دراسات

الموارد المالية لحزب النور المصري … بين اللائحة الداخلية والواقع الفعلي

د. محمد فتحي حصَّان  

  لا يمكن أن تقوم الأحزاب السياسية بممارسة وظائفها في النظم الديموقراطية دون توافر التمويل اللازم للقيام بهذا الدور، وعند توافر مصادر التمويل يجب أن تعلن الأحزاب عن مصادر هذا التمويل وأوجه صرفه. فالأحزاب تحتاج للتمويل لإنشاء مقار ومكاتب بجميع أنحاء الجمهورية، ولتعيين الكوادر البشرية، وإدارة الأنشطة اليومية للحزب، بالإضافة إلى تمويل الحملات الاعلانية والمؤتمرات الانتخابية عند مشاركة الحزب في الانتخابات العامة …الخ.

  فمنذ الوهلة الأولي لظهور فكرة تأسيس حزب سياسي في مصر تكون قضية التمويل حاضرة، حيث اشترط قانون الأحزاب السياسية نشر أسماء المؤسسين الخمسة آلاف في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة المؤسسين، فضلاً عن تحرير خمسة آلاف توكيل في الشهر العقاري.

  ورغم أن مشكلة ضعف التمويل تعد من أبرز المشكلات التي تعاني منها أغلب الأحزاب السياسية في مصر، الا أنه بصفة عامة لا تتوافر معلومات دقيقة ورسمية حول حجم التمويل ومصادره وأوجه انفاقه داخل تلك الأحزاب حيث يرى القائمون عليها أن تلك الأمور من الشئون الداخلية للأحزاب.  

  وتتعقد إشكالية التمويل في الأحزاب ذات المرجعية الدينية ؛ حيث ينظر القائمون عليها إلى أن عضوية تلك الأحزاب هو مِن التعاون على البر والتقوى، ففي اجابته على سؤال : هل الانضمام إلى حزب النور من التحزب المذموم المنهي عنه أم هو مباح؟ ، أجاب الشيخ ياسر برهامي بأن الانضمام للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية خاصة التي ينتمي القائمون عليها للمنهج السلفي بغرض السعي إلى إقامة الدين، وما يمكن مِن الواجبات الشرعية، والمحافظة على الهوية الإسلامية للأمة؛ هو مِن التعاون على البر والتقوى، وإنما التحزب المذموم هو الإعانة على الجاهلية وإقامة دعواها.

 كما أصدرت الدعوة السلفية بياناً في 30 ديسمبر 2012 بعنوان: “حزب النور هو الذراع السياسي الوحيد للدعوة السلفية”، ورد به أن أفراد الدعوة السلفية يبذلون من وقتهم وجهدهم وأموالهم في دعم حزب النور؛ لأنه الأداة السياسية لدعم منهجهم الإصلاحي الذي يتبنونه، وحثت الدعوة السلفية جميع أبنائها على الاشتراك في حزب النور من باب الدعم المادي للحزب في حملته الانتخابية المقبلة.

  فما هي مصادر تمويل الأحزاب السياسية في مصر وفقا لقانون الأحزاب السياسية؟، وهل أجاز هذا القانون للأحزاب السياسية استثمار أموالها في مشروعات تجارية أم لا؟، وما هي القيود المفروضة على تمويل تلك الأحزاب؟، وما هي مصادر تمويل حزب النور السلفي؟ وهل يقوم الحزب بنشر بيانات مصادر التمويل واوجه الانفاق؟  .

مصادر تمويل الأحزاب السياسية في مصر وفقا لقانون الأحزاب السياسية:

 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 28 مارس 2011 المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، ووفقا لهذا المرسوم بقانون يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي علانية مبادئ الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله.

كما تشمل إجراءات تأسيس الأحزاب السياسية أن يقدم الإخطار بتأسيس الحزب كتابة للجنة الأحزاب مصحوبًا بتوقيع خمسة آلاف عضو من أعضائه المؤسسين مصدقًا رسميًا على توقيعاتهم، ويرفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب، وبصفة خاصة نظامه الأساسي ولائحته الداخلية وأسماء أعضائه المؤسسين، وبيان الأموال التي تم تدبيرها لتأسيس الحزب ومصادرها …

وتتكون موارد الأحزاب السياسية من اشتراكات، وتبرعات الأشخاص الطبيعيين المصريين، وكذلك من حصيلة استثمار أمواله في الأوجه غير التجارية التي يحددها نظامه الداخلي، ولا يعتبر من الأوجه التجارية استثمار أموال الحزب في إصدار صحف أو استغلال دور للنشر أو الطباعة إذا كان هدفها الأساسي خدمة أغراض الحزب. وتعفى المقار والمنشآت المملوكة للحزب وأمواله من جميع الضرائب والرسوم العامة والمحلية.

قيود تمويل الأحزاب السياسية في مصر وفقا لقانون الأحزاب السياسية:

وفقا لقانون الأحزاب السياسية لا يجوز للأحزاب قبول أي تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبي أو من جهة أجنبية أو دولية أو من أي شخص اعتباري ولو كان متمتعاً بالجنسية المصرية. وتلتزم الأحزاب بأن تخطر الجهاز المركزي للمحاسبات بما تتلقاه من تبرعات وبالبيانات الخاصة بالمتبرعين في نهاية كل عام، ولا تخصم قيمة التبرعات التي تقدم للأحزاب من وعاء أي ضريبة.

ولا يجوز صرف أموال الأحزاب إلا على أغراضها وأهدافها طبقاً للقواعد والإجراءات التي يتضمنها نظامها الداخلي، ويجب على الأحزاب أن تودع أموالها في أحد المصارف المصرية وأن تمسك دفاتر منتظمة للحسابات تتضمن إيرادات الحزب ومصروفاته طبقاً للقواعد التي يحددها نظامه الداخلي، ويتولى الجهاز المركزي للمحاسبات بصفة دورية مراجعة دفاتر ومستندات حسابات إيرادات ومصروفات الأحزاب وغير ذلك من شئونها المالية وذلك للتحقق من سلامة موارد الأحزاب ومشروعية أوجه صرف أموالها، وعلى الأحزاب أن تُمكن الجهاز من ذلك. وعلى الجهاز إعداد تقرير سنوي عن كافة الأوضاع والشئون المالية للأحزاب وإخطار رئيس لجنة الأحزاب بهذه التقارير.

وتعتبر أموال الأحزاب في حكم الأموال العامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات كما يعتبر القائمون على شئون الأحزاب والعاملون به في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام القانون المذكور، وتسري عليهم جميعاً أحكام قانون الكسب غير المشروع.

مصادر تمويل حزب النور وفقا للائحة الداخلية للحزب:  

وفقا للائحة الداخلية لحزب النور فان الموارد المالية للحزب تتكون من رسوم انضمام الأعضاء، واشتراكات الأعضاء الشهرية والسنوية حيث يلتزم العضو بدفع اشتراك سنوي (120) جنيها مقدما أو على أقساط شهرية، بالإضافة الى تبرعات الأعضاء وتبرع غيرهم من الاشخاص الطبيعيين المصريين، والأنشطة غير التجارية طبقا لقانون الأحزاب كجريدة الحزب.

ولا يجوز إنفاق أموال الحزب في غير أغراض الحزب ونشاطه، ولا يجوز تحصيل أي أموال أو تبرعات من جهات أجنبية، كما لا يجوز تحصيل أي أموال من الأفراد الا بموجب ايصالات معتمدة ومختومة بخاتم الحزب، وتودع أموال الحزب لدى البنك الوطني للتنمية وبنك البركة بالقاهرة وفروعهما بالأقاليم.

الإدارة المالية لأموال حزب النور:

وفقا للائحة الداخلية للحزب يكون أمين صندوق الحزب ومساعدوه مسئولون مباشرة أمام رئيس الحزب عن الشئون المالية، ويتولى أمين الصندوق وأمين الصندوق المساعد تكوين إدارة مالية بالمقر الرئيسي، وله أن ينشئ فروعا لها بالمحافظات عند الحاجة ويشرف على عملها في امساك الدفاتر المالية والمحاسبية للحزب وعمل دورة مستنديه للصرف من أي أموال للحزب، كما يقوم بالإشراف على عمل خزينة الحزب والحسابات المفتوحة بالبنوك المصرية ومتابعتها ومتابعة استثمار أموال الحزب في غير الأوجه الإدارية ، ويكون أمناء الصندوق بالمحافظات مسئولون مباشرة أمام رئيس الحزب عن الأموال المحصلة محليا لحساب الحزب طبقا للائحة المالية والتعليمات والنظم التي تصدر في هذا الشأن بعد إقرارها من الهيئة العليا للحزب.

ويكون لأمين الصندوق الحق في الصرف من أموال الحزب المودعة في البنك، ويجب أن يوقع رئيس الحزب أو نائبه السكرتير العام على إذن الصرف أو الشيك مع توقيع أمين الصندوق أو أمين الصندوق المساعد، ويتم امساك دفاتر منتظمة للحسابات تتضمن إيرادات الحزب ومصروفاته تحت اشراف ومراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات.

كما تقوم الهيئة العليا للحزب بالتنسيق مع لجنة التخطيط والمتابعة واللجنة المالية المختصة ببحث ودراسة ما يتعلق بالشئون المالية للحزب بمختلف مستوياته وعلى الأخص الموضوعات التالية:

دراسة السياسة المالية للحزب

دراسة مشروع الموازنة المالية للحزب وعرضها على المجلس الدائم لإقرارها.

دراسة طلبات فتح اعتمادات إضافية بالموازنة المالية للحزب أو النقل من باب لآخر بها وإقرار ذلك.

دراسة وإقرار الهيكل التنظيمي للجهاز المالي للحزب ونظام توزيع للعمل وتحديد الاختصاصات لهذا الجهاز وذلك بناء على ما يعرضه أمين الصندوق.

دراسة اللائحة المالية التفصيلية للحزب وأية لوائح تفصيلية أخرى ترتبط بالشئون المالية والتي يشرف على وضعها أمين الصندوق وعرضها على المكتب السياسي لإقرارها.

دراسة تقارير التفتيش المالي والمراجعة الداخلية والمتابعة التي تقدم اليها من أمين الصندوق وذلك بهدف استخلاص أفضل السبل لعلاج ما قد ينشأ من مشاكل ووضع الحلول المناسبة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتامين أموال الحزب.

دراسة ميزانية الحزب المعدة في نهاية كل سنة مالية والحسابات الختامية وتقارير أجهزة الرقابة المالية الخارجية وإقرارها والتصديق عليها تمهيدا لعرضها على الجمعية العمومية للحزب للتصديق.

اتخاذ الإجراءات اللازمة في شأن ما قد تتضمنه تقارير أجهزة الرقابة المالية الخارجية من ملاحظات أو توصيات.

   وفي النهاية يجب التأكيد على أنه بالرغم من أن اللائحة الداخلية لحزب النور تحدد مصادر الموارد المالية للحزب وأوجه إنفاق أموال الحزب في أغراض الحزب ونشاطه، وتُخضع كل ذلك لإشراف ومراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات ، الا أنه على أرض الواقع لا يوجد شفافية فيما يتعلق بالإعلان عن حجم ومصادر التمويل ولا بأوجه الانفاق، وليس حزب النور في ذلك مختلفاً عن بقية الأحزاب السياسية المصرية التي تعتبر ذلك من الشئون الداخلية لها، ومن ثم فان الأمر يتطلب تدخل لجنة شئون الأحزاب لإلزام جميع الأحزاب باتباع إجراءات الشفافية فيما يتعلق بالإعلان عن حجم ومصادر التمويل والتبرعات وأوجه الانفاق ونشرها على مواقعها بشبكة الانترنت، كما يتطلب الأمر أن يقوم الجهاز المركزي للمحاسبات بنشر التقرير السنوي الذي يعده بشأن الأوضاع والشئون المالية للأحزاب السياسية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى