دراساتقضايا وتحليلات

الاستثمار الزراعي … هل تكفي الحوافز والاعفاءات الضريبية وحدها؟

د محمد فتحي حصًان

   يُنظم مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) منذ عام 2002 جوائز من أجل إلقاء الضوء على الإنجازات البارزة لوكالات تشجيع الاستثمار ، ونشر أفضل الممارسات في تشجيع وتيسير الاستثمار الأجنبي المباشر حول العالم ، وفي 15 نوفمبر من العام الماضي أعلنت (الأونكتاد) عن فوز الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للمرة الأولى بجائزة الأمم المتحدة للتميز عن عام 2022 ، وذلك تقديرًا لجهودها في تحقيق “التميز في استهداف وتعزيز الاستثمار المستدام في قطاع الأعمال الزراعية”، حيث ركزت جائزة هذا العام على تعزيز الاستثمار المستدام في الأعمال الزراعية ذات الصلة بأهداف التنمية المستدامة بشأن الأمن الغذائي، وجاءت الجائزة تتويجا لتميز الهيئة العامة للاستثمار في تيسير إجراءات مشروع شركة القناة للسكر، وهو نموذج لمشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر المتكاملة في مجال الزراعة والتصنيع.

 ويعد قطاع الزراعة من أهم القطاعات الحيوية في مصر لارتباطه في المقام الأول بالأمن الغذائي، كما يساهم بـنسبة 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، و17 % من إجمالي الصادرات السلعية غير البترولية، وحوالي 25 % من القوة العاملة.   

وفي ضوء محدودية الرقعة الزراعية ومحدودية مياه الري، تسعى الدولة المصرية لجذب الاستثمارات لقطاع الزراعة من خلال منح الحوافز والاعفاءات الضريبية للمستثمرين في هذا القطاع، من أجل العمل على زيادة الرقعة الزراعية من خلال مشروعات الاستصلاح والاستزراع للأراضي البور والصحراوية التي تستخدم طرق الري الحديثة وليس الري بطريق الغمر، وما يرتبط بها من أنشطة انتاج الحيواني والداجني والسمكي ، وقد امتدت فترة الاعفاء الضريبي في بعض الأوقات وفقا لقانون الاستثمار السابق رقم 8 لسنة 1997 لمدة عشرين عاما تبدأ من أول سنة مالية تالية لبداية الإنتاج وذلك للشركات والمنشآت التي تمارس نشاطها خارج الوادي القديم .

 فما هي أهم جهود الدولة لتشجيع الاستثمار في قطاع الزراعة؟، وما هي أهم الحوافز والاعفاءات الحالية التي تمنحها الدولة للمستثمرين في هذا القطاع؟ وهل هذه الحوافز والاعفاءات الضريبة وحدها كافية لمواجهة تحديات الاستثمار في قطاع الزراعة؟ .

جهود الدولة لتشجيع الاستثمار في قطاع الزراعة:

بالإضافة إلى اتباع الدولة سياسة التوسع الزراعي بشكل رأسي لزيادة إنتاجية الفدان، من خلال تحسين جودة التقاوي والمخصبات الزراعية، اهتمت الدولة كذلك بالتوسع الأفقي من خلال المشاريع القومية التي تصب في صالح قطاع الزراعة، منها مشروع الدلتا الجديدة، ويقام بمساحة تزيد عن 2 مليون فدان في الساحل الشمالي الغربي، ومشروع مستقبل مصر على مساحة 500 ألف فدان على امتداد طريق محور الضبعة، ومشروع استصلاح 1.5 مليون فدان في 13 منطقة في 8 محافظات، تقع في صعيد مصر وسيناء.

   ونتيجة لذلك فقد زادت مساحة الأراضي المنزرعة في مصر بنسبة 9%، لتصل إلى 9.7 مليون فدان في عام 2021، مقارنة بـ 8.9 مليون فدان في عام 2014.  ونتج عن زيادة مساحة الرقعة الزراعية أن تجاوزت الصادرات الزراعية 5.6 مليون طن خلال عام 2021، للمرة الأولى في تاريخ مصر، بحسب وزارة الزراعة التي قالت إن إجمالي الصادرات الزراعية خلال العام المذكور لم يتحقق حتى قبل جائحة فيروس كورونا.

كما تعاملت الدولة مع التحدي الأكبر لقطاع الزراعة والمتمثل في نقص الموارد المائية، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من نهر النيل وتصل إلى 60 مليارا بإضافة مياه الأمطار والمياه الجوفية، في حين أن احتياجات مصر السنوية تصل إلى 80 مليار متر مكعب، وذلك من خلال توفير المياه من مصادر غير تقليدية سواء من تحلية مياه الصرف الزراعي أو معالجة مياه البحر ، وإعادة تدوير المياه حيث أنشأت محطة لمعالجة مياه بحر البقر بتكلفة 18 مليار جنيه ، وتنتج ملياري متر مكعب سنويا، وسوف تذهب هذه المياه إلى سيناء، كما سيتم إنشاء محطة أخرى على ترعة الحمام بطاقة 6 مليارات متر مكعب في السنة وبتكلفة 80 مليار جنيه من أجل استصلاح الأراضي في الدلتا الجديدة ، وكذلك الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية، واتخاذ عدة إجراءات لترشيد استهلاك المياه وتقليل الفاقد على رأسها المشروع القومي لتأهيل وتبطين الترع وتطوير المساقي والمراوي، وتحديث منظومة الري التقليدية من خلال استخدام النظم الموفرة للمياه وتقنين زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، واستنباط أصناف من التقاوي قليلة الاحتياجات للمياه .

حوافز الاستثمار في قطاع الزراعة في قانون ضريبة الدمغة:

وفقا لقانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 والمعدل بالقانون رقم 92 لسنة 1996 يعفى استهلاك الكهرباء في أغراض استصلاح واستزراع الأراضي من ضريبة الدمغة.

حوافز الاستثمار في قطاع الزراعة في قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005:

بالرغم من أنه يُسمى قانون الضريبة على الدخل، الا أن المُشرع ولأهمية قطاع الزراعة قد أورد بنص المادة (50) من هذا القانون اعفاء لأرباح شركات استصلاح أو استزراع الأراضي لمدة عشر سنوات اعتباراً من تاريخ بدء مزاولة النشاط أو بدء الإنتاج حسب الأحوال، واعفاء لأرباح شركات الإنتاج الداجني وتربية النحل وحظائر تربية المواشي وتسمينها وشركات مصايد ومزارع الأسماك لمدة عشر سنوات من تاريخ مزاولة النشاط . 

كما نصت المادة رقم (56) من اللائحة التنفيذية للقانون على طريقة تحديد تاريخ بدء مزاولة النشاط أو بدء الإنتاج بالنسبة لشركات استصلاح أو استزراع الأراضي، حتى لا يترك المجال تقديرا لكل مأمورية ضرائب، وذلك وفقاً لما يأتي:

-إذا كانت الشركة تزاول نشاط الاستصلاح أو الاستزراع لحساب الغير تكون بداية مدة الإعفاء من تاريخ إبرام أول عقد لأي من النشاطين.

 -إذا كانت الشركة تزاول نشاط الاستصلاح أو الاستزراع لحسابها وتقوم ببيع الأراضي المستصلحة أو المستزرعة تكون بداية مدة الإعفاء من تاريخ بيع أول قطعة أرض مستصلحة أو مستزرعة.

 -إذا كانت الشركة تزاول نشاط الاستصلاح والاستزراع أو الاستزراع فقط لحسابها وقامت بزراعة الأرض تكون بداية مدة الإعفاء من تاريخ اعتبار الأرض منتجة وفقاً لقرار يصدر من وزير المالية بالاتفاق مع وزير الزراعة أو وفقاً لما هو وارد بسجلات مديرية الزراعة المختصة حسب الأحوال.

حوافز الاستثمار في قطاع الزراعة في قانون الضريبة على القيمة المضافة:  

تضمن قانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر برقم 67 لسنة 2016، عددا من الإعفاءات المهمة لبعض السلع والخدمات المرتبطة بقطاع الزراعة من ضريبة القيمة المضافة، ومنها المنتجات الزراعية التي تُباع بحالاتها الطبيعية بما فيها البذور والتقاوي والشتلات، ومنتجات المطاحن فيما عدا الدقيق الفاخر أو المخمر المستورد من الخارج، وبيع وتأجير الأراضي الزراعية، والخضر والفواكه المصنعة محليًا عدا البطاطس والعصائر ومركزاتها، والبقول والحبوب وملح الطعام والتوابل المصنعة، وأغذية محضرة للحيوانات والطيور والأسماك (محضرات وإضافات ومركزات الأعلاف فيما عدا ما يستخدم لتغذية القطط والكلاب وأسماك الزينة) ، وخدمات استزراع واستنبات ورعاية الأرض والمحاصيل وعمليات الحصاد وتوريد العمالة الزراعية.

كما تضمن القانون مجموعة أخرى من السلع التي يكون لها معاملة خاصة في سعر الضريبة تعرف بـ “سلع الجدول”، وقسم القانون هذه السلع إلى نوعين، الأول تفرض عليها ضريبة الجدول فقط، ولا تخضع للسعر العام للضريبة، مثل الأسمدة والمبيدات الزراعية.

حوافز الاستثمار في قطاع الزراعة في قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017:

    أولى قانون الاستثمار قطاع الزراعة أهمية كبيرة فجعله ضمن الأنشطة والمجالات الخاضعة لأحكامه والتي تتمتع بمزاياه وحوافزه، ويشمل الآتي: 

-استصلاح واستزراع الأراضي البور أو الصحراوية، ومنها: 

-استصلاح وتجهيز الأراضي بالمرافق الأساسية التي تجعلها قابلة للاستزراع. 

-استزراع الأراضي المستصلحة. 

ويشترط في الحالتين أن تكون الأراضي مخصصة لأغراض الاستصلاح والاستزراع، وأن تستخدم طرق الري الحديثة في الاستزراع وليس الري بطريق الغمر. 

 الإنتاج الحيواني والداجني والسمكي ومنه:

تربية جميع أنواع الحيوانات، سواء كان ذلك لإنتاج السلالات أو الألبان أو التسمين أو اللحوم. 

تربية جميع أنواع الدواجن والطيور سواء كان ذلك لإنتاج السلالات أو التفريخ أو إنتاج البيض أو التسمين أو اللحوم. 

تربية الخيول. 

المزارع السمكية. 

الهندسة الوراثية في المجالات النباتية والحيوانية. 

وقد منح قانون الاستثمار المستثمرين في هذا القطاع مجموعة من الإعفاءات والحوافز منها:

  أولا: الحوافز العامة:

حيث تعفى من ضريبة الدمغة ومن رسوم التوثيق والشهر عقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها، وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ قيدها في السجل التجاري ، كما تعفى من الضريبة والرسوم المشار إليها عقود تسجيل الأراضي اللازمة لإقامة الشركات والمنشآت ، وتسري على الشركات والمنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون أحكام المادة (4) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بالقانون رقم 186 لسنة 1986 الخاصة بتحصيل ضريبة جمركية بفئة موحدة مقدارها (2%) من القيمة، وذلك على جميع ما تستورده من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشائها.

ثانيا: الحوافز الخاصة:

حيث تمنح المشروعات الاستثمارية التي تقام بعد العمل بهذا القانون وفقا للخريطة الاستثمارية، حافزا استثماريا خصما من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة بنسبة (50%) خصما من التكاليف الاستثمارية للقطاع (أ)، والذي يشمل المناطق الجغرافية الأكثر احتياجا للتنمية طبقا للخريطة الاستثمارية وبناء على البيانات والإحصاءات الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ووفقا لتوزيع أنشطة الاستثمار بها.

وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2022 بتحديد القطاعات الفرعية لأنشطة الاستثمار بالنطاق الجغرافي للقطاع (أ) وتشمل الأنشطة الفرعية لقطاع الزراعة الأنشطة التالية:

استصلاح واستزراع الأراضي البور أو الصحراوية، ومنها استصلاح وتجهيز الأراضي بالمرافق الأساسية التي تجعلها قابلة للاستزراع، واستزراع الأراضي المستصلحة، ويشترط في الحالتين أن تكون الأراضي مخصصة لأغراض الاستصلاح والاستزراع، وأن تستخدم طرق الري الحديثة في الاستزراع وليس الري بطريق الغمر. 

تربية جميع أنواع الحيوانات لأغراض إنتاج السلالات أو الألبان. 

تربية الدواجن.

كما تمنح المشروعات الاستثمارية للقطاع (ب) ويشمل باقي أنحاء الجمهورية بخلاف القطاع (أ) حافزا استثماريا خصما من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة بنسبة (30%) خصما من التكاليف الاستثمارية وفقا لتوزيع أنشطة الاستثمار.

وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2022 بتحديد القطاعات الفرعية لأنشطة الاستثمار بالنطاق الجغرافي للقطاع (ب) وتشمل الأنشطة الفرعية لقطاع الزراعة الأنشطة التالية:

المزارع السمكية بما تشمله من اقفاص بحرية واستزراع سمكي تكاملي ومفرخات بحرية. 

تربية جميع أنواع الطيور سواء كان ذلك لإنتاج السلالات أو التفريخ أو إنتاج البيض أو التسمين أو اللحوم. 

تربية جميع أنواع الحيوانات لأغراض التسمين وإنتاج اللحوم الحمراء.

وفي جميع الأحوال يجب ألا يجاوز الحافز الاستثماري (80%) من رأس المال المدفوع حتى تاريخ بدء مزاولة النشاط، وذلك وفقا لأحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 كما يجب ألا تزيد مدة الخصم على سبع سنوات من تاريخ بدء مزاولة النشاط.

الحوافز والاعفاءات الضريبة وحدها لا تكفي:

  في النهاية يجب التأكيد على ضرورة العمل على ادراج الإعفاءات من الضريبة على الدخل لهذا القطاع في قانون واحد يطبق الميزة الأفضل لصالح المستثمرين بهذا القطاع، كذلك يجب النظر في اعفاء جميع ما تستورده الشركات العاملة في هذا القطاع من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشائها أو لتوسعاتها من الضريبة الجمركية.  

   ولكن رغم أهمية الحوافز والاعفاءات الضريبة ودورها في تشجيع المستثمرين في قطاع الزراعة، فإنها ليست الحل الوحيد للتغلب على التحديات التي تواجه الاستثمار في هذا القطاع وعلى رأسها محدودية الرقعة الزراعية وندرة مياه الري ، فهناك سياسات أخرى يجب أن تُطبق بالتوازي مع منظومة الحوافز والاعفاءات، أهما النظر في إمكانية تخصيص الأراضي القابلة للاستصلاح للشركات والأشخاص الجادين بالمجان ، وتوفير البنية الأساسية لمشروعات الاستصلاح من مياه للري وطرق وخدمات ومرافق ، وتوفير نظم التمويل اللازم لمشروعات الاستصلاح الزراعي بدون فوائد أو بفوائد ميسرة ، والتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة في هذا القطاع ، والعمل على تشجيع إقامة مجتمعات عمرانية جديدة كاملة المرافق في المناطق التي يتم استصلاحها.      

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى