يوم الوطن العزيز
بقلم أ د / حسن الطيًار
الدولة الآمنة المطمئنة هبةٌ ربانيةٌ لمواطنيها، وحقٌّ على من بوأه الله ظلَّها، وأكرمه بمواطنتها أن لا يفتأ حامداً لربه، واضعاً هذه المنحة نُصْبَ عينه، لا يُخلي ساعات يومه وليله من نوع حفاوةٍ وفرحِ شكرٍ بها حسب الحال، وأهمُّ فرصةٍ لإظهار الاستبشار بها باحتفاءٍ بالغٍ لا تسعه سائر الأوقات – ذكرى يوم قيامها؛ فهو يومٌ سعيدٌ ميمونٌ له من عبق الذكر ما يُميزه، وها هي ذكرى اليوم الوطني لبلادنا الحبيبةِ، المملكة العربية السعودية تعود علينا من جديد، وها نحن نعود إلى ما أخذناه على عواتقنا من الابتهاج بها، وجعلها مرآة صدق تعكس لنا الصورة الكاملة لجهودٍ تضافرت على مدى قرون، وتعاقب على بذلها رجالٌ أكفاءٌ لا يعتري الفتور هممهم، وقد تكاملت تلك الجهود على يد أعجوبة زمانه صقر الجزيرة العربية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه -، فوحد هذه البلاد وأسس فيها مملكةً موطدة الأركان راسخة الأسس، ولي مع هذه الذكرى وقفات:
أولاً: في هذه الذكرى تسنح لنا الفرصة لنجدد الشكر لله تعالى على ما فتح لنا بواسطة هذه الدولة من أبواب الخير والعزة والرفعة والتئام الشمل، وفي مقدمة تلك النعم نعمة المواطنة في دولة اجتمعت لها عزة الدين والدنيا، وشرفها الله تعالى بكونها منارة التوحيد الخالص والتشبث بالسنة الطاهرة وتحكيم شرع الله تعالى، والتمسك بقيمنا ومبادئنا المتجذرة الضاربة بجذورها في تاريخنا، وتوليها – بجدارةٍ وكفاءةٍ-شؤون الحرمين الشريفين وتنظيم مواسم الإسلام على أتمِّ وجهٍ وأكمله، ورواج العلم فيها حتى صارت قبلة يؤمها طلبة العلم من سائر أقطار المعمورة، هذا إلى جانب اجتماع مقومات الريادة فيها مما ضمن لها مكانةً ساميةً بين الدول، واحتراماً عند الشعوب، وتلك قيمٌ معنويةٌ تغبطنا عليها الشعوب، وإزاءها نعمٌ ماديةٌ وحضاريةٌ يضيق نطاق العبارة عن وصفها، لكن لسان الحال شاهدُ عدلٍ مُفصحٌ عنها، وحِبرُنا معدودٌ منها فأنّى له أن يعدده، وتلك النعم لا تستمد الوضوح من أحدنا لو لهج لسانه بذكرها، بل هو المستفيد من خلال ذلك البرهنة على أنه ممن يتحدث بنعمة ربه على الوجه المشروع، كما أنها لا يخشى عليها الخمول لو جحدها جاحدٌ فسكت عنها؛ لأن الشمس لا تُحجب، وإذا بزغت لم يحتج المبصرون لمن ينادي ويخبرهم ببزوغها، فهي تُنبئُ عن نفسها بنفسها، وأوضح من الشمس في عِزِّ الظهيرة مكتسبات هذا الوطن المبارك ومقدراته وغبطة المجتمعات الأخرى لمواطنيه أدام الله ذلك وزاده.
ثانياً: قيادة الأمة حصنها الحصين وصمام أمانها بإذن الله تعالى، ولا تزال الأمة بخير ما انضوت إلى ظلِّ ذلك الحصن واحتمت به، ولا يبتعد عن الحصن الذي تمثله القيادة إلا مَفتونٌ ستنهشه ذئاب الفتن كما تنهش الذئاب قاصية الغنم، واليوم الوطني تذكيرٌ لنا بأهمية قيادتنا وجميل أثرهم علينا، وتحفيز على التصميم الجازم على الالتفاف حول قيادتنا المباركة، فلم يكن لينساق لنا ما انساق من النعم إلا بفضل من الله ورحمة ثم ببركة التزام الجماعة والسمع والطاعة لولاة أمرنا، ولم يزل أثرهم محموداً ملموس البركة منذ اللبنات الأُوَل للدولة السعودية، وكلما عظمت التحديات انبرى للقيادة كُفءٌ فذٌّ من هذا البيت المبارك، فواجه الصعاب بحزمٍ وعزمٍ بالغين، ونحن اليوم نشكر الله تعالى على أن قيض لنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين محمد بن سلمان – حفظهما الله تعالى -، ولا يخفى على ذي عينين ما جنبنا الله تعالى من المصاعب بفضله تعالى ثم بحنكتهما وحكمتهما.
ثالثاً: الوطن العزيز الذي يعيش فيه الإنسان بكرامة وصيانة جزء من كرامة كل مواطنٍ عاقلٍ، فيغار عليه ويصونه كما يصون كرامته، ويراعي مصلحته قبل مصلحته الخاصة؛ لإدراكه أن مصلحة الوطن إذا تحققت فستحقق مصلحة كل مواطن، وإذا تضررت فستتضرر مصالح الجميع، فمراعاة المصلحة الخاصة على حساب مصلحة الوطن قصورُ نظرٍ، ومن أقدم على خيانة وطنه وشقِّ عصا طاعة ولي أمره فقد أوضح للناس أنه لا تهمه الكرامة، وأنه يرضى لنفسه بالهوان مقابل أوهام تخيلها لا خطام لها ولا زمام، وإن تعجب فاعجب ممن هانت عليه كرامته وديانته فشذ عن الجماعة، ولكن ظل يدعي أنه ينطلق من غيرةٍ دينيةٍ، مع إقدامه على خرق الميثاق الذي يبايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فعن عُبَادَةَ بن الصامت – رضي الله تعالى عنه – قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ، أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» متفق عليه
نقلا عن صحيفة الرياض