
هيثم بن طارق.. سلطان الدبلوماسية الإقليمية
السيد الربوة
مرحلة إقليمية جديدة تأتي من خلال تغيرات جيوسياسية على دول منطقة الشرق الأوسط، وإعادة خريطة للعلاقات بين دول المنطقة،فرضت نفسها حتى على قادة الدول المختلفين بين بعضهم البعض ودفعتهم من أجل السباحة مع أنظمة العالم الجديدة ، حيث يقدم التعاون قبل الصراع والتنافس خاصة مع تولد روابط كيانات عالمية بصورة تختلف عما سبق ويقل دور ” ماما أمريكا ” وتظهر تحالفات كبرى في مقدمتها ” الصين – روسيا – إيران – تركيا – ” وغيرها من الدول العربية، سلطنة عُمان وجدت لنفسها مقعداً متميزاً في تلك المرحلة الصعبة على العالم، لذلك نطلق على سلطانها ” هيثم ” رجل الدبلوماسية الإقليمية، فهو سلطان يحمل كثيرا من السلام والود للدول العربية ولديه روح التعاون والدفع بها تجاه الدول التي تمر بعلاقات غير جيدة مع غيرها .
سياسية سلطنة عُمان الخارجية
لا يستطيع أحد أن ينكر وجود الروابط الإقليمية التي تتولد أحياناً من تحالفات اقتصادية أو عسكرية، حيث تفرض الحدود الجغرافية على الدول ذلك بشكل أو بآخر، ولكن اللافت للنظر لكل الباحثين والصحفيين المتخصصين في الشأن الدولي والعربي، هو الدور الفعال الذي تقوم به سلطنة عُمان بقيادة سلطانها ” هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد ” والذي تولى الحكم خلفًا لابن عمه السلطان “قابوس بن سعيد ” وطبقًا لوصيته، وتمت البيعة له في العاشر من يناير 2020 .
وكما قال السلطان ” هيثم ” في كلمته أثناء تولي الحكم أن السلطنة سترتسم خطى السلطان الراحل في السياسة الخارجية مؤكدا على الثوابت التي اختطها لسياسة سلطنة عمان الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار، وصدق فيما قال وأظهر ذلك بوضوح خلال هذه الفترة الماضية عن طريق الرحلات المكوكية المعلنة وغير المعلنة لسلطنة عمان من أجل دور الوساطة بين الدول وتقريب وجهات النظر، حيث كللت تلك المجهودات بالنجاح
العمانيون يصفون سلطانهم بأنه مثقف، شديد الهدوء، بالغ الحكمة، السلطان هيثم بن طارق كان الساعد الأيمن لدي السلطان قابوس رحمه الله ، وقد ذكرت وسائل إعلام عربية أنه حينما ظهرت احتجاجات شعبية عمانية في فبراير 2011 مع ثورات الربيع العربي ، نجح السلطان قابوس وابن عمه وخليفته المنتظر هيثم بن طارق في تقديم سلسة من الاجراءات الحكيمة أثرت حينها على احتواء الاحتجاجات وانتهائها ، السلطان هيثم رجل سياسي محنك له تاريخ فى المحطات الصعبة سياسيا، من بينها حل الخلاف الذي اندلع بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة في مارس عام 2011،بالإضافة إلى كثير من الموافق السياسية الصعبة .
عُمان بين واشنطن وطهران
العلاقات الأميركية الإيرانية شائكة نظرا للتوتر الدائم بينهم والذي تحرص إسرائيل على تأجيجه بصفة مستمرة من أجل مصالحها الخاصة مستغلة الملف النووي لدى إيران، وحينما توافق أمريكا على أن تلعب سلطنة عمان دور الوسيط بينها وبين إيران فأن هذا يعني أن واشنطن تعرف قوة الوسيط العماني في تقريب وجهات النظر وتحقيق نجاحات مؤكدة من خلاله.
فقد تحدثت وسائل إعلام أمريكية منها موقع ” أكسيوس” الأمريكي الشهر الماضي عن زيارة لمنسق مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى سلطنة عمان لإجراء محادثات بشأن تواصل محتمل مع إيران حول برنامجها النووي، و” بريت ماكجورك ” منسق العلاقات الأمريكي حمل مقترحاً محتملاً بإبرام اتفاق مؤقت مع إيران يتضمن تخفيف بعض العقوبات في مقابل أن تعلق إيران بعض أجزاء من برنامجها النووي، المقترح الذي قدم لسلطنة عُمان الوسيط في عملية الاتفاق، كانت نشرت عنه بعض وسائل الإعلام الأمريكية قائله أن إدارة الرئيس بايدن ناقشت مع شركائهم الأوروبيين والإسرائيليين هذا المقترح ، على الرغم من عدم الإعلان الرسمي من قبل واشنطن أومسقط عن زيارة ” بريت ماكجورك ” .
وذكر نفس الموقع ” أكسيوس ” أن مسؤولي إسرائيليين أشاروا إلى قلق إسرائيل لمحادثات التقارب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والتي يقودها الوسيط العماني وبرغم عدم نفي أحد المسؤولين في أمريكا لذلك،الا أن تقارير صحفية مختلفة تشير إلى أن البيت الأبيض يبحث عن تهدئة للوضع الإقليمي والدفع بإيران للاستجابة لفرض بعض القيود على برنامجها النووي ، وطبيعي أن توظف واشنطن كل حلفائها من أجل الملف النووي الإيراني، صحيفة ” إيران إنترناشيونال ” في تقرير لها قالت إن هناك محادثات جارية بين إيران وواشنطن لبحث مسألة الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة، تلك الأموال مجمدة في البنوك العراقية وتقدر بحوالي 10 مليارات دولار أو أكثر و7 مليارات دولارمجمدة فى كوريا الجنوبية .
لافتة إلى أن تلك الأموال نظير استيراد بغداد وكوريا للغاز والكهرباء والنفط الإيراني ولكن العقوبات الأمريكية تمنعهم من تحويل الأموال ، إن سعي سلطنة عُمان لتحقيق انفراجة قوية في وساطتها بين أمريكا وإيران أمر مستمر لتهدئة التوتر بينهم وتصريحات المسوؤلين في السلطنة على رأسهم السلطان ” هيثم ” .
مصر وإيران
زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى مصر خلال الفترة الماضية، نتائجه ناجحة على مستوى العلاقات بين البلدين سواء الاقتصادية أو الاستثمارية أو الثقافية،ونجاحه الأكبر يتبلور في تقريب وجهات النظر وتحسين العلاقات بين مصر وإيران، وقد اسفرت مساعي سلطنة عمان عن تقدم ملحوظ في العلاقات الإيرانية المصرية .
بالقطع تقدم العلاقات بين البلدين جاء بعد جولات كثيرة قامت بها وفود سياسية وعسكرية وتجارية رفيعة المستوى وتبادُل رسائل خطية بين قادة طهران ومسقط ، من بينها زيارة السلطان هيثم إلى إيران والتي جاءت بعد أيام من زيارته مصر ، وكان من أبرز تلك التصريحات ترحيب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي باستئناف العلاقات مع مصر، عند لقاء السلطان هيثم ، وأن بلاده ليس لديها أي مشكلة في “عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة في إطار التوسع في سياسات حُسن الجوار، واستغلال طاقات وإمكانات الدول الإسلامية لتعود بالفائدة على جميع شعوب ودول المنطقة”.
وبرغم من عدم التصريحات المصرية الكثيرة تجاه العلاقات مع إيران إلا أن الحكومة المصرية أعلنت عن أنها ستسمح بالبناء على المشاريع الاقتصادية المصرية الإيرانية المشتركة منذ عهد الشاه واستئناف عودة السائحين الإيرانيين لمصر للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وزيادة التبادل التجاري، والتعاون في مجال صناعة النفط، ومن المعلوم أن التوترات بين إيران ودول الخليج كانت إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون فتح باب تحسين العلاقات المصرية الإيرانية ، وبرغم قطع العلاقات رسميا بعد توقيع مصر اتفاق سلام مع إسرائيل، إلا أنها لم تكن مقطوعة بشكل كامل ودائما ما كانت هناك فتح لقنوات الاتصال الرسمية الضرورية في مجال العلاقات الدولية وبعثة رعاية مصالح لتمثيل البلدين .
السعودية وإيران
إيران أعادت فتح سفارتها في العاصمة السعودية الرياض بعد أشهر من اتفاق بوساطة عمانية عراقية ورعاية صينية بين الخصمين الإقليميين على إنهاء عدائهما المستمر منذ سنوات، هذا الصراع بين الدولتين الكبيرتين السعودية السنة وإيران الشيعية ،أدى إلى تأجيج الصراع في بعض دول المنطقة منها سوريا واليمن .
لقد غير الدور الذي لعبته بكين في تحقيق المصالحة بين الرياض وطهران قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط التي ظلت الولايات المتحدة تستخدم نفوذها الدبلوماسي والأمني على مدى عقود كانت تلعب فيها دور الوسيط الرئيسي ، وهي علامات على التغيرات التي سوف تحدث في المنطقة .
إن دخول البضائع الإيرانية إلى السعودية مطروح على جدول الأعمال، بعد أن اتفقت الدولتان على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما،الموقعة في 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998.
وعلى مدى عامين كان العراق شريك مع سلطنة عُمان وله دور كبير في محادثات التطبيع بين إيران والسعودية، حيث استضافت بغداد 5 جولات من التفاوض بين البلدين ، قبل التوقيع على اتفاق بكين بين الرياض وطهران،ووجود الرعاية الصينية ساعد على استعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بشكل كامل إلى جانب الدفع بتحسين الأجواء مع باقي دول المنطقة وفي مقدمتهم الإمارات العربية المتحدة .
إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية يعني ذلك تهدئة للأوضاع في المنطقة وتعاون ضروري في الملفات الساخنة، بعد تحسين حالة القطيعة التي استمرت لسنوات بين طهران ودول المنطقة العربية، إن إطلالة مسقط وطهران على مضيق هرمز تجعل أمن المياه الخليجية ذا أهمية قصوى بالنسبة لهم
وعلى درب تطور العلاقات الإيرانية الخليجية ودول المنطقة أعلن الجيش الإيراني،منذ فترة قصيرة على أنه بصدد الإعلان عن تحالف بحري مع دول خليجية بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق. جاء ذلك وفق وكالة أنباء ” فارس ” إلى جانب تحالفات جديدة قيد التبلور إقليميا ودوليا.
عُمان وسجناء بلجيكا
كما ذكرنا في البداية جهود السلطان هيثم لم ولن تتوقف في الدعم والدفع بعجلة السلام، بين مختلف الدول، وكان لبلجيكا إحدى دول الاتحاد الأوروبي نصيبها من جهود سلطنة عُمان، فقضية تبادل السجناء بين إيران وبلجيكا وانتهاء قضية الرعايا المتحفظ عليهم لدى البلدين، جاءت بعد مساعي سلطنة عمان التي أدت لاتفاق بين إيران وبلجيكا على إطلاق الرعايا المتحفظ عليهم في البلدين، حتى الرعايا المفرج عنهم من البلدين نقلوا من طهران وبروكسل إلى مسقط قبل عودتهم إلى بلدهم.