مقالات

السيد الربوة يكتب: صراع المصالح.. السودان والحرب الأهلية (2)

” فاغنر” الروسية تعمل مع الدعم السريع بعيداً عن الأضواء

الاتحاد الأوروبي دعم مشاريع في السودان لسنوات  تتعلق بمراقبة الهجرة أنفق خلالها خمسة مليارات دولار

في أبريل 2023  قناة “أم إف تي في ” الإخبارية الفرنسية بثت حملة دعائية مدفوعة الأجر من أجل تحسين صورة ” حميدتي” تحت عنوان  ” سودان الأمل  ” 

لن يظهر البرهان تجاه إسرائيل في الوقت الحالي أي علاقة أوطلب مساعدة منها

أمريكا قد تقدم الدعم  للبرهان بشكل ما سواء كان عن ترك حلفاء لها بمساندته أو بدعمه مباشرة فى الفترة القادمة . موجة نزوح مفاجئة من السودان إلى أوروبا في الفترة القادمة  تمثل تحديا إضافياً  .

حلفاء حميدتي :

 حليف آخر لحميدتي روسيا وهي التي أرسلت له منذ 2017 قوات ” فانغر ” وهي ذراع روسيا في افرقيا وتعمل تلك القوات مع الدعم السريع في مناجم الذهب وغيرها والتي يضع حميدتي يدها عليها، وقد كانت قوات ” فاغنر” الروسية تعمل مع الدعم السريع بعيداً عن الأضواء، خاصة بعدما خسرت الخرطوم إلى حد كبير الدعم الغربي الذي تجلى بعد إسقاط نظام عمر البشير في 2019ولكن مع مرور السنوات وتصاعد الأحداث في المنطقة بدأت وسائل إعلام تسلط الضوء على وجودها مع الدعم السريع، وكانت زيارة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه صديقه البرهان، على رأس وفد رفيع إلى موسكو عشية بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، دليل واضح على هذا التقارب الذي يخدم مصالح الطرفين ويساهم في توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا.

حتى أثناء حكم البشير شهدت العلاقات العسكرية تطورا كبيرا بين الخرطوم وموسكوبالرغم من الحظر الذي كان مفروض على السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، حتى أصبحت روسيا مصدر السلاح الرئيسي للجيش السوداني ، وفي عام 2017، وقّع البشير اتفاقا مع روسيا على إنشاء قاعدة على البحر الأحمر لتستضيف سفنا روسية بما في ذلك سفن تعمل بالوقود النووي، على أن يتمركز فيها 300 جندي، وقد صرح حميديتي عند عودته من روسيا، أن السودان مستعد للتعاون مع أي دولة تريد بناء قاعدة على ساحلنا الذي يبلغ 730 كلم طالما تحقّق مصالحنا ولا تهدد أمننا القومي سواء كانت روسيا أو غيرها، وقد أعلن السودان فيما بعد على لسان رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين في مقابلة متلفزة أن السودان بصدد مراجعة الاتفاق مع موسكو ، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة أعلنت رفع السودان عن لائحة الدول الراعية للإرهاب. 

 الدولة أخرى لها علاقات مع حميدتي إيطاليا، وقد وجه حميدتي الشكر لها خلال مقابلة تلفزيونية ، باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تعاونت مع قواته لمدة عامين في “التدريب من الناحية الفنية” وبعض الخبراء يشير إلى اهتمام إيطاليا بالتعاون مع حميدتي يرجع إلى نشأة حميدتي في إقليم دارفور غرب السودان وهو الإقليم المتاخم لدولتي ليبيا وتشاد، و نفوذا واسعا في تلك في المنطقة، في محاولة للحد من الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط نحو إيطاليا ودول أوروبية أخرى، كينيا من الدول الأفريقية التى تربطها بحميدتي شخصياً علاقات قوية .

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي ظل لسنوات يدعم مشاريع في السودان تتعلق بمراقبة الهجرة، من خلال توفير التدريب والمعدات لقوات  الدعم السريع وحرس الحدود والشرطة السودانية، أنفق خلالها نحو 4.5 مليار يورو (ما يعادل خمسة مليارات دولار)، بهدف السيطرة ورصد أسباب الهجرة غير الشرعية ، وحميدتي كان الرجل الأول مع الاتحاد الأوروبي في ذلك المشروع، وظل تربطه علاقة قوية مع الشخصيات التي تقود ذلك المشروع ، الذي توقف في شهر يوليو 2019  بعد تعليقه من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب مخاوف من إمكانية دعم قوات الأمن المسؤولة عن قمع احتجاجات سلمية في البلاد بشكل غير مباشر ، وقد أشار تقرير  من الاتحاد الأوروبي إلى أن المشروع رصد وجود مخاطرة بإمكانية استخدام الموارد لتحقيق أهداف قمعية .

كانت أفريقيا دائماً نصب عين فرنسا والسودان جزء من تلك القارة السمراء ،  لذا تسعى بشكل مستمر أن يكون لها تواجد سواء كان اقتصادي وأسياسي ، وهي بالفعل تملك عدّة منشآت فرنسية فروعًا لها في الأراضي السودانية مثل منشآت بالوريه، ونوتريست، وساجمين، في مارس 2023 بدأت بعض وسائل الإعلام الفرنسية بث حملة دعائية مدفوعة الأجر من أجل تحسين صورة ” حميدتي” من بينها قناة ” أم إف تي في ” وهي قناة تلفزيونية إخبارية بفرنسا، تحت عنوان ” سودان الأمل ” وقيل أن حميدتي يحلم بأن يكون رئيساً للسودان. في  بداية شهر أبريل 2023  قبل اندلاع حرب السودان بين الجنرالين ،أستقبل حميدتي في السودان المبعوث الفرنسي الخاص للقرن الإفريقي ” فريدريك كلافييه ” الذي قال إن زيارته للسودان تأتي في إطار دفع العملية السياسية ومساعدة الأطراف للتوصل إلى اتفاق يحقق الاستقرار للبلاد، والسؤال الذي يطرح نفسه هل كان المبعوث الفرنسي على علم بتصاعد الأحداث خلال الشهر الذي زار فيه السودان !!؟

البرهان:

على الرغم من أن البرهان قيل عنه إنه قائد عسكري محنك تخرج في الكلية الحربية المصرية وتدرج في مناصبه القيادية بالقوات المسلحة السودانية وظل فترة تنقله في المواقع العسكرية منضبط بعيداً عن الأضواء ، ولم ينزل بالبروشات كقائد عسكري سوداني كما يقول البعض عن حمديتي ، إلا أن كل ذلك لا ينفي أنه  كان شريك حميدتي فيما حدث للسودان منذ عام  2021، فقد نفّذ معا  بدهاء سياسي وامتلاك زمام القوات العسكرية سواء كان الجيش أو الدعم السريع، لانقلابا أطاح بالمدنيين من السلطة الانتقالية التي بدأت بين العسكر وقادة الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق عمر البشير بعد سقوط هذا الأخير في 2019.

حلفاء البرهان :

كما ذكرت مسبقا فإن  لكل  من البرهان وحميدتي  موارده المالية الخاصة، وشبكة من العلاقات والحلفاء نسجاها منذ سنوات خلال توليهما مسؤوليات مختلفة حتى في ظل حكم البشير، المملكة العربية السعودية قد تكون من المؤثرين فى المشهد السوداني بشكل عام ، وربما كان تواصلها مع حميدتي فعال أكثر من تواصلها مع البرهان، وقد زار البرهان المملكة العربية السعودية في نوفمبر 2022 بدعوة رسمية من ولي العهد الامير” محمد بن سلمان “،وبعدها تلقي دعوة رسمية  فى شهر ديسمبر من الملك ” سلمان بن عبد العزيز ” للمشاركة في أعمال القمة العربية الصينية ،وعلى الرغم من ذلك لن تكون السعودية حليفاً قوياً للبرهان فى حربه مع حميدتي .

وربما يظن البعض أن البرهان قد يعول على دعم من الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا  في وقته الحالي،  خاصة أنه قائد الحربة فى الانضامم إلى ” اتفاقات أبراهام ” وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، بعدما حصل  السودان على مساعدات مالية أميركية بعد أن ظل لسنوات طويلة معزولا وعلى اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ربما يكون هذا الاحتمال قائم لدي البرهان ولكن ليس بالقدر الكبير، لانه  يعلم أن هناك معارضة شديدة على أرض الواقع في السودان من قبل الشعب السوداني تجاه التطبيع مع إسرائيل وفي ظل الوضع الحالي الذي يسعي فيه إلى جذب وحشد كل صفوف السودانيين تجاه الجيش السوداني لمساندته ضد قوات الدعم السريع .

 ولن يظهر البرهان تجاه إسرائيل  في الوقت الحالي أي علاقة أو طلب مساعدة منها ، ولكن ربما تقدم له أمريكا الدعم بشكل ما سواء كان عن ترك حلفاء لها بمساندته أو غير ذلك ولكنه لن يكون دعماً كبيراً ، وسوف يكون الدعم مصحوب بشروط من أجل مصالح الولايات المتحدة في السودان تلك الدولة التي تمتلك موقعاً فى أفريقيا تسعي دول العالم للتواجد فيه ووفق تطور الأحداث، واشنطن بالقطع  تسعى إلى تأمين وجود عسكري في المنطقة، عبر قاعدة “ليمونييه” في جيبوتي، يكون لديها من خلالها القدرة على التدخل السريع لحماية مصالحها، مع تزايد التقارير الأمريكية التي تشير إلى أن روسيا ربما تكون  لها حضور أقوى في المشهد السوداني.

 وتضع واشنطن في الحسبان التطورات الأخيرة التي طرأت على الساحة الإقليمية ، من بينها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية الصين ، كل تلك المعطيات توحي بأن التدخل الأمريكي في السودان سوف يتطور تدريجياً، وقد أوضح بايدن ذلك في رسالته إلى رئيس مجلس النواب وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ في أمريكا ، أنه يرى أن الوضع في السودان “يشكل تهديدًا غير اعتيادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولكن لا يمكن أن تكون واشنطن الحصان الأسود الذي من الممكن أن يراهن عليه البرهان لكسب المعركة في السودان .

العلاقات المصرية السودانية قد تكون عامل مساعد للبرهان  فهو الذي تخرج في الكلية الحربية المصرية، ويمكن أن يسعى للحصول على دعم القاهرة، بشكل ما على الرغم من موقف القاهرة المعلن والذي يرى التهدئة فى السودان أمر مطلوب ومهم بالنسبة للسودان ولها.

جنرالات السودان والانقلابات :

السودان مثل العديد من الدول الأخرى في العالم العربي وإفريقيا تحت الحكم العسكري منذ عقود، ولم يكن للسودان حكومة مدنية منذ أواخر الثمانينيات، عندما قام اللواء “عمر البشير ” بانقلاب عسكري   في يونيو عام 1989 وأطاح بحكومة الأحزاب الديموقراطية برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي، الذي كان يجمع بين منصب رئيس الجمهورية ومنصب رئيس الوزراء وفقاً لدستور البلاد، وقد وظف ” البشيرموجة  الاحتجاجات الواسعة في الشارع السوداني حينها بسبب المعيشة والحالة الاقتصادية للبلاد.

وجلس “البشير ” لمدة 30عاماَ  على كرسي الحكم ، واجه خلالها محاولات انقلاب عديدة أهمها “حركة رمضان ” عام 1990 بقيادة الفريق “خالد الزين نمر”  مع مجموعة من اللواءات ولكن الانقلاب فشل وألقي القبض على 28 ضابطاً، وتمت محاكمتهم عسكرياً  وأعدموا،  وفي أواخر عام 1999، أنقلب “البشير” على الزعيم الروحي للحركة الإسلامية والذي وقف بجانبه من أجل توليه الحكم وحل  البرلمان السوداني ،  وتمر السنوات ويأتي الانقلاب على البشير ، وقد أعلن الجيش السوداني تولي المجلس العسكري برئاسة وزير الدفاع  “أحمد عوض بن عوف ”  مقاليد السلطة في 11 أبريل 2019، منقلباً على ” البشير ” على الرغم من أن ” البشير ” عينه نائبا له قبل شهرين وبالتحديد في شهر فبراير.  

و شغل “بن عوف ”  منصب رئيس الجمهورية ليوم واحد فقط من 11 أبريل 2019 إلى 12 أبريل 2019 ، وذلك على أثر ضغوط الشارع السوداني، التي دعت إلي تنحى وزير الدفاع ” بن عوف”  ونائبه الفريق أول “كمال عبد المعروف ” عن صدارة المشهد في السودان ، وتعيين المفتش العام للجيش السوداني، الفريق أول “عبد الفتاح البرهان ” على رأس السلطة ، والطريف فى الأمر أن البرهان  نفسه تم ترقيته من قبل ” البشير ” في نفس شهر فبراير مع” بن عوف ” مع إعلان تعديلات في قيادات الجيش من قبل ” البشير ” ، شملت ترقية البرهان من رتبة فريق ركن إلى فريق أول، وتوليه منصب المفتش العام للقوات المسلحة.

وبرغم ما يقال عن اسم  ” البرهان ” أنه لم يكن حاضرا في مقدمة المشهد السياسي السوداني في السابق،     و عرف عنه بأنه  عسكري مُنضبط، تدرج في مختلف المراتب العسكرية  حتى أصبح قائدا للقوات البرية، إلا أن المسألة بالقطع لها كواليس أخرى ربما تكشفها أيام التاريخ ، ولكن المؤكد أن ” للبرهان ” دهاء سياسي استطاع من خلاله أن يصل إلى مكانته الحالية ، خاصة أنه أستطاع أن يجد له مكاناً داخل أوساط المعتصمين السودانيين في الوقت الذي كانت شوارع السودان تغلي بالمتظاهرين والمعتصمين ضد قيادات الجيش  من أجل تحقيق نظام مدني في الحكم،ونجح في التقرب لقيادة ” تجمع المهنيين ” السودانيين من خلال تيسير الأمور لمطالبهم،  لدرجة أنه كان يدعوا المحتجين إلى مواصلة اعتصامهم أمام مقر الجيش إلى حين الاستجابة لكل مطالبهم .

وتأكيده على تسليم السلطة كلياً لإدارة مدنية ،وابتعاد الجيش عن المشهد، وحين ذاّك واصل السودانيين اعتصامهم فى ساحة القيادة العامة للجيش حتى يتم الاستجابة لمطالبهم وفي المقدمة رحيل كل العسكريين الذين تسلموا مقاليد الحكم مع ” بن عوف” وواصل علاقته مع قيادات الجيش المقربين منه واعد العدة  ومن هنا كان يتردد أسم ” البرهان ” بين الجميع حتى قيادات الجيش وكانت العلاقة بينه وبين ” حميدتي ” عشرين عاما من الصداقة والتعاون في مصالح مختلفة ، وصلت للذروة حينما عين “البرهان” قائد قوات الدعم السريع، الفريق “محمد حمدان” الشهير ” بحميدتي ” نائباً له فى المجلس العسكري الانتقالي في السودان، وعزف  “حميدتي”  على أنغام ” البرهان ” وفتح باب الحوار مع قيادات المجتمع ورؤساء الأحزاب السياسية وتجمّع المهنيين ، وأصبح يطالب فى لقاءاته من موقعه داخل المجلس تأكيد ضرورة الاستجابة لمطالب الشعب السوداني، وكل ذاّك يؤكد أنهم كان على اتفاق وتخطيط ما، ولكن تظل المصالح الشخصية هى المحرك الأساسي لأي اختلاف بين القادة العسكريين  بنسبة عالية .

إن استمرار حالة الحرب في السودان  يجعلها  تزيد من حالة التوتر في مناطق الجوار ويجعلها عرضة للتوسع مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والاقتصادي ويتسبب في موجة نزوح مفاجئة تمثل تحديا إضافياً لدول الحدود مع السودان ، وسوف نشهد قريباً نزوح مهاجرين إلى دول وأورباعن طريق ” ليبيا ” وغيرها كونها بوابة رئيسية للهجرة إلي أوربا ، فهل تستطيع المنطقة العربية تحمل ذلك واوربا التى تعاني من حرب روسيا وأوكرانيا أسئلة كثيرة سوف تجيب عنها الأيام القادمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى