دراسات

الإعلام الدبلوماسي.. المهام والوظائف (2)

عمــاد عنــــان (*)

رغم الدور المهم الذي يؤديه الإعلام الدبلوماسي في تدعيم سياسات الدول وشرحها وتقديم مواقفها وآرائها واتجاهاتها نحو كافة القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، إلى الحد الذي يقوم به في بعض الأوقات بديلاً لوزارة الخارجية؛ إذ إن هناك دولاً وكيانات بأكملها لا تُعرَف إلا بإعلامها الدبلوماسي دون تأثير واضح ومباشر للوزارات الرسمية المعنية بالتواصل مع الآخر وتقديم السياسة الخارجية لها حيال المواقف والقضايا الإقليمية والدولية.

نقول إنه بالرغم من هذا الدور الذي تعاظم في السنوات الأخيرة، إلا أن الإعلام الدبلوماسي لم يحظَ بالاهتمام الكافي من قِبَل الباحثين في مجال تحديده وشرح أبعاده، وتقديم خلفياته؛ حيث من النادر وجود مجالات أو فروع لدراسة هذا النوع من الإعلام سواء في الجامعات أو داخل أروقة الهيئات الدبلوماسية، الأمر الذي انعكس على اختلاف المنطلقات المنهجية على قلتها في تعريف الإعلام الدبلوماسي.

بدأت الإرهاصات الأولى لوضع تعريف علمي للإعلام الدبلوماسي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وكانت البداية مع “نيمو” الذي يعرف الاتصال السياسي والدبلوماسي على أنه: “الرموز والرسائل المتبادلة المتأثرة بالنظام السياسي أو المؤثرة فيه وتقوم المؤسسات الإعلامية بتقديمها لجمهورها([1]).

في حين يعرفه “سكدسون” على أنه “عملية نقل الرسالة يقصد بها التأثير على استخدام السلطة أو الترويج لها في المجتمع”([2]).

أما “ماكنير”، فيعرِّفه بأنه “اتصال هادف يتعلق بالسياسة”، ويشرح ماكنير هذا التعريف الموجز بقوله إنه يشتمل على:

– كل مستويات الاتصال التي يستخدمها الساسة أو المشتغِلون بالسياسة بُغية الوصول إلى غاية محددة وأهداف مقصودة.

– الاتصال الموجه إلى هؤلاء الساسة من غير المشتغلين بالسياسة، كالناخبين، وكتاب الأعمدة الصحفية وغيرهم.

– اتصال يتعلق مضمونه بأشخاص الساسة والمشتغلين بالسياسة وغيرهم ممن لا تنطبق عليهم هذه الصفة، ويعلق أيضًا بنشاطاتهم التي تتضمنها التقارير الإخبارية، والافتتاحيات وغيرها من وسائل مناقشة وسائل الإعلام للسياسة والسياسيين([3]).

علاوة على ذلك فقد تبنى بعض الباحثين العرب تعريفًا عامًّا للإعلام الدبلوماسي على أنه “كل ما يتناول معلومات أو آراء أو أنباء تتعلق بالسياسات الخارجية للدول أو تتعلق بمواقف هذه الدول إزاء قضايا أو مشاكل محددة بما يعبر عن سياسة أو اتجاه هذه الدول أو وجهة نظرها بما يتمشى مع مصالحها وسياسات الدول الأخرى في نفس الوقت”([4]).

فيما ذهب آخرون إلى أن الدبلوماسية الإعلامية هي: “كل المعلومات والأنباء والآراء المتعلقة بالسياسة الخارجية أو مواقف تلك الدول ووجهة نظرها إزاء القضايا والمشكلات الدولية بشكل يتوافق مع مصالحها([5]).

بينما يراها البعض “استخدم وسائل الاتصال في الاتصال بالممثلين الرسميين، وغير الرسميين لبناء أجواء من الثقة بين الأطراف المتنازعة، والتمهيد لعقد المفاوضات من خلال السعي إلى كسب أكبر قاعدة جماهيرية وتعزيز الجهود السلمية والتفاوضية عن طريق القيام بالعديد من الأنشطة الاتصالية المؤدية لتحقيق ذلك الغرض، كالمؤتمرات الصحفية، والنشرات، والاتصال المباشر بالإعلاميين، وإحاطتهم بأخر التطورات في المجال الدبلوماسي”([6]).

وظائف الإعلام الدبلوماسي:([7])

هناك وظائف عامة يسعى الإعلام الدبلوماسي بشتى أنواعه، مكتوب ومسموع ومرئي، لتحقيقها أو على الأقل تحقيق الغالبية العظمى منها، وتتلخص هذه الوظائف في 6 محددات رئيسية:

1. القيام بتغطية الأحداث الدبلوماسية بشكل دقيق وصحيح وشامل بما يعطيها معناها الحقيقي.

2. تقديم الخلفيات والتفسيرات التي توضح الأحداث الدبلوماسية وتضعها في سياقها السليم.

3. طرح كافة الآراء حول القضايا الدبلوماسية وعدم الاكتفاء بما تراه السلطة أو أي فئة أخرى (سياسية أو اقتصادية أو غيرها) تسيطر على الصحيفة وعدم فرض آراء جاهزة على القراء، بل مساعدتهم من خلال الحوار والنقاش على أن تصبح لديهم القدرة على التمييز والاختيار بين النافع والضار.

4. حث الجماهير على المشاركة في إدارة مجتمعاتها وتزودها بإدراك كافي يمكنها من الإسهام في اتخاذ القرارات.

5. الإسهام في دعم ومؤازرة القضايا الدبلوماسية الشاملة للمجتمع وأغراضها في كافة المجالات.

6. توفير المعلومات؛ حيث تُعدُّ وسائل الاتصال أداة من أدوات خلق الرأي العام المساند أو المعارض لجهود التسوية السلمية، حيث تلعب وسائل الاتصال دورا بارزا في تشكيل الرأي العام حول أجندة التفاوض عبر الطرق الآتية:

– الطريقة الأولى: استخدام وسائل الاتصال كأداة من أدوات الضغط على الأطراف المتنازعة أو أحدهما عن طريق تسريب المعلومات لأحد الأطراف عن قرب التوصل للاتفاق النهائي، وقد تكون هذه الطريقة غير مرضية للطرف الأخر في عملية التفاوض.

– الطريقة الثانية: قيام أحد الأطراف في عملية التفاوض بنشر أخبار كاذبة تمثل إحراجا للطرف الآخر([8]).

الوظيفة الدبلوماسية لوسائل الاتصال الجماهيري:

وظيفة أخرى تقوم بها وسائل الاتصال الجماهيري تتصل بالإعلام الدبلوماسي أو الوظيفة الدبلوماسية للإعلام، تتمثل في إقناع الأطراف المتنازعة، دولاً كانت أو حكومات أو هيئات ذات اعتبارية، بالدخول في المفاوضات المباشرة، أو غير المباشرة لحل النزاع، من خلال القيام بالأدوار التالية:

وفي هذا الإطار، قد يتم استخدام وسائل الاتصال كأداة لفرض مواقف معينة ضد أحد الأطراف، وذلك من خلال دفع أحد الأطراف إلى تبني مواقف. أكثر مرونة أو تشددًا، وقد تقوم وسائل الاتصال الجماهيري بتجاهل بعض الوقائع المهمة في عملية التفاوض، وطرح أجندة جديدة. على طريق التفاوض.

* مدير مركز الشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية


([1]). Nirnno and Sanders, Handbook of Political Communication (Beverly Hils, Sage, 1981), PP. 27-28.

([2]), Ahmad Al-Saeed. Faith and Rhetoric-Friday Speech as Political Communication, APh. D. Dissertation Submitted to the University of wales Colledge of Cardiff, U.K., May , 1993, P.38.

([3]), Denton, Robert E. & Woodward, Gary C. (1930) Political Communication in Armerica, New York: Preager, P. 14.

([4]). حميد فؤاد “المحرر الدبلوماسي” (القاهرة: مطبعة أطلس 1976)، ص 38.

([5]). عبد المجيد، همت (2002)، نماذج استخدام وسائل الاعلام في المجال الدبلوماسي، مجلة كلية الآداب، عدد خاص، سبتمبر.

([6]). مولاري، كوني (2009)، الإعلام السياسي، سلسلة قضايا استراتيجية العدد 11، سبتمبر

([7]). Stocking, S. and Grass “How Do Journalists Think? A Proposal for the Study of Cognitive Bais in News Making. In: Eric Clearing House of Reading Communication Skills, 1989, Pp. 131.

([8]). عبد السلام، فؤاد (1987)، الإعلام والصراع العالمي، تهامة للنشر، الطبعة الأولى، الرياض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى