مقالات

شيماء عمارة تكتب *: التجربة الألمانية (1)






بعد انقطاع اختياري عن السفر لعدد من السنوات ليست بالقليلة؛ نتيجة تحمل الأعباء الأسرية، جازفت لأقبل فرصة السفر إلى ألمانيا، وما شجعني على قبول تلك الرحلة أن فترتها لم تتعد عدد أيامها أصابع اليد الواحدة، لأخوض تجربة سعدت بها وتعلمت الكثير من كافة مراحلها، وأرغب أن أشرك سيادتكم في النقاط الرئيسة التي تركت لدي انطباعات راسخة، من خلال عدة مقالات متتالية.

فبادئ ذي بدء جاءت الخطوة الأولى وهي الاستعداد للحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الألمانية، لتأتي تلك المرحلة بمفردها محملة بالعديد من الاستعدادات والتفاصيل والتدقيقات المرتكزة على تحديد سبب الزيارة، وميعاد الزيارة ومكان الإقامة على الأراضي الألمانية، وإثبات حول وظيفتك الحالية، ورصيدك البنكي، ووثيقة تأمينك الصحي ورقمك التأميني، وصورة شخصية بمقاس محدد، وخط تحركاتك الدولية طيلة السنوات الماضية على أن تكون وثائقك مترجمة إلى اللغة الألمانية، يليها تحديد ميعاد من السفارة لمعاينة تلك الأوراق ومعاينتك أنت شخصيًا، والتي بناءً عليها سيتم تحديد مدى صلاحيتك للحصول على تلك التأشيرة من عدمه، لأصل إلى اجتياز مرحلة الحصول على التأشيرة بسلام.

وتلي مرحلة النجاح في الحصول على التأشيرة، مرحلة السفر وتوزيع استمارة لاستكمال بيانات كل مسافر على متن الطائرة، وتنبيه بتسليم تلك الورقة إلى موظف الجوازات فور وصول المطار، وبالوصول إلى مطار العاصمة الألمانية، وتقديم الاستمارة التي تم استكمالها على متن الطائرة، رد تلك الورقة مجيبًا أنه لا حاجة لها، وكانت هذه هي أول القصيدة، ليتبادر إلى ذهني تساؤل، كم تكلفة تلك الأوراق التي يتم دفعها مع كل رحلة، ولا حاجة لها، ألم تسمع شركة الطيران الوطنية عن إيقاف التعامل بتلك الورقة في مطار برلين، وهو الأمر الذي ينعكس على صورتنا قطعًا بالسلب.

ليبدأ موظف المطار في العاصمة الألمانية في إعادة تساؤلاته بدءًا من الجنسية ومرورًا بسبب الزيارة ومكان الإقامة وموعد المغادرة، ليتضح على معالم وجهه التردد في منحي ختم الدخول على جواز السفر ليبدأ في الحديث والنقاش الجانبي مع زميله ليتردد الاثنان، موجهين العديد من التساؤلات، وكأنني في اختبار مجدد للحصول على التأشيرة مرة أخرى، وفور تأكدهم من أننا مجموعة واتضح لهما الغرض من الزيارة ومدتها ومكان إقامتنا، تعطفا علينا بمنحنا ختم الموافقة واحدًا تلو الآخر، لتثبت ملامحهما المترددة في مخيلتي، ويتركان لدي انطباعًا من الصعب أن أنساه.

لأتذكر الأوراق والإجراءات التي طلبتها السفارة لمنح التأشيرة، فقد توقعت أننا في زمن الرقمنة والربط الإلكتروني بين سفارات الدول المتقدمة ومطاراتها، خاصة أن الأوراق التي تم استيفاؤها في السفارة تضمنت تدقيقات وإثباتات حول ميعاد السفر وحجز الطائرة وكافة التفاصيل المطلوبة، لنصل إلى الحصول على التأشيرة بالصورة الشخصية ذات المواصفات المحددة، ليتبادر إلى ذهني تساؤل حول فكرة الربط الإلكتروني بين السفارات والمطارات المستقبلة للوافدين، فهل تلك الوثائق التي يتم طلبها لمنح التأشيرة مقتصرة على حدود السفارة، أم يتم ربطها بقواعد بيانات مطارات استقبال الوافدين؟ فحتمًا وإن تحقق هذا الأمر فمن المؤكد سييسر من الوقت والمجهود، علاوة على حسن استقبال الوافدين وانعكاس الأمر على انطباعاتهم الإيجابية.

لأتجاوز مرحلة المطار وأستعد للوصول إلى فندق الإقامة، فما رسمته في مخيلتي أنها ألمانيا، وبالتالي من المتوقع أن تكون غرف الإقامة الفندقية مليئة بمظاهر الترف، ليتبدد هذا الحلم منذ لحظة الوصول إلى باب فندق الإقامة، لأبدأ في ملاحظة عدم وجود آي مظاهر للترف المبالغ فيه بدءًا من الاستقبال وحتى غرفة الإقامة، ليتأكد لدي الانطباع الراسخ حول العقلية العملية الألمانية التي تعطي على قدر الحاجة، وقدر الحاجة فقط، فعلى سبيل المثال الغرفة مخصصة لفرد، وبالفعل لا تستوعب أكثر من نوم الفرد وحقيبته وقضاء حاجته، وإن نظرنا إلى التكييف، فهو متوافر، ولكن درجة حرارته محددة مسبقًا، فلا مجال لخفض درجة الحرارة التي قد تحمل الفندق تكاليف أكثر، فالفندق يوفر للنزيل التكييف، لكن يبقى التحكم في درجة الحرارة من سلطات إدارة الفندق، كما لاحظت أن الغرفة لا تشتمل على ثلاجة ميني بار كما هو معتاد، لأتيقن من أن عدم توافرها يرتبط بعدم رغبة الفندق في رفع فاتورة الكهرباء الخاصة به والتي قد لا يحتاجها النزيل، لكن لاحظنا أن بعض الغرف قد يتوافر لديها تلك الخدمة، ولكن بمقابل مادي إضافي، فتوفير التيسيرات مرتبط بالحاجة الفعلية والقدرة على تحمل تكلفتها دون مجال للتبذير أو الإنفاق المبالغ فيه، وهو أمر مطلوب ويساهم في بناء الأمم والحفاظ على تقدمها.

*خبيرة اقتصادية.. المقال نقلا عن بوابة الأهرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى