
قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب …الأسباب والغايات
د. محمد فتحي حصّان
تنفق وزارة الصحة سنوياً ما يقرب من ربع مليار جنيه على الأمصال واللقاحات اللازمة لحالات العقر التي يتعرض لها المواطنون، وقد نشرت الجريدة الرسمية في العدد رقم 21 مكرر (أ) الصادر في 29 مايو الماضي القانون رقم ٢٩ لسنة ٢٠٢٣ بشأن تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، فما هي الظواهر والأسباب التي أدت الى الحاجة لإصدار مثل هذا القانون ؟، وما هي أهدافه؟، وما هي أهم ملامحه، هذا ما سنحاول توضيحه في العرض التالي.
خطورة وتكلفة ظاهرة الكلاب الضالة:
كشف تقرير رسمي صادر عن الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة عن وجود ارتفاع في عدد حالات العقر الآدمية بسبب الكلاب الضالة خلال الفترة من 2014 وحتى 2017، حيث بلغت عام 2014 عدد 300 ألف حالة، ارتفعت إلى 324 ألف حالة عام 2015، ثم 370 ألف حالة عام 2016، ثم 398 ألف حالة عام 2017. وأشار التقرير إلى الارتفاع المتواصل في عدد حالات الوفيات بسبب الإصابات بالعقر، حيث بلغ 52 حالة عام 2014، ثم ارتفعت إلى 55 حالة وفاة عام 2015، ثم 59 حالة وفاة عام 2016، ثم 65 حالة وفاة عام 2017.
أهمية قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب:
وفقا لتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الـزراعـة والري والأمـن الغذائي والثـروة الحيوانية، ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعيـة بمجلس النواب، فان القانون يهدف إلى وضع إطار تشريعي للتعامل مع بعض الظواهر التي شهدها المجتمع المصري في الفترة الأخيرة ذات الصلة بالتعامل مع الحيوانات الخطرة والتي تلحق الأذى بالإنسان. كما يهدف إلى وضع تنظيم لحيازة الكلاب غير الخطرة وإيجاد الحلول المناسبة للتعامل مع الحيوانات الضالة، وكذلك وضع إطار لحمايتها ورعايتها صحيًا وغذائيًا يما يحقق الحفاظ على الصحة العامة وسلامة المواطنين وفقًا للمعايير الدولية.
كما تضمن التقرير الإشارة الى ما شهده المجتمع المصري خلال الفترة الماضية عددًا من الحوادث التي سببتها بعض الحيوانات ومنها الكلاب وخاصة الأنواع المشهورة بشراستها سواء كانت بصحبة حائزها أو أثناء تجولها حرة بالحدائق والمتنزهات أو الأبنية السكنية أو الفندقية دون اتخاذ حائزها أو مصطحبها الإجراءات والتدابير التي توفر الحماية والأمن للآخرين، وقد أسفرت هذه الظاهرة عن إصابة عدد كبير من المواطنين بإصابات كادت أن تودي بحياتهم، فضلًا عن انتشار ظاهرة اقتناء الحيوانات المفترسة مثل الأسود والنمور وفصائل القردة وغيرها من الحيوانات الخطرة وعدم اتخاذ حائزيها الحيطة والحذر في التعامل معها وتركها طليقة مما أدى إلى هروبها وانتقالها للتجول من مكان لآخر مما أثار الذعر بين المواطنين.
وتابع تقرير اللجنة أنه تم رصد ظاهرة انتشار الكلاب الضالة بالشوارع والميادين دون حماية أو رعاية صحية مما تسبب في زيادة حالات العقر حتى وصلت إلى نحو ما يقرب من 400 ألف إصابة مما حمل الموازنة العامة للدولة بأعباء مالية ضخمة لاستيراد مصل السعار وارتفاع عدد الوفيات مما يمثل إهدارا للطاقة البشرية فضلًا عما تسببه كلاب الشوارع من تلوث بيئي وسمعى ناتج عن نباحهم وخلق حالة من الفزع للمارة.
وأضاف التقرير أن القانون يأتي في إطار رصد هذه الظواهر وأثرها السلبي على المجتمع المصري، وفى إطار عدم تصدى التشريعات القائمة لهذه الظواهر المجتمعية وخلوها من نصوص تنظيمية لها لتنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب وتداولها وإكثارها وتفشي ظاهرة استخدامها لترويع المواطنين وعدم اتباع أساليب علمية للحد من ظاهرة تزايد أعداد الكلاب الضالة وعدم الأخذ بتجارب الدول المتقدمة في هذا المجال وغياب الوعي للتعامل معها وبما يتوافق مع معايير منظمات الصحة الحيوانية العالمية وجمعيات الرفق بالحيوان.
أهم ملامح القانون:
ألزم القانون المخاطبون بأحكامه بتوفيق أوضاعهم وذلك خلال مدة لا تجاوز سنة من تاريخ صدور لائحته التنفيذية ، كما ألزم حائز الحيوان الخطر في الحالات التي لا يجوز ترخيصها وفقًا لأحكـام القانون بتسليمه إلى الهيئة العامة للخدمات البيطرية خلال شـهر مـن تـاريخ صدور اللائحة التنفيذية للقانون ، وذلك وفقًا للضوابط والإجراءات التي تحـددها اللائحة ويجوز مد المدتين المشار إليهما بالفقرتين الأولى والثانية من هـذه المـادة لمـدة واحدة مماثلة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض من الوزير المخـتص بشئون الخدمات البيطرية.
وقد اشتمل القانون على (27) مادة مقسمة على خمس فصول، وقد تضمن (الفصل الأول) التعاريف الخاصة بالقانون وأهمها تعريف الحيوانات الخطرة حيث أرفق لها جدول محدد به تلك الحيوانات التي تلحق نوعا من الأذى أو الضرر بالإنسان أو بالحيوان، كما عرف القانون الحيوان الضال: وهو الحيوان غير المملوك وغير الخاضع لسيطرة ورعاية أي حائز، ويوجد في موقع ما معتمدا على ذاته، أما الحيوان المتروك: فهو الحيوان الذي يتجول بحريته خارج مكان إيوائه بدون قيد وإشراف من حائزه ولو كان يملك معرفة الرجوع إلى مكان حيازته وإيوائه.
أما (الفصل الثاني) فقد تناول حيازة الحيوانات الخطرة، حيث حظر القانون حيازة أو تداول أو إكثار أي من الحيوانات الخطرة ، الا انه أجاز ذلك للوزارات والهيئات العامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة والمؤسسات البحثية العلمية التي تقتضى طبيعة عملها التعامل مع الحيوانات الخطرة ، وحدائق الحيوان والمتنزهات الحيوانية والسيرك والمراكز المتخصصة في رعاية وإيواء الحيوانات ، بعد الحصول على ترخيص من السلطة المختصة ، كما ألزم حائز الحيوانات الخطرة بتوفير الرعاية البيطرية لها وعلى الأخص تحصينها ضد الأمراض التي يحددها الوزير المختص بناءً على عرض السلطة المختصة، والإمساك بسجلات تتضمن التاريخ الطبي لها يتم اعتمادها من السلطة المختصة، كما يلتزم بتوفير أماكن إيواء آمنة ومناسبة للحيوانات الخطرة وفق الاشتراطات التي تحددها السلطة المختصة، وإطعامها بالغذاء المناسب وبكميات كافية.
ونص القانون على أن تصدر السلطة المختصة لكل حيوان خطر يولد شهادة تتضمن البيانات الخاصة به، وتسلمها لحائز الحيوان متى توافرت شروط الحيازة المحددة باللائحة التنفيذية لهذا القانون، وتعتبر هذه الشهادة بمثابة ترخيص بالحيازة.
أما ( الفصل الثالث ) فقد تناول مسألة حيازة الكلاب ، حيث حظر القانون حيازة الكلاب بدون ترخيص من السلطة المختصة ، كما ألزم السلطة المختصة بإنشاء سجلات ، إلكترونية أو ورقية ، بأرقام مسلسلة لقيد الكلاب المرخص بحيازتها ، على أن يتضمن هذا السجل جميع البيانات المتعلقة بالكلب وحائزه ، وعلى الأخص اسم الحائز ومحل إقامته وأوصاف الكلب وعلاماته المميزة والتحصينات الدورية والوبائية المشتركة ، ويُسلم حائز الكلب فور ترخيصه علامة تعريفية تحمل الرقم المسلسل ، وعليه أن يثبتها في رقبة الكلب بصفة دائمة، وإذا فقدت وجب عليه أن يطلب علامة تعريفية جديدة فورًا مقابل أداء تكلفتها. كما أوجب القانون أن تكمم الكلاب وتقيد بقلادة مناسبة بحيث يتم السيطرة عليها، وذلك أثناء التنزه أو عند اصطحابها خارج حدود أماكن إيوائها، وفى جميع الأحوال، لا يجوز أن يقل سن مصطحب الكلاب عن ثمانية عشر عامًا.
أما (الفصل الرابع) فقد تناول العقوبات المختلفة المترتبة على مخالفة أحكام هذا القانون، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، والملاحظ أن القانون لم يتعرض لفرض عقوبات فيما يتعلق بجريمة القتل أو الإضرار بالحيوانات التي يتعرض لها وترك المجال في هذا الشأن لقانون العقوبات أو أي قانون آخر.
أما (الفصل الخامس) فقد تناول أحكام عامة تشمل منح الموظفين الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص صفة مأموري الضبط القضائي في إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات الصادرة تنفيذًا له، وذلك في نطاق اختصاص كل منهم.
كما ألزم القانون في هذا الفصل أن تتخذ السلطة المختصة في حدود إمكانيات الدولة المتاحة وبالتنسيق مع الجهات المعنية التدابير والإجراءات اللازمة لمجابهة الحيوانات الضالة أو المتروكة التي تشكل خطرًا على الإنسان أو الحيوان، وذلك بمراعاة معايير وتوصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية وغيرها من المنظمات الدولية المتخصصة ، كما ألزم اتحادات الشاغلين بالعقارات المبنية والتجمعات السكنية المتكاملة أو من يقوم فعليًا بأعمالها والمنشآت الفندقية بعدم السماح بدخول أو اصطحاب الحيوانات الخطرة أو الكلاب غير المرخص بحيازتها بتلك العقارات أو التجمعات السكنية أو المنشآت بحسب الأحوال. وفى جميع الأحوال، يتعين إبلاغ السلطة المختصة لاتخاذ التدابير والإجراءات.
وفي النهاية فإنه بالرغم من أن القانون قد تضمن نصوصا مهمة تتعلق بتوفير الرعاية البيطرية للحيوانات الخطرة والكلاب وعلى الأخص تحصينها، كما تضمن نصوصا للحفاظ على الصحة العامة، ومواجهة ظاهرة الحيوانات الخطرة وتنظيم تراخيص الكلاب، الا أن تفعيل هذه النصوص يتوقف على صدور اللائحة التنفيذية خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون، كما يتوقف نجاح القانون في تحقيق الأهداف التي صدر من أجلها على الحزم في تطبيق الأحكام والعقوبات الواردة به دون استثناء.