
أبرز الملفات على طاولة أردوغان في ولايته الجديدة
السيد الربوة
هل حقاً بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فى الانتخابات الرئاسية التركية وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية أيضاً يعني مزيدا من عدم الاستقرار الاقتصادي في تركيا ؟ كما ذكر بعض المحللين والخبراء الغربيين والعرب أُثناء فترة الانتخابات وبعدها ، الحقيقة إنني أختلف مع تلك الارآء وأتوقع أن يستخدم أردوغان سياسية المصالح وتغيير كبير في حقيبة الحكومة التركية، مما يؤدي إلى انتعاشة اقتصادية ربما لن تكون بالشكل الكبير ولكنها سوف تكون تقدماً ملحوظاً على الجانب الاقتصادي وقد يعود ذلك بصورة كبيرة على المواطن التركي.
إن الرئيس التركي بلا شك لديه تحديات كبيرة خلال الفترة الحالية أهمها الملف الاقتصادي الداخلي وظهور معارضة قوية تستخدم ذلك الملف في كل حين، إلى جانب تحدي خاص بملفات السياسة الخارجية التركية والتي نجح فيه أردوغان بشكل جعل من تركيا دولة كبيرة تستطيع أن تواجه مختلف التحديات الخارجية،وخلال السطور القادمة سوف نلقي الضوء على ما يحمله أردوغان في حقيبته لتركيا والعالم .
الملف الاقتصادي التركي :
تدخل تركيا منذ سنوات بين الحين والآخر في تغيرات اقتصادية تؤثر على عملتها المحلية مما يؤدي إلى إنعاكس على معيشة المواطن التركي،وقد سعي أعضاء تحالف المعارضة المكون من 6 أحزاب في تركيا من تحقيق النصر على أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وكان سلاحهم الأول في الانتخابات الملف الاقتصادي الداخلي، تحت شعارات مختلفة من بينها ” من أجل استعادة الثقة الدولية بالاقتصاد التركي والعودة إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية ” تلك الأحزاب لقت دعم إعلامي غربي ومن بعض العرب وعلى الرغم من ذلك لم تستطع الأحزاب تحقيق ما كانت تريده .
إن السياسة التي ينتهجها الحزب الحاكم للعدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي أردوغان استطاعت أن تجعل تركيا تحتل المرتبة الـ 19 بين أكبر الاقتصاديات في العالم، وفقًا للبنك الدولي،وعلى الرغم من ذلك فإن التحدي الأكبر في الملف الداخلي بالنسبة لأردوغان هو إنهاض الاقتصاد ومكافحة التضخم بهدف تحسين القوة الشرائية لدى الشعب ، ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة قبل قرن من الزمان، أن أردوغان يعد أقوى زعيم لتركيا وقد عمل أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي على إبعاد تركيا عن مخطط أتاتورك العلماني .
ويرتبط الملف الاقتصادي التركي الداخلي بقدرة تركيا على إقامة تحالفات خارجية قوية مع الدول الغنية والكبرى، لذا سوف يحرص أردوغان خلال الفترة الحالية والقادمة هو وحكومته من إعادة هيكلة كاملة للعلاقات الخارجية الدولية بشكل كامل ، ولقد بدأ بالفعل قبل الانتخابات بعدة شهور .
العلاقات التركية الخليجية :
ربما يكون توتر العلاقات بين بعض دول الخليج وتركيا أخذ شقاً بعيداً خلال السنوات الماضية ، إلا أن أردوغان يعلم أن توثيق العلاقة مع دول الخليج ككل أمر مهم بالنسبة لعجلة الاقتصاد التركية سواء كان على جانب التصدير لهم أو ضخ الاستثمارات الخليجية في تركيا أو دعم السياحة من خلال الوفود الخليجية إلى تركيا ، فبحسب البيانات الصادرة عن وزارة التجارة التركية عام 2022، بلغت الصادرات التركية إلى دول الشرق الأوسط والخليج العربي بلغت أكثر 24 مليار دولار .
دولة الإمارات العربية المتحدة بلغ نصيبها من صادرات تركيا إليها في يونيو 2022ما يقدر بمليارين و539 مليون دولار، ليجعلها تحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول العربية المستوردة من تركيا، المملكة العربية السعودية لها نصيب كبير أيضاً في عام 2022 من صادرات المنتجات التركية إليها، حجم الصادرات التركية لدولة قطر أيضاً في زيادة مستمرة كل عام وباقي الدول الخليجية كالمثل .
والجديد الذي ظهر بعد فوز أردوغان هو ما ذكرته صحيفة ” بلومبرج الأمريكية ” عن اجتماع بين شركة أرامكو ، عملاق النفط السعودي ، مع ممثلين عن 80 شركة مقاولات تركية في العاصمة أنقره لمناقشة مشروعات بقيمة 50 مليار دولار ، كما كشفت الإمارات عن اتفاقات بقيمة 40 مليار دولار مع تركيا خلال السنوات الخمس المقبلة ، إن دول الخليج تعلم أنها حتى لو اختلفت مع أردوغان ، أنها تتعامل مع منظومة علمية تتطور بشكل مستمر وفق منظر تخطيطي وإنجازي يضع الشفافية أمام الجميع وأصبحت لها كلمة مسموعة ودور مؤثر في الملفات العالمية والأقيلمية .
تركيا والأتحاد الأوروبي :
تصف تركيا نفسها بأنها أحد أفراد العائلة الأوربية، وأن تأثير التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاجتماعية التي شهدتها القارة الأوربية تأثرت وأثرت بها ، وقد يتحول ترشح تركيا لعضوية الاتحاد الأوربي والذي يماطل تركيا منذ 50 عامًا عليه ، إلي عضو أساسي خلال السنوات القادمة ، خاصة مع بحث وإيجاد تركيا لبدائل ، وما زال يعيش العالم حالة الحرب التي بدأت مع هجوم روسيا على أوكرانيا وجعلته واقعًا تحت تأثيرها خاصة مع بدايتها ، وقد قدمت تركيا بقيادة أردوغان دور قيادي مميز في مسألة ” القمح ” المصدر لدول العالم ، من خلال العلاقة التي تربطها بروسيا ، وقد نجحت تركيا في الحفاظ على حوارها مع جميع الأطراف .
موقع تركيا الجغرافي قرب أوروبا هو ميزة نظرا إلى ارتفاع في كلفة الشحن البحري ، إضافة إلى أن تركيا تبعد ثلاثة أيام فقط في الشاحنة عن أوروبا الغربية ، وهو ما دفع شركات أوربية إلى تقليل اعتمادها على آسيا ، وقد نشرت دراسة لمجموعة ” مكنزي” للاستشارات في نوفمبر 2022، تشير إلى أن تركيا تعد الدولة الثالثة بين الدول التي لديها أفضل إمكانات لتوريد المنسوجات بحلول العام 2025، بعد بنغلادش وفيتنام لكن متقدمة على إندونيسيا والصين وأن تركيا تقدم “تكاليف إنتاج .
وقد بلغت قيمة صادرات السيارات من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من 20 مليار دولار في 2022، بحسب الوكالة الرسمية، وبحسب جميعة ” أولوداغ التركية ” لمصدري صناعة السيارات وبحسب البيانات زاد قطاع صناعة السيارات التركية صادراته بنسبة 5.7 في المئة لتصل إلى حوالي 31 مليار دولار، ووفقاً لبيان نشرته وكالة الأنباء التركية فإن تركيا تصدر سيارات بمختلف أنواعها لـ 170 دولة حول العالم الاتحاد الأوروبي يتصدر القائمة المستوردة للسيارات التركية ، وسوف تشهد المرحلة القادمة انتعاش اقتصادي متبادل بين الأتحاد الأوربي وتركيا .
تركيا والثروات الطبيعية :
قبل الانتخابات التركية بعدة أسابيع بشّر أردوغان 85 مليون مواطن تركي بتوفير الغاز الطبيعي الذي يستهلكه المواطنون في مطابخهم ولتسخين المياه مجانا لمدة عام، وكانت تركيا اكتشفت كميات من الغاز قبالة سواحلها احتياطيات في البحر الأسود بلغت 710 مليارات متر مكعب ، وقد أعلن بدوره وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن الغاز الطبيعي المستخرج من البحر الأسود يكفي كل منازل البلاد لمدة 35 عاما، ولفت إلى أن تركيا أشعلت اليوم الشرارة الأولى على طريق اكتفائها الذاتي من الطاقة ، وتخطط السلطات التركية لتغطية 30% من احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي.
كما ذكرت سابقاً فإن موقع تركيا الجغرافي يساعدها دوماً في مساعيها الاستثمارية، حيث يتميز من روسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا والبلقان والقوقاز، الأمر الذي يعطيها سهولة في تصدير الموارد الطبيعية الخام أو المصنعة بكلفة قليلة نسبياً ، وقد تحولت تركيا إلى مصدِّر أساسي للموارد الطبيعية على الصعيد العالمي،وفتحت أسواقها للاستثمارات الأجنبية المتعلقة بقطاع التنقيب عن الموارد الطبيعية واستخراجها، زادت نسبة أرباح تركيا من هذا القطاع، كما خلقت وظائف جديدة للمواطنين ، إن حقول الذهب والفحم والنحاس والحديد والفضة كثيرة الوجود فيها، لذا سوف نشهد خلال المرحلة المقبلة تطورا في ملف الاستثمارات الدولية على الأراضي التركية في قطاع الثروات الطبيعية .
مرحلة المصالحة مع الجميع :
سوف نشهد تغييرا كليا إيجابيا في ملف العلاقات التركية مع الدول التي شهدت توتورا في السنوات الماضية، من بينها مصر وربما علاقة تركيا مع الأسد أيضا، وقد ذكرت في البداية مدي تطور العلاقة بين بعض دول الخليج وبالتحديد الإمارات والمملكة العربية السعودية من فطور وتوتر إلى علاقة إيجابية تتطور باستثمارات اقتصادية كبيرة داخل تركيا ، بل ربما نشهد تغيرا فى المشهد التركي نحو جمهورية قبرص واليونان بالقطع مع حفاظ تركيا على حقوقها الاقتصادية ، والتى دخلت فيها تركيا لخلاف مع قبرص لسنوات حول نطاق مناطقهما الاقتصادية الخالصة والذي بدأ ظاهرياً بعد التنقيب عن النفط والغاز ، حيث تطالب تركيا بجزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص استنادًا إلى تعريف تركيا بأنه لا يمكن لجزر ومنها قبرص أن يكون لها 200 ميل بحري كامل المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرح بها للدول الساحلية .
خلال الفترة الماضية لم يتوقف الحديث عبر وسائل إعلام دولية وتركية محلية عن ذكر الحكومة التركية لاتفاق محتم مع القاهرة في شأن تعيين الحدود البحرية بين البلدين وإنهاء القطيعة في العلاقات ، التي تتطور بالفعل بعد تبادل الزيارات بين وزراء الخارجية لكلا البلدين وفي تصاعد مستمر ، ولا أعتقد أن مصر ترفض توقيع اتفاقات مع كل دول شرق المتوسط لما يمثله ذلك من مصلحة للجميع ، من أجل الاستفادة المصرية من ثروات المنطقة تحت غطاء مظلة قانونية ، إن تحسن علاقات تركيا ومصر في الفترة الماضية سهل على الأطراف الليبية المتحاربة تهدئة الصراع علي الأراضي الليبية ، بالإضافة إلى الملفات الاقتصادية التى تربط مصروتركيا ، و تجدر الإشاره إلى أن الصادرات التركية إلى مصر وصلت إلى مستوى قياسي بعد تسجيلها 2.8 مليار دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2022، في تصاعد نمواً بنسبة 17% .
وبالنسبة لعلاقة تركيا مع الأسد ، وبرغم من أنه حين بدأت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، دعم أردوغان المعارضة وجهودها والتي لم تصل مباغتها في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ونزح ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا والذين وصل عددهم إلى نحو 6 ملايين لاجئ سوري، كما أمس للمقاتلين الأكراد وجود على الحدود وشكل ذلك عبء كبير على الدولة التركية ، بدأ أردوغان في تغيير محور تركيزه، وعمل مع أكبر دولتين داعمتين للأسد الأسد إيران وروسيا ، من أجل توازن للأمور واحتواء الصراع بشكل ما في بعض الأحيان.
إن حضور الملف السوري على طاولة الحكومة التركية كإحدى الأولويات على أجندتها، وقد حضر رؤساء أجهزة مخابرات دول تركيا وروسيا وسوريا في موسكو ديسمبر 2022 ، وبعدها بفترة لمح إلى أنه إمكانية أن يلتقي الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً، وعلى الرغم من أن الاجتماع لم يحدث إلى الأن الا انني اتوقع انفراجه ايجابيه فى الملف السوري التركي.