قضايا وتحليلات

منح الجنسية للأجانب عن طريق الاستثمار .. قراءة اقتصادية في القرار

د. محمد فتحي حصّان  

   وفقا للضمانات الواردة بقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية فإن الدولة تمنح المستثمرين غير المصريين إقامة في جمهورية مصر العربية طوال مدة المشروع، ويشترط لمنح هذه الإقامة أن يكون المستثمر الأجنبي مؤسسا أو مساهما أو شريكا في شركة أو صاحب منشأة، وألا تقل مدة الإقامة عن سنة، ولا تزيد على مدة المشروع، وتلغى الإقامة حال تخارج المستثمر من الشركة أو محو قيد الشركة بناء على التصفية أو محو المنشأة من القيد في السجل التجاري .

  ورغم تلك الضمانة الممنوحة للمستثمرين الأجانب في مصر، فقد صدر في 2 مارس 2023 قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 876 لسنة 2023، بتعديل بعض أحكام قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019 بتنظيم حالات منح الجنسية المصرية للأجانب مقابل الاستثمار سواء عن طريق شراء عقار، أو إنشاء/ المشاركة في مشروع استثماري، أو إيداع مبلغ بالدولار الأمريكي كوديعة أو كإيرادات مباشـرة بالعملـة الأجنبية تؤول إلى الخزانة العامة للدولة ولا تُرد.

 فما هي حالات منح الجنسية وفقا لهذا القرار؟ وما هي أوجه اختلاف هذا القرار عن قرار رئيس مجلس الوزراء السابق رقم 3099 لسنة 2019؟، وما هي وجهات النظر المختلفة إزاء هذا القرار ؟، وهل تعد مصر متفردة في منح الجنسية للأجانب مقابل الاستثمار؟ .

حالات منح الجنسية وفقا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 876 لسنة 2023:

  وفقا لهذا القرار فانه يجـوز بإذن من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض وحدة فحص طلبات التجنس مـنح الجنسية المصرية لطالب التجنس متى توافرت في شأنه إحدى الحالات الأربع التالية:

الحالة الأولى: شراء عقار مملوك للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة بمبلـغ لا يقل عن ثلاثمائة ألف دولار أمريكي، يحول من الخارج وفقا للقواعد المعمول بهـا في البنك المركزي، أو أن يكون المبلغ قد دخل جمهورية مصر العربية من خلال أحـد المنافذ الجمركية وتم إثباته جمركيا، ويصدر رئيس مجلس الوزراء بناءً على عـرض وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بالتنسيق مع الجهات صـاحبة الولايـة قرارا بتحديد المباني والأراضي المتاحة للبيع.

وبمقارنة هذا القرار بالقرار السابق لرئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019 نجد أن قيمة العقار قد أصبحت 300 ألف دولار بدلا من 500 ألف دولار، وذلك مع إمكانية التقسيط لمدة سنه، وفي حالة التقسيط لا يتم منح الجنسية إلا بعد سداد المبلغ بالكامل، ويُمـنح طالب التجنس خلال مدة التقسيط إقامة مؤقتة بالبلاد لغير السياحة، وحال تعثره عـن السداد أو تراجعه عن طلبه يتم رد ما سبق له سداده من مبالغ بالجنيه المصري بسعر الصرف المعلن من البنك المركزي في تاريخ الاسترداد وبما لا يجاوز السعر في تاريخ السداد وبدون فوائد. كما لم يعد يُشترط تحويل المبلغ من الخارج، فأصبح من الجائز أيضا أن يُسدد المبلغ من داخل مصر، بشرط سابقة دخوله من منفذ جمركي وأن يكون قد تم إثباته.

الحالة الثانية: إنشاء أو المشاركة في مشروع استثماري بمبلـغ لا يقـل عـن ثلاثمائـة وخمسين ألف دولار أمريكي، طبقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في قـانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، مع إيداع مبلغ مائة ألف دولار أمريكي كـإيرادات مباشـرة بالعملة الأجنبية تؤول إلى الخزانة العامة للدولة ولا يُرد، بموجب تحويل بنكي مـن الخارج وفقا للقواعد المعمول بها في البنك المركزي، أو أن تكون المبـالغ قـد دخلـت جمهورية مصر العربية من خلال أحد المنافذ الجمركية وتم إثباتها جمركيا.

وبمقارنة هذا القرار بالقرار السابق لرئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019 نجد أنه قد تم الغاء شرط الشراكة في رأس مال المشروع بنسبة 40%، مع الاكتفاء بضخ 350 ألف دولار بدلا من 400 ألف، وإيداع 100 ألف كإيراد مباشر لا يُرد.

الحالة الثالثة: إيداع مبلغ خمسمائة ألف دولار أمريكي، بموجب تحويل بنكي من الخـارج وفقا للقواعد المعمول بها في البنك المركزي أو بإيداع المبلغ نقدا مباشرة في الحـساب المخصص لذلك بالبنك المركزي، شريطة أن يكون قد دخل جمهورية مصر العربية من خلال أحد المنافذ الجمركية وتم إثباته جمركيا، وذلك كوديعة يتم استردادها بعد مرور ثلاث سنوات بالجنيه المصري بسعر الصرف المعلن وقت الاسترداد، وبدون فوائد.

وبمقارنة هذا القرار بالقرار السابق لرئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019 نجد أنه قد تم الاكتفاء بإيداع مبلغ 500 ألف دولار لمدة 3 سنوات، بينما في القرار السابق كان يشترط إيداع مبلغ 750 ألف دولار من الخارج كوديعة لمدة 5 سنوات، أو إيداع مليون دولار كوديعة لمدة 3 سنوات. 

الحالة الرابعة: إيداع مبلغ مائتين وخمسين ألف دولار أمريكي كإيرادات مباشـرة بالعملـة الأجنبية تؤول إلى الخزانة العامة للدولة ولا يُرد، بموجب تحويل بنكي مـن الخـارج وفقا للقواعد المعمول بها في البنك المركزي أو بإيداع المبلغ نقدا مباشرة في الحـساب المخصص لذلك بالبنك المركزي شريطة أن يكون قد دخل جمهورية مصر العربية من خلال أحد المنافذ الجمركية وتم إثباته جمركيا.

    وبمقارنة هذا القرار بالقرار السابق لرئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019، نجد أن تلك الحالة لم يرد عليها أي تعديلات حول قيمة المبلغ المطلوب ايداعه، ولكن الجديد هو امكانية التقسيط لمدة سنة على الا يتم منح الجنسية إلا بعد سداد المبلغ بالكامل، ويُمـنح طالب التجنس خلال مدة التقسيط إقامة مؤقتة بالبلاد لغير السياحة، وحال تعثره عـن السداد أو تراجعه عن طلبه يتم رد ما سبق له سداده من مبالغ بالجنيه المصري بسعر الصرف المعلن من البنك المركزي في تاريخ الاسترداد وبما لا يجاوز السعر في تاريخ السداد وبدون فوائد.

تباين وجهات النظر حول القرار بين التأييد والرفض:

  تباينت الآراء داخل مصر حول القرار ما بين مؤيد ومعارض، حيث يرى المؤيدون للقرار أنه سيؤدي لزيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وتخفيف أزمة الدولار من خلال زيادة التسهيلات المقدمة للأجانب للحصول على الجنسية المصرية، وسيؤدي كذلك لتنشيط ملف تصدير العقار المصري، وزيادة مبيعات الشركات العقارية في الخارج. حيث أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية حصول 100 عميل أجنبي على الجنسية المصرية مقابل تملك عقار في مصر منذ صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019، ومن ثم فإنه يتوقع مع زيادة تسهيلات الحصول على الجنسية زيادة اقبال الأجانب على تملك العقار.

  بينما انطلق رأي الرافضين للقرار من عدة جوانب أولها يتعلق بالأمن القومي، وثانيها يتعلق برفض فكرة منح الجنسية مقابل أموال وتحول الحصول عليها إلى تجارة قد يتم خلالها التغاضي عن الكثير من الاشتراطات التي كانت مفروضة من قبل بسبب الاحتياج للعملة الأجنبية، وثالثها الخوف على الهوية المصرية من خلال فتح باب التجنيس للأجانب. 

منح الجنسية عن طريق الاستثمار Citizenship By Investment

  تقدم العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم الجنسية عن طريق برامج الاستثمار، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر إسبانيا والبرتغال ومالطا واليونان وتركيا، وتمنح الجنسية خلال بضعة أشهر مقابل استثمار أجنبي مباشر، عادةً ما يكون في المشاريع العقارية.

  فنجد مثلا الحكومة البرتغالية قد قدمت برنامج التأشيرة الذهبية في عام 2012، وهو البرنامج الأكثر شعبية للإقامة عن طريق الاستثمار في أوروبا، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنه يؤدي إلى الحصول على الجنسية بعد خمس سنوات. تحتاج فقط إلى إجراء استثمار مؤهل في البرتغال وقضاء سبعة أيام فقط في المتوسط ​​سنويًا في البلد. حيث يمكن إما استثمار مبلغ 500,000 يورو في العقارات أو مبلغ 350,000 يورو في العقارات التي بحاجة إلى التجديد أو الترميم.

    وفي تركيا تأسس برنامج الجنسية عن طريق الاستثمار في عام 2017، حيث يمكن للمستثمرين الحصول على الجنسية التركية عبر عدة طرق، إما شراء عقار واحد أو أكثر بقيمة لا تقل عن 400,000 دولار أمريكي، ويجب أن يحتفظ المستثمر بملكية العقارات لمدة ثلاث سنوات على الأقل، ويمكنه أن يقوم بتأجيرها خلال هذه الفترة. وإما عن طريق إيداع مبلغ 500,000 دولار أمريكي كوديعة في أحد البنوك التركية لمدة ثلاث سنوات، أو شراء سندات حكومية بنفس القيمة والاحتفاظ بها لمدة ثلاث سنوات. كذلك يمكن أيضًا استثمار مبلغ 500,000 دولار أمريكي في الأصول الثابتة تحت إشراف وزارة الصناعة والتكنولوجيا. كما يمكن لرواد الأعمال أيضًا الحصول على جواز سفر تركيا من خلال تأسيس شركة وتوفير 50 وظيفة على الأقل تحت إشراف وزارة العمل والضمان الاجتماعي.

   وفي النهاية فإنه يجب التأكيد على أن منح الجنسية عن طريق الاستثمار ليس اختراعا مصريا ولكن يتم تطبيقه في الكثير من دول العالم، ولكن الأمر يحتاج للكثير من الشفافية في الحالة المصرية تتعلق بالإعلان عن اعداد الذين تم تجنيسهم وجنسياتهم المختلفة والحالة التي تم على أساسها منح الجنسية ، مع العمل على مراجعة القرار بصفة دورية وفقا لمدى فاعليته في تحقيق الأهداف التي صدر من أجلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى