هل يعود بريغوجين إلى روسيا جثة هامدة ؟
السيد الربوة
الارتباك والتخبط المتناقض و الذي ظهر في خطاب ” بوتين ” من قبل رئيس قوات فاغنر ” بريغوجين ” ومحاولة الذهاب بجنوده من مواقع القتال في أوكرانيا إلي روسيا، وهو ما وصفه بوتين بالتمرد ، وقال عنه تارة أن قوات فاغنر ” خائنة ” وتارة ” قيادة فاغنر وطنية ” يؤكد أن تاريخ يوتين الطويل من القوة والعنجهية في كل قراراته لم يعد كالسابق، وأصبح هو وروسيا في حالة غير مستقرة برغم الظاهر، وقد ينتج عما حدث تطور كبير سواء كان للرئيس الروسي شخصيا أو لروسيا خلال الفترة القادمة ، وفي حالة حدوث ذاك سوف تنعكس الأحداث على مستوى المنطقة بالدول المجاورة لروسيا، وتنعكس أيضا على قوات فانغر داخل الأراضي العربية والأفريقية، فهل من الممكن أن ينتج عن ذاك عودة ” بريغوجين ” إلى روسيا بشكل أفضل مما كان عليه .
بوتين والتغيير بعد سنوات من حكمه :
ما حدث من بريغوجين كشف عن التغيير الذي حدث في شخصية بوتين الرئيس، وخرجت وسائل إعلام دولية غربية وغيرها تتحدث عن التصدعات التي حدثت بين قادة الجيش الروسي وأسفرت عن تمرد قائد قوات فانغر، والذي استفاد منه بوتين عبر سنوات طويلة هو وقواته في دول عدة سواء عربية أو أفريقية، وكيف عجز بوتين عن السيطرة على الخلافات الداخلية بين قادة الجيش الروسي من الرغم أنها بدأت تظهر قبل عدة شهور وكان على علم بها، وهو ما نتج عنه تحرك قائد قوات فانغر منفرداً في مواجهة وزير الدفاع الروسي ورئيس هيئة الأركان متحدياً الجميع بما فيهم الرئيس بوتين .
وعلى الرغم من قوة بوتين التي ما زالت قوية للحافظ على حكمه، إلا أن التمرد الذي لم يتم بالشكل الكامل لقائد قوات فانغر قد ترك أثرا كبيرا، ووضوح الصورة أن الجبهة الداخلية الروسية ليست متامسكة كما كان يروج لها ، إضافة إلى الأسئلة التي بدأت تتردد في الشارع الروسي حول مشروعية الحرب الروسية في أوكرانيا وزيادة الأصوات المعارضة للحرب ،ومن المرجح أن هناك تأثيرا معنويا كبير في نفوس الجنود والضباط بالجيش الروسي ،خاصة مع الصعوبات الكبيرة التي تواجهها روسيا في حرب أكروانيا والتي اندلعت منذ عام ونصف والمستمرة بدون أي حلول تستنزف كثيرا من الموارد الروسية .
أما على مستوى الخارج فإن قوات فانغر الموجودة في الخارج والتي قال عنها الرئيس الروسي بوتين ، في ساحة الكرملين أمام حشد من الحرس الوطني والجيش إن شعب روسيا وقواتها المسلحة وقف كتف بكتف أمام تمرد مجموعة فاغنر، مضيفا أن التمرد العسكري لو نجح لفقدت روسيا الكثير من إنجازات العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، مؤكدا أن تمويل مجموعة فانغر من قبل الحكومة الروسية ووزارة الدفاع كلف ميزانية الدولة لعام واحد 86 مليار روبل روسي ما يعادل مليارا و100 مليون دولار .
اعتقال بوتين اللواء سيرجي سوروفيكين :
إن الرئيس الروسي بوتين صنع نظاما منضبطا داخل المؤسسة العسكرية وأصبح علامة واضحة على القوة، وبصنعه قوات فانغر إحد الأذرع العسكرية القوية لروسيا والتي تستخدم خارج الحدود وحققت نجاحا على الأرض، يصعب اتخاذ إجراءات شديدة ضدها في خارج حدود روسيا أو داخلها ،باستثناء بعد الإجراءات والتي ظهر منها محاولة تحديد مصير مجموعة فاغنرمن خلال دمج بعض مقاتلي مجموعة فانغر ضمن وزارة الدفاع بموجب العقود التي سيوقعونها مع العفو عن المقاتلين الذين شاركوا في التمرد والذي سيمهد إلى توقيعهم عقود مماثلة، من أجل الحفاظ على فاغنر مع جعلها أكثر ولاء للمؤسسة العسكرية ، في الوقت الذي طلبا فيه الجنرال فيكتور زولوتوف، قائد الحرس الوطني الروسي، وهي قوة عسكرية محلية تقدم تقاريرها مباشرة إلى الرئيس فلاديمير بوتين تزويد قواته بالأسلحة الثقيلة.
في نفس الوقت اعتقل بوتين اللواء “سيرجي سوروفيكين” بتهمة تواطئه مع مرتزقة فاغنر في التمرد على الجيش الروسي ، وربما هناك آخرون لم يعلن عنهم ، أما بالنسبة لقوات فانغر في الخارج فإن علاقات الرئيس الروسي بزعماء بعض الدول التي تستعين بفانغر قوية قائمة على مصالح مشتركة من بينها علي سبيل المثال سوريا والرئيس الأسد، وقد أعلن في الأيام الماضية عن اعتقال قادة وعناصر فاغنر في سورية ونقلهم إلى قاعدة “حميميم ” وهي قاعدة تحت إشراف مباشر من قيادة القوات الروسية في سورية، وتم اعتقالهم من قبل الشرطة العسكرية الروسية ومشاركة الاستخبارات السورية، والسيطرة على شركة “فاغنر” في سورية، عن طريق حملة اعتقالات واسعة طالت قادة وعناصر ومسؤولي تجنيد يعملون للشركة في مختلف المحافظات السورية، وربما تسفر الفترة القادمة عن إجراءات مشابه في دول أخرى .
فانغر والتوسع خارج روسيا :
في تقرير بثته شبكة ” آي تي في ” البريطانية، عن قائد قوات فانغر بريغوجين، أنه قبل فترة بسيطة من محاولة تمرده، أجر مفاوضات مع بشار الأسد حول زيادة عدد مقاتليء فانغر في سوريا من 4 آلاف إلى مايقرب من 70 ألفا خلال الأشهر المقبلة، وأن نظام الأسد كان على استعداد للموافقة معتقد أن هذه الخطوة تقربه من بوتين أكثر برغم من أعداد قوات فانغر كانت سوف تزيد بأكثر من عشرة أضعاف، مع إنشاء أكبر قاعدة لهم في العالم بسوريا، إلا أن الأسد فوجي بالتمرد المسلح في نفس الوقت الذي كان ممثلي بريغوجين يتفاوضون مع النظام علي الاتفاقية الجديدة، وهو ما جعل نظام بشار يوقف المفاوضات نهائياً .
لذلك فإن فكرة التوسع لقوات بريغوجين في الدول التي يتواجد بها فعليا ليست بعيدة عنه، وربما يحضر لقواعد في دول أخرى بجانب التوسع، فحينما يرد على اتهامه بأنه خائن بقوله الرئيس بوتين أخطأ بوصفه لي بالخائن لسنا خونة وإنما لا نريد أن تعيش البلاد في الفساد والخداع والبيروقراطية ، فهي كلمات تعنى الكثير من قبل شخص لديه عزم على تغيير الأمور مستنداً على ما يمتلكه من قوة وحسابات يعلمها هو وحده .
مرتزقة فانغر في العالم :
ووجود جنود مرتزقة فانغر الروسية في دول عديدة من العالم يجعل من الصعوبة تتبع تلك القوات خاصة أنها تعمل بشكل مستقل عن الحكومة والجيش الروسي، وتتبع شركات عسكرية روسية خاصة، بعض المراقبين يقولون إن قوات فانغر تنشط في أكثر من 30 دولة، فعلى سبيل المثال قوات فانغر في أوروبا لم تظهر في حرب أكروانيا فقط، بل بدأت الظهور مع عام 2014 أيضاً في منطقة دونابس بأكروانيا، حين دعمت مجموعات انفصالية موالية لروسيا في مواجهة القوات الأكرونية.
أما في أفريقيا فتنشط قوات فانغر في دول السودان– ليبيا – مالي – سوريا – فنزويلا-آسيا- أمريكا اللاتينية – وتعتبر السودان قاعدة أساسية لجنود فانغر حيث تنشط هناك منذ سنوات يعتبر السودان من أكثر الدول الأفريقية تأثرا بروسيا، التي تحظى بنفوذ كبير، حيث تنشط مجموعة فاغنر هناك منذ سنوات وتدعم السلطات العسكرية في السودان، من أجل مصالح روسيا التي يقول عنها المراقبون لحصولها على المواد الخام بما في ذلك الذهب والمنغنيز والسيليكون واليورانيوم.
أما مالي فإن قوات فانغر تعاونت مع قادة انقلاب عام 2021 ، وقد استخدمت قوات الحكومة المالية مع مرتزقة فانغر جرائم الاستخدام المفرط للقوة الاغتصاب والتعذيب والنهب ، وطالبت بعدها الأمم المتحدة إجراء تحقيقات في تلك الجرائم سواء في مالي أو أفريقيا الوسطى، حيث ظهرت قوات فانغر هناك بصورة مستشارين عسكريين في مهام قال عنها السفير الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى إنها خطط أمنية خاصة برئيس البلاد ” فوستين أرشانج ” وفي مقابل ذلك حصلت مجموعة فانغر على عقود لاستخراج الذهب والماس وغيرها من الموارد الطبيعية .
حتى العاصمة الفنزويلية كراكاس تتواجد فيها عناصر من قوات فانغر منذ عام 2019، من أجل حماية رئيس البلاد بعد موجة الاحتجاجات الحاشدة ضد حكمه، كما ذكرت وكالة رويترز في تقرير لها، عن أهم مهام قوات فانغر هناك والتي من بينها أيضا تدريب قوات النخبة الفنزويلية،وأشارت الوكالة إلى العلاقات القوية التي تجمع روسيا وفنزويلا على مستوى التعاون الاقتصادي والعسكري والقروض التي تقدمه روسيا لها منذ عام 2006 وبلغت نحو 17 مليار دولار.
وهناك دول أخري كما تتحدث تقارير صحفية عن وجود قوات فانغر فيها مثل سريلانكا، وكان ظهور انتشار مسلحي فاغنر لأول مرة في سوريا كان أواخر عام 2015 ، أما ليبيا فإن انتشار فاغنر هناك يعود إلى عام 2014 بعد التناحر السياسي والاقتتال الداخلي،واستعان بهم خليفة حفتر، وما زال تواجدهم هناك .
عودة بريغوجين إلى روسيا:
قبول بوتين بالصفقة المؤقتة مع بريغوجين بالعفو عنه وإسقاط كل التهم نحو فانغر والسماح له بالذهاب إلى بيلاروسيا والاستجابة للرئيس البيلاروسي راعي الصفقة، علامة تدل علي أن الرئيس الروسي كان يريد أن يتجنب أي تصعيد ويعطي لنفسه المهلة الكافية لإعادة ترتيب الأوراق مع فانغر وقائدها، لذا فإن وسائل الإعلام لم تستطع معرفة بنود الصفقة كاملة والتى يحيطها الغموض ولم تحصل سواء علي بنود أعلنت للجميع ، ومن المتوقع أن تظهر أمور أخرى في الفترة القادمة خاصة بتفاصيل الصفقة .
بريغوجين كان يخطط للاستيلاء على القيادة العسكرية الروسية كجزء من تمرده وهو ما كشفه مسؤولون غربيون في الفترة الماضية ونقلته وسائل الإعلام، وأنه كان يعتزم في البداية إلقاء القبض على وزير الدفاع سيرغي شويغو والجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة لروسيا، خلال زيارة إلى منطقة جنوبية على الحدود مع أوكرانيا كان الاثنان يخططان له، ولكنه لم ينجح لذا تحرك في المسيرة المسلحة نحو موسكو واعتمدت مؤامرة بريغوجين على اعتقاده بأن جزءاً من القوات المسلحة الروسية سينضم إلى التمرد وينقلب ضد قادته، وفقاً للمعلومات الاستخباراتية الغربية والتي نشرتها وسائل الإعلام .
بلا شك أجج بريغوجين مشاعر الجنود الروس والضباط، بما قاله عن قادة الكرملين والفساد وأن روسيا تستخدم قواتها كوقود للمدافع السلطة ، وأن كسب المال (الفساد) أهم بالنسبة لهم من حياة الجنود الروس، كل ما حدث في روسيا من محاولة التمرد،وتجدر الاشارة هنا مرة أخري أنه ترك أثر كبير في نفوس الجنود والضباط في روسيا، مع علاقات شخص مثل بريغوجين بالداخل الروسي وهوما يعني ترتيبا ما بالنسبة له عند عودته.
زعيم فاغنر الذي تحول إلى أمير الحرب ويمتلك مليارات الدولارات، يكفي أن تعلم أنه يتحصل على 20٪ من آبار النفط في ليبيا – لديه حصة من ودائع الذهب في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. – يمتلك الذهب ومناجم أخرى في مدغشقر – له حسابات سرية في قبرص. – بملايين الدولارات نفس الشيء في دبي- الإمارات لديه قصور وحسابات ذهب بملايين الدولارات ، هل تعتقد أن شخصا يمتلك كل هذا، والمهام الرئيسية لقواته المرتزقة أبرزها هي حماية حقول النفط ومناجم الفوسفات والذهب في كل الدول التي تتواجد فيها قواته، من الممكن أن يتنازل عن حلم العودة إلى روسيا منتصراً ؟
بلاروسيا وفانغر :
وصول طائرة بريغوجين إلى بيلاروسيا قادمة من روسيا، بعد 3 أيام من وقف تمرده، بالغرم من أنه أعلن بعد وقف تمرده أنه ذهب إلى بلاروسيا، وتصريحات رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي قدم الترحيب برئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين وأظهر أنه يتخذ خطوات لصالح الكرملين لا لصالح شعبه، وتصريحاته حول العزم على اتّخاذ “إجراءات” جديدة ضد أنشطة فاغنر في أفريقيا.
وهو ما يناقض كلام رئيس بلاروسيا فيما قاله عن أن وزير دفاعه فيكتور خرينيكوف أخبره بأنه لا يمانع في وجود وحدة مثل فاغنر في جيش بيلاروسيا. وأصدر لوكاشينكو تعليمات لوزير الدفاع بالتفاوض مع بريغوجين بشأن هذه المسألة، وهو بالقطع يحاول حماية نفسه من المعارضة البيلاروسية والتي كانت على استعداد للقيام بتمرد وفق ما ذكره في وصفه – على خلفية واقعة التمرد في روسيا، إلى جانب مخاوف رئيس بيلاروسيا موجة جديدة لتوسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتوسع دول الحلف قرب حدود بلاده .
عدم اليقين لدى القادة وصناع السياسة أصحاب الخلفية العسكرية في أي مكان بالعالم، يؤدي إلى انتهاج سياسات قصيرة النظر هدفها الأول البقاء في مناصبهم أكبر مدة ممكنة،من بينها العمل بصفة مستمرة على الحد من قدرات منافسيهم المحتملين لخلافتهم،والتطلع الدائم أن يكون في الصدارة، وأعتقد أن بريغوجين لا يبتعد عن هذا مثله مثل بوتين ورئيس بيلاروسيا وغيرهم .