا بنشاطاتهم التي تتضمنها التقارير الإخبارية، والافتتاحيات وغيرها من وسائل مناقشة وسائل الإعلام للسياسة والسياسيين([3]).

علاوة على ذلك فقد تبنى بعض الباحثين العرب تعريفًا عامًّا للإعلام الدبلوماسي على أنه “كل ما يتناول معلومات أو آراء أو أنباء تتعلق بالسياسات الخارجية للدول أو تتعلق بمواقف هذه الدول إزاء قضايا أو مشاكل محددة بما يعبر عن سياسة أو اتجاه هذه الدول أو وجهة نظرها بما يتمشى مع مصالحها وسياسات الدول الأخرى في نفس الوقت”([4]).

فيما ذهب آخرون إلى أن الدبلوماسية الإعلامية هي: “كل المعلومات والأنباء والآراء المتعلقة بالسياسة الخارجية أو مواقف تلك الدول ووجهة نظرها إزاء القضايا والمشكلات الدولية بشكل يتوافق مع مصالحها([5]).

بينما يراها البعض “استخدم وسائل الاتصال في الاتصال بالممثلين الرسميين، وغير الرسميين لبناء أجواء من الثقة بين الأطراف المتنازعة، والتمهيد لعقد المفاوضات من خلال السعي إلى كسب أكبر قاعدة جماهيرية وتعزيز الجهود السلمية والتفاوضية عن طريق القيام بالعديد من الأنشطة الاتصالية المؤدية لتحقيق ذلك الغرض، كالمؤتمرات الصحفية، والنشرات، والاتصال المباشر بالإعلاميين، وإحاطتهم بأخر التطورات في المجال الدبلوماسي”([6]).

وظائف الإعلام الدبلوماسي([7])

هناك وظائف عامة يسعى الإعلام الدبلوماسي بشتى أنواعه، مكتوب ومسموع ومرئي، لتحقيقها أو على الأقل تحقيق الغالبية العظمى منها، وتتلخص هذه الوظائف في 6 محددات رئيسية:

1. القيام بتغطية الأحداث الدبلوماسية بشكل دقيق وصحيح وشامل بما يعطيها معناها الحقيقي.

2. تقديم الخلفيات والتفسيرات التي توضح الأحداث الدبلوماسية وتضعها في سياقها السليم.

3. طرح كافة الآراء حول القضايا الدبلوماسية وعدم الاكتفاء بما تراه السلطة أو أي فئة أخرى (سياسية أو اقتصادية أو غيرها) تسيطر على الصحيفة وعدم فرض آراء جاهزة على القراء، بل مساعدتهم من خلال الحوار والنقاش على أن تصبح لديهم القدرة على التمييز والاختيار بين النافع والضار.

4. حث الجماهير على المشاركة في إدارة مجتمعاتها وتزودها بإدراك كافي يمكنها من الإسهام في اتخاذ القرارات.

5. الإسهام في دعم ومؤازرة القضايا الدبلوماسية الشاملة للمجتمع وأغراضها في كافة المجالات.

6. توفير المعلومات؛ حيث تُعدُّ وسائل الاتصال أداة من أدوات خلق الرأي العام المساند أو المعارض لجهود التسوية السلمية، حيث تلعب وسائل الاتصال دورا بارزا في تشكيل الرأي العام حول أجندة التفاوض عبر الطرق الآتية:

– الطريقة الأولى: استخدام وسائل الاتصال كأداة من أدوات الضغط على الأطراف المتنازعة أو أحدهما عن طريق تسريب المعلومات لأحد الأطراف عن قرب التوصل للاتفاق النهائي، وقد تكون هذه الطريقة غير مرضية للطرف الأخر في عملية التفاوض.

– الطريقة الثانية: قيام أحد الأطراف في عملية التفاوض بنشر أخبار كاذبة تمثل إحراجا للطرف الآخر([8]).

الوظيفة الدبلوماسية لوسائل الاتصال الجماهيري:

وظيفة أخرى تقوم بها وسائل الاتصال الجماهيري تتصل بالإعلام الدبلوماسي أو الوظيفة الدبلوماسية للإعلام، تتمثل في إقناع الأطراف المتنازعة، دولاً كانت أو حكومات أو هيئات ذات اعتبارية، بالدخول في المفاوضات المباشرة، أو غير المباشرة لحل النزاع، من خلال القيام بالأدوار التالية:

وفي هذا الإطار، قد يتم استخدام وسائل الاتصال كأداة لفرض مواقف معينة ضد أحد الأطراف، وذلك من خلال دفع أحد الأطراف إلى تبني مواقف. أكثر مرونة أو تشددًا، وقد تقوم وسائل الاتصالالجماهيري بتجاهل بعض الوقائع المهمة في عملية التفاوض، وطرح أجندة جديدة. على طريق التفاوض.

نماذج استخدام وسائل الإعلام والاتصال في المجال الدبلوماسي:

تقوم وسائل الإعلام والاتصال المختلفة بأدوار متعددة في المجال الدبلوماسي على النحو التالي:

– أولاً: وسائل الاتصال ودبلوماسية الأبواب المفتوحة “Open Door Diplomacy“:

ويُقصَد بدبلوماسية الأبواب المفتوحة، ذلك النوع من التفاوض الذي يُعقَد تحت سمع وبصر وسائل الاتصال الجماهيري، ويحظى بحضور مكثف لممثلي وسائل الاتصال الجماهيري، ويتم تغطيتها ونقلها مباشرة إلى الرأي العام العالمي([9]).

وفي دبلوماسية الأبواب المفتوحة، يكون لدى الإعلام القدر الكافي من المعلومات المصحوبة بالصورة التي تجعله يدرك الأهداف الحقيقية من وراء إجراء ذلك التفاوض، بفضل ما تقدمه له وسائل الاتصال المختلفة من معلومات بشكل مستمر ومتجدد.

 ويقوم المفاوضون في دبلوماسية الأبواب المفتوحة بعقد المؤتمرات الصحفية المتواصلة، وتقديم المعلومات الجديدة لمراسلي وسائل الاتصال عندما يدور في قاعات التفاوض، إلا أن بعض المسؤولين لا يملكون كل الحقائق والمعلومات لممثلي تلك الأجهزة، بل يحتفظون ببعض منها لاستخدامها ككروت رابحة في الوقت المناسب([10]).

وكان الهدف الأساسي من اتباع المسئولين نهج الدبلوماسية المفتوحة في التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، هو تحقيق أكبر حشد ممكن من الرأي العام المؤيد للتفاوض والذي يحتاجه الدبلوماسيون في بناء مواقفهم، ويرون أن وسائل الاتصال الجماهيري هي وحدها الكفيلة بتحقيق ذلك التأييد.

يعد الصحافيون أكثر الناس ترحيبا بانتهاج دبلوماسية الأبواب المفتوحة، لأنها تمكنهم من الحصول على المعلومات اللازمة، وتتيح لهم فرص إجراء المقابلات مع مختلف الأطراف المتفاوضة.

بيد أن للرأي العام رأيًا خلاف ذلك، ففي أفضل الظروف التي تعقد فيها الدبلوماسية المفتوحة، إلا أن التغطيات الإخبارية تظل ناقصة وسطحية خاصة، تغطية (التلفزيون) فلم يكن بالشكل المطلوب([11]).

وفي هذا الإطار، فقد أثار هذا النوع من الدبلوماسية نقاشًا وجدالاً بين خبراء الإعلام والدبلوماسية في آن واحد؛ حيث انقسموا إلى فريقَيْن.

الأول، هو الفريق المؤيد الذي يرى أن المناقشات العلانية للقضايا خاصية الأمنية والاستراتيجية منها، يؤدي إلى اتخاذ قرارات سليمة، كما أن إطلاع الرأي العام بشكل دائم في الدبلوماسية المفتوحة على العملية التفاوضية يساعد الرأي العام على اقتراح البدائل والحلول المناسبة للمسئولين عن التفاوض إزاء العديد من القضايا الشائكة التي تتطلب حلوة جماعية

أما الفريق الثاني وهم المعارضون للدبلوماسية المفتوحة، فيرون أن مناقشة القضايا الأمنية والاستراتيجية بشكل علني، تتطلب من الجماهير المعرفة التامة بأسس العلاقات الدولية المعقدة، وهو الأمر الذي يفتقده المواطنون العاديون.

ومن نماذج دبلوماسية الأبواب المفتوحة: المفاوضات المفتوحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والمفاوضات بين المملكة المغربية وجبهة “البوليساريو” بشأن مستقبل الصحراء الغربية.

– ثانيًا: وسائل الاتصال ودبلوماسية الأبواب المغلقة “Close Door Diplomacy“:

دبلوماسية الأبواب المغلقة هي النافذة الأضيق بعد الدبلوماسية السرية تعاطيًا مع وسائل الإعلام؛ إذ يرى السياسيون والدبلوماسيون، أنها هي الخيار الأفضل بعد الدبلوماسية السرية.

ورغم أن هذا النوع من الدبلوماسية يعمل بعيدًا عن تغطيات وسائل الاتصال، غير أن السبب في ذلك لم يكن حجب المعلومات عن الرأي العام كما في الدبلوماسية السرية، فالمراسلون المُكلَّفون بتغطية الأنشطة الدبلوماسية، يعرفون من خلال دبلوماسية الأبواب المغلقة أن هنالك حدثًا سياسيًا خطيرًا سيحدث، وبالتالي يكونون معرضين لضغوط كثيرة من كافة الجهات، كرؤساء تحرير الأخبار بمؤسساتهم، والرأي العام الذين يريدون معرفة آخر التطورات في ظل عدم تملك المراسلين المعلومات الأساسية، وحرمانهم من دخول قاعات التفاوض لإجراء الحوارات مع المسؤولين في عملية التفاوض، كما أنه ليست هنالك مؤتمرات صحفية تعقد أثناء جولة التفاوض لتمليك الصحافيين المعلومات الجديدة([12]).

وبسبب ضآلة المعلومات الخارجة عن غرف دبلوماسية الأبواب المغلقة، فإن أنشطة التغطية الإعلامية لها تكون محدودة جدًّا، وتعترضها الكثير من الصعوبات في ظل عدم توفر الأخبار الساخنة (Hot News)، لذلك فهي قاصرة من الناحية المهنية، وأن الأخبار المتوفرة لدي الصحفيين والتي تنشر وتذاع عبر تلك الوسائل، في أغلبها اخبار فردية خاضعة للتكهنات والتخمينات الخاطئة أحيانًا.

ويرى الخبراء أن تلك الدبلوماسية تشكل أحد أبرز التحديات أمام الرأي العام الذي يظل يتابع المفاوضات بكثير من التفاؤل على أمل إحراز الطرفين اختراقات ونجاحات لهذه الجولة الأخيرة رغم عدم تمكنهم من معرفة الأهداف الحقيقية لعملية التفاوض.

– ثالثًا: وسائل الاتصال والدبلوماسية السرية “Secret diplomacy“:

الدبلوماسية السرية هي الجانب الآخر من دبلوماسية الأبواب المفتوحة، ففيها يتم التفاوض بشكل سري بعيدًا عن أعين الإعلام بشتى أنواعه، لأسباب تتعلق بالأمن القومي ومصالح الدولة الخارجية والداخلية على حد سواء.

ورغم تميز الدبلوماسية السرية عن غيرها من بقية أنواع الدبلوماسية بغيابها عن وسائل الاتصال، إلا أنه، وفي ظل شبكات البث المباشر وتكنولوجيا الاتصال المتطورة؛ بات يصعب على الدبلوماسيين عقد مفاوضات سرية بعيدًا عن عيون وسائل الاتصال([13]).

ويفضِّل الساسة والدبلوماسيون في معظم دوائرهم التفاوضية، انتهاج الدبلوماسية السرية بعيدًا عن أجهزة الاتصال خشية تسريب أحد طرفي النزاع بعض الأخبار والمعلومات التي قد تضر بالعملية التفاوضية، خاصة إن كانت الموضوعات والقضايا محل التفاوض من الأهمية والخطورة بمكان، والتي قد تتطلب لكثير من المساومات والتنازلات خلال المراحل المختلفة لعملية التفاوض وهو ما يجعلها في حاجة ماسةللكثير من تكتيكات التفاوض السرية.

فالدبلوماسيون المؤيدون لسرية المفاوضات، يرون أن الإعلان المبكر عن نتائج الجهود التفاوضية، قد يضر بعملية التفاوض نفسها، كما يعتقدون  أنهم يتعرضون باستمرار لضغوط الرأي العام، والذي ينصب اهتمامه حول معرفة نتائج المفاوضات، أكثر من اهتمامه بعملية التفاوض نفسها.

وعلى الجانب الآخر، الصحفيون يرون أن الدبلوماسية السرية هي دليل فشل مهني لهم، فالصحفي الناجح هو القادر على اختراق جدران الصمت ليكشف عما يدور في الكواليس، محققا بذلك ما أطلق عليه “السبق الصحفي”.

والكثير من الدبلوماسيين الذين انتهجوا السرية في عملية التفاوض، يتفقون على أن غالبية ما حققوه من نجاحات وتقدم في مساراتهم التفاوضية كان السبب الرئيسي فيها السرية التي غلقت عملية التفاوض وذلك بإبعاد أعين الإعلام عما يدور.

وفي ظل الملاحقة الإعلامية لمثل هذه الاجتماعات السرية، قد يلجًا المسئولون المعنيون والمفاوضون إلى الكذب أحيانًا لتوجيه الرأي العام بعيدًا عن حقيقة ما يدور في غرف المفاوضات المغلقة.

والتاريخ الدبلوماسي المعاصر مليئ بعشرات النماذج للدبلوماسية السرية التي تميزت بالتعتيم الإعلامي، منها الزيارات المتبادلة بين العرب والإسرائيليين عام 1993م، خاصة بين الإسرائيليين من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى، واستمرت تلك الجولات والمفاوضات عدة شهور نتج عنها تقدما ملحوظا في تحسين العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية([14]).

وهنا يقتصر المخزون المعرفي لوسائل الاتصال بشأن تلك المفاوضات على المعلومات السطحية عنها، كالأيام التي ستعقد فيها الاجتماعات، وأماكن انعقادها، وأبرز الوفود المشاركة فيها، ولحظة بدء العملية التفاوضية([15]).

– رابعًا: وسائل الاتصال والدبلوماسية الشعبية “People diplomacy“:

بعض الباحثين أرَّخ إلى أن نشأة  المصطلح العلمي”Public Diplomacy” أمريكي، كونه تزامن مع إنشاء مركز “Murro” للدبلوماسية الشعبية في جامعة”Tufts”الأمريكية عام 1965م، وذلك حينما استخدمه إدموند جاليونكمفهوم جديد، بقوله إن الدبلوماسية الشعبية مفهومٌ “يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية. وهو يشمل أبعادًا من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر، وكتابة التقارير والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكل الاتصال وظيفتهم الأساسية كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي”([16]).

لكن هذا الرأي فنده نيكولاس كولحين أظهر أن أول استخدام لمصطلح “الدبلوماسية الشعبية” لم يكن أمريكيًّا، بل بريطاني، ففي 15 يناير عام 1856م ورد ذكر “الدبلوماسية الشعبية” في مقال افتتاحيلصحيفة “التايمز” اللندنية الافتتاحية تنتقد فيها مواقف الرئيس فرانكلين بيرس، وكانت تتحدث عن القدوة الحسنة والصورة النمطية، والتعامل الجيد مع الشعوب.

كما جاء أول استخدام أمريكي لهذا المصطلح عبر ما نقلته صحيفة النيويورك تايمز في يناير 1871م عن تقرير للكونجرس عرضه صمويل كوكس المنتمي إلى الحزب الديمقراطي والصحفي السابق، تناول فيه المؤامرات السرية العدائية لجمهورية الدومينكان، وأنه مؤمن بأهمية استخدام الدبلوماسية الشعبية المفتوحة([17]).

ويعرف بول شارب المصطلح، على أنه يعني “العملية المباشرة التي يتم من خلالها التواصل مع الشعب في بلد ما بهدف إقناعه بتطوير الفوائد المشتركة، ونشر القيم المتمثلة بها”([18]).

وفي الأدبيات العربية؛ تعددت تعريفات الدبلوماسية الشعبية؛ حيث عرفها علي حسين الشامي على أنها هي “العمل الدبلوماسي القائم على الاتصال والتعامل مباشرة مع الشعوب والتنظيمات السياسية”([19]).

كما يعرفها عمر الحسن، على أنها “تلك النشاطات التي تتجه إلى مخاطبة الجماهير الشعبية بوسائل شعبية لإيجاد علاقات مباشرة بين الشعوب وكسب تأييدها. وقد ساعد على ظهور الدبلوماسية الشعبية التقدم العلمي والتكنولوجي في وسائل الاتصال المختلفة، حيث أنها أوجدت فرصًا جديدة للاتصال الجماهيري”([20]).

وخلال التسعينيات الميلادية الماضية، أصبح استعمال الدبلوماسية الشعبية شائعًا في دوائر السياسة الخارجية على المستوى الدولي.

ففي بريطانيا، على سبيل المثال، أنشأت حكومة توني بلير العمالية هيئة عُرِفَت باسم “مجلس استراتيجيات الدبلوماسية الشعبية”. وفي السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001م، شهدت الدبلوماسية الشعبية اهتمامًا متزايدًا في الولايات المتحدة، مما حدا بالباحثين الاعتبار بأنها دخلت “أخيرًا”، حيز الوعي العام الأمريكي.

وتُستَخدم الدبلوماسية الشعبية كوسيلة دعائية، لتنفيذ سياسات الدول الخارجية، كما أنها تعد ضمن أنشطة العلاقات العامة الدولية، بُغية إقناع الرأي العام الدولي ومحاولة إيجاد علاقات ثنائية مثمرة بين الدولة القائمة بنشاط الدبلوماسية الشعبية ومثيلاتها في المجتمع الدولي.

وتهدف الدبلوماسية الشعبية إلى الاتصال المباشر بالمواطنين الأجانب للتأثير على آرائهم من خلال استخدام الإذاعات والقنوات الفضائية والصحافة الدولية التشكيل الرأي العام.

وتتمثل الدبلوماسية الشعبية، في برامج التبادل الثقافي، والعلمي، وزيارات الطلاب، والباحثين، والعلماء، والمفكرين، والفنانين، للمشاركة في الاحتفالات والمعارض التي تقيمها الدول. كما تشمل الدبلوماسية الشعبية أنشطة المراكز الثقافية، وبرامج تدريس اللغات الأجنبية، وجمعيات الصداقة الشعبية العالمية.

– خامسًا: دبلوماسية الإعلام “Media diplomacy“:

يعد مصطلح دبلوماسية الإعلام الأكثر رواجًا في مجالات الأبحاث والدراسات التي تطرقت إلى دراسة الإعلام الدبلوماسي كونه يلخص من الناحية الشكلية على الأقل العلاقة بين الإعلام والدبلوماسية.

فهذا المصطلح ابتداءً يشير إلى التنسيق بين وسائل الإعلاموالممثلين أو المسئولين الرسميين وغير الرسميين، لبناء أجواء من الثقة والتمهيد لعقد المفاوضات، بالإضافة إلى محاولة كسب تأييد الرأي العام، بالموافقة على الاتفاقيات الموقعة بين الدول حول مختلف المجالات من خلال القيام بالعديد من الأنشطة الاتصالية كالمؤتمرات الصحفية، وإصدار النشرات، وتبادل الزيارات بين رؤساء الدول والتي في أغلبها تصاحبها تغطيات اتصالية مكثفة.

ولنجاح هذا النوع من الإعلام؛ لابد من شروط مسبقة لبناء أرضية مكتملة لتحقيق الأهداف المرجوة منه، كأن يكون هناك تعاون لصيق بين المسؤولين والإعلاميين، وفي بعض الأحيان يثمر ذلك التعاون في زيادة الدور السياسي لوسائل الاتصال والاستعانة بالمراسلين الدبلوماسيين، لمرافقة زيارات المسؤولين بوزارة الخارجية ورؤساء الدول عند سفرهم إلى كثير من المواقع لعقد التفاوض، ويكون لدى أولئك المراسلين المعرفة الكاملة بالقضايا المتفاوض حولها، بحكم قربهم من مراكز صانعي القرار السياسي.

ومن ذلك أيضًا، الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام على هامش جلسات التفاوض بين الأطراف المختلفة، في محاولة لتهيئة الأجواء وتعبيد الطريق أمام تحقيق النتائج المرجوة، كأن تقوم وسائل الاتصال الجماهيري بنشر ثقافة السلام، وتهيئة مواطني البلدين لحث مسؤولي البلدين لتنفيذ البرتوكولات الموقعة، وهو ما يعني تقبل نتائج العملية التفاوضية والتمهيد لها قبل الإعلان عنها رسميًّا.

– سادسًا: دبلوماسية الوسيط الاتصالي “Media – Broker“:

دبلوماسية الوسيط الإعلاني تعني تقمُّصالإعلاميين دور السياسيين في الوساطة بين الأطراف المتنازعة بُغْيَة إتباع الحوار والتفاوض خيارًا أساسيًّا لحل النزاع، نظرًا لما يتمتعون به من قدرات تفاوضية وما لديهم من مهارات اتصالية تسهل عملية التفاوض بصورة كبيرة.

وفي الغالب من يقوم بهذا الدور هو الإعلاميون المشهورون الذين تربطهم علاقات قوية بكبار المسؤولين السياسيين([21]).

غير أن اللجوء للإعلاميين للقيام بهذا الدور قد يُقابَل برفض من جانب بعض السياسيين، ممَّن يرون أنهم المعنيون بإجراء الاتصالات مع الأطراف المتنازعة، إلا أنه في المقابل لا يتم اختيار هذه الوسيلة إلا في حالات ضيقة حين يتأزم المسار التفاوضي ويحتاج إلى من يحرك المياه الراكدة من الإعلاميين ذوي العلاقة القوية بالمسئولين.

ومع ذلك تتضمن دبلوماسية الوسيط الاتصالي في حد ذاتها الكثير من التناقضات، ففي الوقت الذي يرفض فيه السياسيون مشاركة الإعلاميين في هذا النوع من الاتصال لايبدون أي اعتراض على مشاركة أطراف خارجية في عملية التفاوض، لضمان تحقيق السرية المطلوبة في عملية  التفاوض.

إلا أنه في الوقت ذاته هناك صحفيون يتمتعون بثقة المسؤولين رفيعي المستوى بالدولة، ويعرفون جيدًا كيفية المحافظة على سرية التفاوض من خلال خبراتهم السياسية والتفاوضية التي تعينهم على ذلك، ومناقشة القضايا بشكل متعمق لا تقل درجة عن الدبلوماسيين ذوي الكفاءة والخبرة المهنية.

دور الإعلام الدبلوماسي في معالجة القضايا والأحداث السياسية:

لم تقتصر الوظائف المنوطة بوسائل الإعلام عن تلك التي سبق ذكرها، إذ تقوم بوظائف أخرى تفصيلية منها القيام بوظيفة الشرح والتفسير والوظيفة التربوية ووظيفة الشورى([22]).

ويمكن لوسائل الإعلام من خلال نشرها لأخبار البيئة المحيطة بها وتفسير الأخبار وشرحها والتعليق عليها أن تحدث التأثير المنشود الرسائل – لمضامين – وسائل الإعلام ([23]).

وبحكم ارتباط وسائل الإعلام بواقع البيئة التي تستهدفها يمكن لها أن تقوم بوظائف أدوار وسائل الإعلام العامة لكن في إطار الحيز الذي تتوجه إليه عن طريق نشرها لكل ما يدور في المجتمع الذي تتوجه إليه، ويجب عليها في هذه الحالة أن تقوم بتقديم كل ما من شأنه أن يساعد على تغيير الممارسات الخاطئة لدى أفراد الجماهير([24]).

أما فيما يتعلق بالإعلام الدبلوماسي، فيمكن له أن يقوم بدور أكثر فعالية وأهمية مرتبط بعملية التوعية بالقضايا والأحداث السياسية المختلفة من خلال القيام بشرح وتبسيط وتسهيل مهمة المخطط، ومتابعة ما يفعله المنفذون للخطة وتحمل رغبات الناس إلى المختصين بالتخطيط والمنفذين للخطة، بما يحقق المشاركة الجماهيرية في النهاية([25]).

ويتوقف الدور الذي من الممكن أن يقوم به الإعلام الدبلوماسي في عملية التوعية السياسية على كيفية حسن استغلاله وتوظيفه بالشكل الملائم([26])، وذلك من خلال أربعة مستويات رئيسية:

– المستوى الأول: المستوى الإعلامي أو مستوى الإحاطة:

فوسائل الإعلام الدبلوماسي وفقًا لهذا المستوى؛ يمكن أن تقوم بلفت انتباه الجماهير عن طريق إحاطتهم بالموضوعات التي تتعلق بكافة القضايا السياسية وغير السياسية وإمدادهم بكافة الجوانب المختلفة القضايا بيئتهم ومدى ارتباط ذلك بخطط الدولة وتصوراتها.

كما تقوم بإبراز الإنجازات التي تمت، والمشروعات المخطط لتنفيذها وتركز اهتمام القراء على الحاجة إلى التغيير والهدف التي تدعو إليه([27])، من خلال قيامها بعمليات شرح وتفسير خلفيات الأحداث والموضوعات المحيطة بهم بهدف التوعية السياسية في النهاية([28]).

– المستوى الثاني: المستوى التعليمي أو مستوى الشرح والتفسير:

يقوم الإعلام الدبلوماسي بعرض الأنباء والأخبار المختلفة التي تقع في مجتمعها وتقوم بشرحها وتفسيرها والتعليق عليها، لتوضيح خلفياتها المختلفة لتقدم لجماهيرها كافة ما يحتاجون إليه من موضوعات، ووفقًا لمفهوم هذا المستوى الذي يقوم به الإعلام الدبلوماسي؛ فإنه يعني أنه يتم تعليم الجماهير أفضل الوسائل للتعامل الناجح مع الموارد المتاحة في البيئة المحلية ووسائل تنميتها([29]).

– المستوى الثالث: اتخاذ القرار:

ويُقصَد بذلك ضرورة انسياب المعلومات إلى أعلى وإلى أسفل، ويتطلب ذلك تغيير من الاتجاهات وأساليب الحياة الاجتماعية والسياسية التي يتمسك بها الناس ويمكن أن تقوم وسائل الإعلام الدبلوماسية بإثراء المناقشة بالمعلومات حول كافة القضايا أم السياسية المختلفة، وإظهار رأى القادة حول تلك القضايا لحث الجماهير على اتخاذ وموقف إيجابي تجاهها([30]).

ولابد من التكامل بين قنوات الاتصال الشخصي والاتصال الجماهيري، وذلك لضمان الانسياب الحر للمعلومات في المجتمع الذي تخاطبه وسائل الإعلام الدبلوماسية لأن الاتصال الشخصي يمكن أن يقوم بتوضيح الغايات المحددة لوسائل الإعلام الدبلوماسية في مجتمعها، ومن ثم يمكن من خلالهما معا حث الجماهير على المشاركة في خطة التنمية السياسية([31]).

-المستوى الرابع: مستوى المراقب:

يقوم الإعلام الدبلوماسي بدور المراقب النشط لكافة الجهود المبذولة حول كافة القضايا المثارة، ويقوم بعرض الإيجابيات والسلبيات المختلفة من خلال عرض الرأي والرأي الآخر واقتراح حلول للمشكلات من خلال المضمون المقدم للجماهير على صفحاتها([32]).

وذلك لأن عملية المتابعة لما تم إنجازه في سبيل تحقيق عملية التوعية السياسية تتطلب التقييم المستمر لهذه المجهودات ويمكن بهذه الطريقة أن يتم تلافي الأخطاء أو التركيز على القضايا التي لم تحظى باهتمام، ومن خلال عملية المتابعة أيضًا يمكن أن يؤدي ذلك إلى توعية الجماهير أنفسهم بأن هناك من يرصد ويراقب ويتابع كل ما من شأنه تحقيق التوعية السياسية في النهاية([33]).

*مدير المركز


([1]). Nirnno and Sanders, Handbook of Political Communication (Beverly Hils, Sage, 1981), PP. 27-28.

([2]),Ahmad Al-Saeed.Faith and Rhetoric-Friday Speech as Political Communication, APh. D. Dissertation Submitted to the University of wales Colledge of Cardiff, U.K., May , 1993, P.38.

([3]), Denton, Robert E. & Woodward, Gary C. Political Communication in Armerica, New York: Preager, 1930, P. 14.

([4]) حميد فؤاد، المحرر الدبلوماسي، (القاهرة: مطبعة أطلس، 1976)، ص 38.

([5]) همت عبد المجيد، نماذج استخدام وسائل الاعلام في المجال الدبلوماسي، مجلة كلية الآداب، عدد خاص، سبتمبر، 2002.

([6]). مولاري، كوني، الإعلام السياسي، سلسلة قضايا استراتيجية، العدد 11، سبتمبر، 2009.

([7]). Stocking, S. and Grass “How Do Journalists Think? A Proposal for the Study of Cognitive Bais in News Making. In: Eric Clearing House of Reading Communication Skills, 1989, Pp. 131.

([8]) عبد السلام، فؤاد، الإعلام والصراع العالمي، الطبعة الأولى، (الرياض: تهامة للنشر، 1987).

([9]) المرجع سابق.

)[10].(Hansen: Allen, Public Diplomacy in the Computer Age. Westport (7) Connecticut pl. New York, 1989.

([11](Ibird.

)[12].( HANSEN, Allen C. USIA, PUBLIC DIPLOMACY IN THE COMPUTER AGE 2nd. ed. Praeger, NY 1989.

)[13]( Ibird.

([14]) أبو عامر، علاء، العلاقات الدولية، الطبعة الأولى، (الأردن، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2004).

(([15]المصدر السابق.

([16]) عماد المديفر، «الدبلوماسية الشعبية».. ماهية المصطلح وتطوره التاريخي”، موقع “هات بوست” بتاريخ 3 سبتمبر2014.

([17]) المصدر السابق.

([18])Melissen, Jan. The New Public Diplomacy Soft Power in International Relations. New York: Palgrave Macmillan, 2005.

([19]) هيثم توفيق فياض، المساومة القسرية والسياسة الدولية، (عمان: دار دجلة للنشر والتوزيع، 2013)، ص 184.

([20]) عمر الحسن، تزايد دور الدبلوماسية الشعبية .. البحرين نموذجاً، (2011). ص ٤٧، متاح على الرابط: https://qusasaat.wordpress.com/2011/05/22/15/

(([21] همت عبد المجيد، نماذج استخدام وسائل الاعلام في المجال الدبلوماسي، مرجع سابق.

([22]) محمد سيد محمد «الدور الوظيفي للصحافة المحلية في التنمية الشاملة»، جريدة بني سويف ومؤسسة فريدريش، نشرت في الفترة من 24 – 29، ديسمبر 1986، ص 80 – 85.

([23]). Fink, Conard C. Media Ethics in News Room and Peyond” (New York: McGraw Hill Company, 1988) PP 10 – 13.

([24]) عبد الفتاح عبد النبي «تأثير وسائل الإعلام على سلوك الأفراد في القرية المصرية»، مجلة البحوث الإعلامية، العدد التاسع والعاشر، الجماهيرية الليبية، 1996، ص 83.

([25]). Walter Phillip Davison “Mass Communication and Conflict Resolution: The Role Of The Information Media In The Advancement of Intern Understanding” (New York: Praeger Publishers, 1974), PP 10 – 17.

([26]) نوال محمد عمر، «الإعلام والتنمية الاجتماعية» مذكرات تعليمية غير منشورة لطلاب الفرقة الثالثة، (جامعة الزقازيق : كلية الآداب، قسم الإعلام، 1988)، ص 87.

([27]) ولبرشرام، أجهزة الإعلام والتنمية الوطنية، ترجمة محمد فتحي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970)، ص 318 – 319.

([28]) عبد الفتاح عبد النبي “تأثير  وسائل الإعلام على سلوك الأفراد” مرجع سابق، ص ص 72 – 74.

([29]) جيهان رشتي، الأسس العلمية لنظريات الإعلام، (القاهرة: دار الفكر العربي، 1975)، ص ص 201 – 202.

([30]).Fink. Conard C. “Media Ethics in News Room and Peyond”, Op. Cit., Pp. 10 – 13.

([31]) Ibird., Pp. 12 – 14.

([32]) سعد لبيب، حق المواطن في الإعلام لماذا وكيف، (القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، مجلة النيل، العدد رقم 44، 1994)، ص ص 13 – 18.

([33]) المرجع السابق، ص ص 18 – 19.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى